"مجرد تريند جديد".. هكذا يتعامل بعض المصريين مع أي أحداث عالمية مهما كانت خطيرة أو مأساوية، فعندما حدثت اضطرابات في لبنان عام 2019 ونُشرت صور لمتظاهرين ومتظاهرات من الدولة الشقيقة توجهت أنظار هذا البعض فقط نحو الحسناوات اللبنانيات، وانتشرت "الكوميكس" والمنشورات الساخرة عن احتمالية تطور الأوضاع اللبنانية للأسوأ، ومن ثم قدوم الحسناوات اللبنانيات إلى مصر كلاجئات منكوبات لا حول لهن ولا قوة، وهو ما يزيد من احتمالية قبولهن للزواج من هؤلاء الشبان المصريين، الذين يستكثرون أنفسهم على البنات المصريات.
ومع تطور الأوضاع العالمية ونشوب حرب روسية- أوكرانية، قد تودي بنا إلى حربٍ عالمية ثالثة، يتكرر الأمر مجدداً من هذا البعض، ويتداولون صوراً لفتيات أوكرانيات مصحوبة بعبارات ساخرة عن احتمالية قدوم الشقراوات الأوكرانيات إلى مصر كلاجئات مشردات، قد يقبلن بالزواج من مصري، لينقذن أنفسهن من الموت جوعاً.
وبغضّ النظر عن هذا المصري الذي يفتقد الثقة بنفسه، والذي يعرف أن فرصة زواجه من أجنبية حسناء تكاد تكون معدومة، ما لم تكن الحسناء تمر بظروف قهرية جعلت منها لاجئة، وبغض النظر عن أن "النكتة" إذا تكررت فإنها تفقد قيمتها وقدرتها على الإضحاك، بغض النظر عن ذلك كله، لماذا يتعامل هذا البعض مع الأحداث المأساوية التي تحدث في الدول الأخرى بهذا القدر من اللامبالاة واللاإنسانية؟!
وإذا فقد هذا البعض إنسانيته وأصبح لا يشعر بمأساة الآخرين، ويتعامل معها بهذا القدر من السطحية واللامبالاة، فلماذا يثق هذا البعض أن دوره لن يأتي؟
لماذا يتعامل بعض المصريين مع أي أحداث مأساوية تحدث خارج مصر بمنطق "هذا يحدث للآخرين فقط"؟
هل كان المواطن الأوكراني قبل بضع سنوات يتخيل أنه سيجد نفسه في مرمى نيران الجيش الروسي؟ هل كان يتوقع نشوب حريق ضخم بالقرب من أكبر محطة نووية في أوروبا مثلما حدث مؤخراً؟ أعتقد أن المواطن الأوكراني كان يعيش حياته بشكلٍ طبيعي ولا يفكر في احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة تبدأ من موطنه، ولكن نشبت الحرب واضطر عدد كبير من الأوكرانيين إلى الهرب بحياتهم نحو المجهول، وأصبحت الفتيات الأوكرانيات مادة لسخرية الشاب المصري العاجز عن الزواج من بنات بلده بسبب ظروفه المادية الصعبة.
إذا كان بعض المصريين يتعاملون مع أزمات الآخرين بلا مبالاة ولا إنسانية، وإذا كانوا يقبلون ذلك على أنفسهم فمن مصلحتهم ألا يتعاملوا مع تلك الأمور من منطلق أن هذا يحدث للآخرين فقط، لأننا لا نعيش في معزل عن العالم المتلاطمة أمواجه، نحن جزء من هذا العالم، ولنكن صرحاء مع أنفسنا، ونعترف أننا جزء ضئيل قد يكون في أي وقت بؤرة لأحداث مأساوية لا يستطيع أن يفعل أمامها شيئاً، ولن يجد من يقف بجانبه ويسانده مثلما وجدت أوكرانيا دعماً عالمياً لا بأس به أمام القوة الروسية الغاشمة التي تهدد العالم.
نحن في أشد الحاجة إلى وقفة مع النفس، وقفة نبدأها بالمصارحة والاعتراف بحجمنا الحقيقي، لنعرف أن الدور القادم قد يكون دورنا، وأن ما يحدث للآخرين قد يحدث لنا أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.