لم أكن أنتبه له كثيراً، في الواقع كنت أعتبره جزءاً من الأعمال التي شارك بها، كأنما هو من أساسيات الفيلم كالكاميرا والمخرج، تلك الأشياء التي لا تستغني عنها بعض الأعمال، وجودها كلبنة بلا بديل، لكنني انتبهت له حقاً في طفولتي، تحديداً في توقيت مقتل السندريلا، حزن الجميع، وتحرك هو ليرسخ في ذهني، بقصد أو من دون قصد، أنها قُتلت بكل تأكيد، لكن مهلاً، لماذا اهتمَّ سمير صبري إلى هذا الحد، لماذا سعى واستضاف الأصدقاء والمعارف والإخوة، وكل من له علاقة من قريب أو من بعيد، في وقت لم يمثل الأمر أبعد من خبر لجل الإعلاميين، كان هو حقاً "مهتماً".
لعل تلك هي كلمة السر بشأن "سمير صبري"، إنه يهتم، ويعتني، ويتعامل بلطف شديد مع الجميع، دون استثناء، كبيراً كان أو صغيراً، وقد كانت لي معه قصة.
سري الخاص مع سمير صبري
"سكر حلوة الدنيا سكر" لم أكن أستسيغ الأغنية كثيراً، أراها إيجابية بطريقة أكثر من اللازم، لكنني وجدتني أغنيها في ذلك اليوم. كانت ليلة مزدحمة بالعمل، حين جاءني ذلك التكليف في جريدتي اليومية، "يجب أن نحصل على صور من طفولة الفنانين مصحوبة بقصة الصورة"، حسناً إنه شهر رمضان الكريم، لا أحد يجيب على هاتفه تقريباً من الفنانين خلال الصباح، وفي المساء الجميع مشغول والوقت بالتأكيد "غير مناسب"، وإذا اتصلت صرت "شخصاً قليل الذوق"، هكذا حادثت العشرات حرفياً، دون جدوى، كدت أفقد الأمل في إنجاز التكليف، لكن رقماً واحداً من تلك التي لم تُجبني أعاد الاتصال بي، كان هو: "ألو أيوة أنا سمير صبري"، كان دمث الخلق، لطيفاً، أخبرته بطلبي فأخبرني أنه لن يتمكن من إرسالها عبر الإنترنت، ولكن يمكنني أن أحصل عليها على "فلاشة" من جهازه، أخبرته أن منزله بعيد، وأن الوقت ضيق، فأخبرني أنه سوف يرسل لي شخصاً كي أحصل على الصورة، وبالفعل أرسلها لي دون أن يكلفني عناء، لم يكن يعلم أن لدي طفلاً صغيراً، وأن لدي تكليفات عديدة بخلاف تلك القصة، رحمني دون أن يعرف ظرفي، وأنقذني وقتها من الإخفاق، هكذا صرت أبتسم كلما رأيته، صحيح أنني لم أقابله لكنه كان لطيفاً جداً معي.
المعلم الخاص لسمير صبري
هل اللطف الشديد أمر مكتسب أم أنه صفة في المرء؟ راودني السؤال بينما كنت أسمع حديثاً لسمير مع صفاء أبو السعود في برنامجها "ساعة صفا"، يتحدث كيف اكتسب أهم صفاته من والده: "والدي كان يملك مطابع باسم محرم في الإسكندرية، وكان يعمل سكرتيراً لنادي ضباط الزمالك، حيث كان ينظم حفلات، كان صديقاً لعبد الوهاب، وتحية كاريوكا، وعبد العزيز محمود، وكثير من الفنانين، أخبرني أن رأس مال المرء علاقاته العديدة مع الناس، هذا أهم من المال، علمني أيضاً أن أعيش كما ينبغي دون الانتباه لشيء، سوى أن أكون إيه كلاس، أفضل سيارة، أفضل ملابس، حتى إنني حين تخرجت أعطاني شقة.
المذيع المهدور حقه
بعيداً عن أدواره المميزة في الأفلام، وعن أغانيه، أتوقف كثيراً عند ذلك الجزء من حياته كمذيع، لا يعرف البعض أنه قادم بتقديم برنامج "ما يطلبه المستمعون" باللغة اﻹنجليزية، كما قدم عدة برامج في التلفزيون المصري، تمتعت بشعبية كبيرة، منها "هذا المساء"، و "كان زمان"، و"النادي الدولي".
حين شاهدت له ذلك الحوار مع وزير السياحة والطيران، الوزير محب رمزي استينو، في برنامجه الأشهر "النادي الدولي" في سبعينات القرن الماضي، وجدتني وقد انتبهت لتلك النبرة الهادئة والأسئلة المدققة، أدركت أن ذلك الرجل مذيع عظيم مُهدَر حقه، معلومات عميقة حول وضع السياحة في مصر ودول العالم، مساحة حقيقية للضيف، مذيع يملك وجهة نظر، لكنه لا يفرضها على ضيفه، هكذا علمت الفارق الحقيقي بينه كمذيع موهوب وجيد جداً وبين مذيعي اليوم، حيث لا مساحة لضيوف، ولا احترام في أسئلة، ولا جودة في المعلومات والخلفية، يكفي أن تسمع المقدمة في تلك الحلقة بالذات حتى تعرف جيداً من هو المذيع سمير صبري.
