ليست أماً للمؤمنين.. قصة آخر زوجات النبي التي ارتدت عن الإسلام وقادت مع أخيها حركة الردة

عدد القراءات
4,136
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/07 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/08 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية / الشبكات الاجتماعية

في عام 9هـ، اقترن الرسول بزوجته أسماء بنت النُّعمان الكندية، وحينما رغب في الدخول بها فوجئ بها تستعيذ منه فأجابها "لقد عذتِ بعظيم، الحقي بأهلك"، ثم نهض عنها.

غضب النبي على عروسه فامتنع عنها وخرج من حجرتها، وفي طريقه قابل من فوره الأشعث بن قَيْس أحد زعماء كِندة البارزين في اليمن، والذي وفد على النبي في 70 رجلاً من قومه مثل غيره من قبائل العرب التي تسابقت على إعلان إسلامها واتباعها لدعوة النبي فيما عُرف بـ"عام الوفود" (9هـ).

بذكاء، سعى الأشعث لاستغلال ذلك الشقاق الذي وقع بين الرسول وزوجته التي أنِفَ الدخول بها، فقرّر توطيد علاقته بالنبي بنصيحة فورية اقترح عليه فيها استبدال أسماء بأخرى قائلاً: "لا يسؤك الله يا رسول الله ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب؟"، عندها سأله النبي: "من؟"، فأجابه شعث "أختي قتيلة"، فأجابه النبي: "قد تزوجتها".

قام الأشعث بهذه الخطوة بعد فشل محاولته الأولى في خلق رابطة عائلية بينه وبين الرسول، بعدما سأله فور قدومه "يا رسول الله، ألستم منّا؟!"، يقصد أن قريشاً وبني هاشم من كِندة، وهو ما نفاه النبي، مؤكداً أنه منحدر من "بني النضر بن كنانة". هنا آثر الأشعث ألا يغادر مكّة خالي الوفاض فعرض أخته على الرسول فوافق على الاقتران بها.

عاد الأشعث إلى اليمن حيث جهّز أخته وأرسلها إلى النبي. لكن –لسوء حظ الأشعث- لم يُقدّر لهذه الزيجة أن تستمرَّ طويلاً، فسريعاً ما مرض النبي في نصف شهر صفر، المرض الذي أدّى لوفاته في النهاية قبل أن تظفر قُتيلة بما يكفي من صُحبته.

يقول ابن الأثير في كتابه "أُسد الغابة": تزوّجها النبي قبل شهرٍ من وفاته ثم اشتكى، وقُبض في بداية شهر ربيع الأول، ولم تكن قدمت عليه بعد ولا دخل بها".

وفي رواية أخرى، أن قُتيلة بلغت المدينة في أيام النبي الأخيرة، ولما أحسَّ بدنو أجله خيّرها بين البقاء على ذمته على أن يُضرب عليها الحجاب وتمتنع عن الزواج من بعده أو الطلاق والزواج بمَن تشاء، فاختارت الطلاق ثم الزواج من بعده.

الارتداد عن الإسلام

زوجة النبي التي ارتدت
صورة تعبيرية لحروب الردة

ما إن مات النبي حتى أعلن الأشعث رفضه الاعتراف بخلافة أبي بكر، وقال لصحبه: "رجعت العرب إلى ما كانت الآباء تعبُد، ونحن أقصى العرب داراً من أبي بكر، أيبعث لنا أبو بكر الجيوش؟".

وأحدثت دعوته تلك انشقاقاً مجتمعياً بين من انضمَّ إليه ومن تجمّع حول زياد بين لبيد عامل الرسول على حضرموت.

ضمن مَن أيَّد تلك الدعوة أخته قُتيلة -زوجة الرسول، التي فسد اقترانها به بسبب تلك الخطوة فرفض أغلب العلماء تصنيفها ضمن "أمهات المؤمنين"- التي عادت إلى حضرموت وارتدّت عن الإسلام مع أخيها، حسبما تؤكد كُتب التاريخ.

على أية حال، لم تستمرّ تلك الفتنة كثيراً وانتهت سريعاً بهزيمة الأشعث وإرساله مُكبلاً بالحديد إلى أبي بكر، الذي عفا عنه لعِظَم مكانته عند قومه وزوّجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة.

فماذا عن قُتيلة؟

زوجة النبي التي ارتدت

بعد ذِكر خبر ارتدادها سيختفي ذِكرها من كتب التاريخ وكأنما مُحيت بممحاة، لكنها بالتأكيد جرى عليها ما جرى على أخيها من صعودٍ وهبوط، فهل عادت إلى الإسلام مُجدداً بعودته؟ لا أعلم، ولا أحد يعلم، فلم تحدثنا مروية تاريخية موثّقة عنها في هذا الصدد.