جودة جعلته يحاور الجميع، كبيراً وصغير، حتى إنه حاور وجوهاً ربما لم تظهر في بداياتها مع سواه، مثل ذلك اللقاء المميز بينه وبين مرتضى منصور، يكاد يكون اللقاء الوحيد له في صباه، ذلك اللقاء يمنحك نظرة لبعد نظره في اختيار ضيوفه.
من رجال السياسة والدولة إلى رجال القانون، وحتى رجال الرياضة، والفنانين، القديم منهم والحديث وقتها، تجده يمزج بين شخصيات مختلفة، حلقة واحدة تجده جمع فيها كلاً من "سناء جميل، كابتن لطيف، شكري سرحان، عمر خورشيد، وحيد سيف"
تجده أيضاً يتحاور بعمق مع عبد الحليم حافظ في حياته، ومع أسرته عقب وفاته، أعجبني لقاؤه مع "شكوكو"، النجار الذي صار أشهر من نار على علم.
ضحكت كثيراً من ذلك اللقاء الذي جمعه مع نورا، حين طلبت أن تقابل رشدي أباظة، فإذا به يلبي طلبها، لكن الضيف الذي جاء به في الواقع هو وحيد سيف!
مشكلته مع فريدة الزمر وسلمى الشماع
"سمير صبري أبعد سلمى الشماع وفريدة الزمر بعد خطف الأضواء منه" عنوان مانشيت أثار حفيظة الإعلامية صفاء أبو السعود، جعلها تناقش سمير صبري الذي أخبرها "أبعدهم إزاي هو أنا رئيس التلفزيون، ولا أنا رئيس المنوعات؟ بعز جداً سلمى وفريدة ومعنديش معاهم مشكلة".
جملة بسيطة، لكن بدا أنها تخفي وراءها الكثير، فسمير صبري الذي ظهرت لفترة ببرنامجه النادي الدولي، بصحبة كل من سلمى الشماع وفريدة الزمر، لم يكن صاحب القرار في إبعادهما بحسبه، ولكنه كان قرار محمد سالم رئيس المنوعات وقتها، إجابة حقيقية وليست لغسل اليدين منهما، ففي الواقع تعتبر الإعلامية القديرة فريدة الزمر سمير صبري أستاذها في "الشغلانة"، عقب قيامها بتقديم برنامج "النادي الدولي"، بصحبته، مؤكدة "أعطاني ثقة في نفسي"، الأمر ذاته مع سلمى الشماع، التي تعتبر أن "سمير صبري مجاش بعده".
سر الخاتم في يده
لفت نظري ذلك الخاتم في يده، لا يبرحها، ويرتديه في إصبع الخنصر، بحثت حتى عرفت سر الخاتم الذي في يده، والمكتوب عليه "ما شاء الله"، هكذا يمسكه باستمرار ليثبته ويحول دون وقوعه، فهو واسع على إصبعه، ولا يقدر على ارتدائه في أي إصبع سوى ذلك الصغير، يحكي قصته قائلاً: "وأنا واقف في الكعبة قبل صلاة الفجر وببص للي حوليا والناس والطيور اللي طايرة حولينا، بلا أي فضلات، والساحة فاضية، ولا رمضان ولا أي حاجة، وأنا قاعد وبناجي الخالق في أمور كثيرة، وإذا براجل قاعد بيصلي لابس العباءة السعودية ونظر لي، لا أعرف هل تعرّف عليّ أم لا، اقترب مني وبلا حديث أمسك بيدي وألبسني هذا الخاتم، فتباركت أن ذلك حدث في محيط الكعبة، من يومها وأنا لا أرتدي غيره.. بعدما كنت أرتدي خواتم ذهب، حاولت تضييقه ولم أستطع فصرت أرتديه طول الوقت وأتفاءل به جداً جداً".
لهذا السبب تحفّظ على حياته الخاصة
اختار سمير صبري نفسه، لم يكن أباً جيداً، في الواقع لم يكن أباً من الأصل لطفله، ربما تلك هي النقطة الوحيدة التي ضايقتني بشأنه، كان لديه طموح عظيم، ويرى في الوقت نفسه أنه سواء كانت الزوجة من المجال أو خارجه فزواج الفنان لا يستمر لأسباب كثيرة، يقول: "التجارب تقول إن الفن لا يتسق مع الحياة الزوجية، هدى سلطان وفريد شوقي، عقب 19 سنة من الزواج، وقع الأمر بسبب الغيرة المتبادلة، كذلك الأمر مع ليلى مراد وأنور وجدي، لا يرغب أن تعمل مع سواه والعكس".
"الناس كانت شاكة إنك ملكش في الستات لأنك متزوجتش قبل كده"، قالتها بسمة وهبة بأسلوب سخيف جداً في برنامجها "شيخ الحارة"، لكنه ردّ "علاقاتي كانت كتيرة جداً، ومع نجمات كتيرة جداً في الوسط الفني، أنا خلبوص وحريص جداً، الشائعات كتيرة جداً حولين أي حد مشهور في الوسط الفني أو في غيره، اسمعي من هنا وطلعي من هنا.. محمد عبد الوهاب قالي إوعى تسمع حد بيجيب سيرتك سيبه يهري بينه وبين نفسه، امشي انت دوغري على طول، لو حد حدفك بطوبة إوعى توطي تجيبها، سيبه هو يوطي، عمره ما هيحصلك".
تزوج سمير دون علم والديه في بداية حياته من امرأة إنجليزية، يقول: "أنا حبيت اللي أنا اتجوزتها، ست إنجليزية والدها كان بيدرس في إسكندرية، مكانش سهل بالنسبة ليا أروح أقول لأبويا عاوز أتجوز خوجاية، كان بيحلم بالفرح، وعبد العزيز محمود يغني في الفرح، مقدرتش أحطم آمالهم، والآمال المنتظرة، اتجوزنا وخدت شقة، لكن نداهة الفن بالنسبة ليا خلتني مش شايف غير إني عاوز أمثل وعايز أبقى نجم، ماشيلتش مسؤولية أي حاجة تانية غير تقدمي في الفن، وكان بطيء مبني على مسلسلات العظيم فؤاد المهندس في رمضان وأدوار صغيرة في الأفلام زي 30 يوم في السجن، وده بندم عليه جداً حالياً، مقدرتش أعمل توازن بين الأسرة والحياة الفنية، فضّلت الفن ومكنتش شايف حاجة تانية، اتحسرت لما سابتني وراحت إنجلترا تولد، وكان عندها حق، لأن هي كانت قاعدة في البيت وأنا طول النهار وطول الليل بره، في محاولة لإيجاد عمل"، صار لديه لاحقاً 3 أحفاد من ابنه الوحيد، حكى عنهم باستفاضة في كتابه "حكايات العمر كله".
حين أبكى نور الشريف وأنقذ سامية جمال
علاقات طيبة مع الجميع حرفياً، لكن ذلك اللقاء الذي جمعه مع نور الشريف لم يتمكن فيه الأخير من أن يتمالك نفسه، حين حكى عن واحد من أصعب المواقف التي قابلته حين أنتج وقدم فيلمه "ناجي العلي"، يقول: "كنت بتشتم يومياً على الأقل 6 صفحات في جريدتين، واتهامات بأنني خائن وغير وطني، التجربة دي كشفتلي كتير من الزملاء والأصدقاء، سمير صبري كل يوم يكلمني مش عاوز حاجة؟ مستحيل أنسهالك يا سمير.. مش عاوز أحرجه ولا هاقول مواقفه مع بقية النجمات الكبار إزاي عالجهم وبيسأل عليهم وهم كبار في السن مفيش حد بيعمل ده غير سمير صبري".
حين تعرضت سامية جمال لضائقة مالية عقب طلاقها من رشدي أباظه لم ينقذها في ذلك التوقيت سوى سمير، الذي قام بضمها فوراً إلى فرقته، ليحكي الموقف بأريحية في ذلك اللقاء الذي جمعه لاحقاً مع مفيد فوزي.
"أكتر حد بيسأل على الفنانين، لو نادية لطفي تعبت، أو أي حد من الأساتذة، هو اللي بيبلغنا وبيقولنا نسأل، هكذا شهدت له إلهام شاهين.
هكذا بكى الجميع لأجله
كنت في غرفتي حين نادت عليّ أمي لتدعوني إلى الاستماع إلى تلك المكالمة المؤثرة بين الفنان سمير صبري وعمرو أديب، حيث اختنق الأخير بالبكاء على إثر المكالمة التي جمعته بسمير صبري، مرض شديد ألمّ به في العام الماضي، وانتقل على إثره إلى المستشفى قبل أيام لإجراء عملية دقيقة في القلب: "المسألة تعبت أوي"، هكذا أخبر عمرو الذي أكد له "انت عمرك ما اتأخرت على حد"، ليجيب الأخير: "اقفوا جمبي وساعدوني في علاجي.. خليك معايا يا عمرو"، تلك الجملة الأخيرة كانت مؤثرة جداً، لتستجيب رئاسة الجمهورية بالفعل، ويعلن صبري لاحقاً، أتلقى عناية طبية لم أتلقَّها من قبل، حيث بدا راضياً جداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.