لكن يُمكن اشتمام خبر عودتها إلى الإسلام مُجدداً من أمرين؛ الأول هو عودة أخيها نفسه إلى الإسلام بعد عفو أبي بكر عنه، فحسُن إسلامه وروى عن النبي عدة أحاديث جمعها ضياء الدين المقدسي في أحد فصول كتابه "الأحاديث المختارة" تحت عنوان لافت هو "مسند الأشعث بن قيس رضي الله عنه"، كما شهد معارك إسلامية جليلة مثل القادسية والمدائن، وعاش في الكوفة واشتهر تاريخياً بنُصرته للإمام عليّ في حربه ضد معاوية حتى مات، ومن واقع سيرتها نعلم مدى تأثير أخيها عليها فهو مَن زوّجها للنبي، وهو مَن قادها إلى الإسلام في أول الأمر، ثم إلى الارتداد عنه لاحقاً، فلن أستعجب إن كانت قُتيلة قد عادت مع أخيها إلى الإسلام من جديد.

والخبر الثاني هو ما ورد عن زواجها من الصحابي عِكرمة بن أبي جهل القرشي أحد فرسان مكة البارزين، الذي عادَى الإسلام حتى يوم الفتح فهرب قليلاً إلى اليمن ثم عاد إلى المدينة بعدما أمّنه النبي (صلى الله عليه وسلم) على حياته، فأسلم على يديه وحسُن إسلامه حتى مات.

عندما علم أبو بكر بنبأ هذه الزيجة غضب وهمَّ بأن يأمر بضرب عُنق عِكرمة وإحراق البيت عليه لأنه تجرّأ على الاقتران بزوجة الرسول، لولا أن راجعه عمر بن الخطاب قائلاً: "يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمْ يُخَيِّرْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَحْجُبْهَا"، فسكن أبو بكر وامتنع عن عقاب الزوجين. وهو ذات ما ينطبق على أسماء بنت النعمان التي أرادت الزواج في عهد عُمر بن الخطاب فأراد معاقبتها إزاء ذلك فأجابته "والله ما ضُرب عليّ الحجاب، ولا سُميت أم المؤمنين"، فكفَّ الفاروق عنها.

بحسب الصالحي الشامي في كتابه "سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد"، فإن قُتيلة ولدت لعكرمة ولداً يُدعى "مخيل"، هذه المعلومة نفاها ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الذي أكّد فيها أن قُتيلة لم تُنجب من عِكرمة أبداً.

فيما عدى هاتين الواقعتين فإن كُتب التاريخ لا تمنحنا شيئاً يُمكننا منه استلهام معلومةً إضافية عن سيرة قُتيلة، وعلى الأرجح فإن السبب وراء ذلك هو أنها لم تعمّر طويلاً، فبحسب كتاب "يمانيون في موكب الرسول" لمحمد حسين الفرح، ماتت قُتيلة بعد عامٍ واحد من وفاة النبي.

لكن لم يمنع هذا من تردّد اسمها لاحقاً في واقعة شهيرة في التاريخ الإسلام وهي وفاة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، والشبهات التي لاحقت وفاته، واتّهام زوجته جعدة بنت الأشعث الكندية -قتيلة هي عمّتها- بدسِّ السُم له بأمرٍ من معاوية بن أبي سفيان حتى يخلو له ولولده مقعد الخلافة.

يرفض أغلب علماء السُّنة تلك المرويات، فيما يتمسّك بها الشيعة، الذين تحتلُّ "قتيلة" مكانة دُنيا في أدبياتهم المعرفية والفقهية، فجرت حرب عقائدية صغيرة بين الجانبين حولها، بعدما كثرت الإشارة إليها بالسوء في العديد من الكتب الشيعية، أكثرها صخباً أطروحات رجل الدين الشيعي ياسر الحبيب الذي جرّدته الكويت من جنسيته بسبب آرائه الشيعية المتطرّفة، بينما تمسّك السُّنة بالدفاع عنها بدعوى بأنها لم تُخطئ بزواجها بعد النبي لأنه لم يدخل عليها، كما لم يُخطئ أبو بكر وعُمر في السماح لها بذلك، فهي وإن كانت زوجة للنبي إلا أنها لا تعدُّ أمّاً للمؤمنين تنطبق عليها قواعد الحجاب والقرن في البيوت وعدم الزواج بأحد.

المصادر

معرفة الصحابة، أبو نعيم الأصفهاني، الجزء السادس، ص 245

الطبقات الكبرى، ابن سعد، الجزء الثامن، ص 147

أبو الحسن ابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، الجزء السادس، ص 241

إمتاع الأسماع، المقريزي، ص 100

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، الصالحي الشامي، الجزء الـ11، ص 230

تاريخ حضرموت الاجتماعي والسياسي قبيل الإسلام وبعده، سرجيس فرانتسوزوف، ص99

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد متاريك
باحث في التاريخ وعلوم اللغة
باحث في التاريخ وعلوم اللغة، صحفي مصري، عمل محرراً في عدد من دور النشر.
تحميل المزيد