منحة البطالة الجزائرية.. متى تتوقف السلطة عن توزيع “المسكنات”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/04 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/04 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد تبون (صفحة رئاسة الجمهورية الجزائرية)

استيقظ الشارع الجزائري قبل أكثر من أسبوع على مرسوم تنفيذي يقضي بتفعيل "منحة بطالة" ودخولها حيز التنفيذ، وذلك بعد إتمام كل الأمور المتعلقة والمرتبطة بها من ميزانية سنوية، وشروط الاستفادة، وإحصاء عدد العاطلين عن العمل في كامل التراب الوطني الجزائري، وغيرها من التفاصيل الإجرائية الأخرى، ويأتي هذا القرار بعد انتظار طويل وبعد تأخير لعدة أسباب.

بقدر ما أسعد هذا القرار كثيرين إلا أنه أثار تساؤلات عديدة أهمها الهدف الحقيقي من وراء المنحة.

ظاهرياً يبدو أن الحكومة رأفت بحال شبابها العاطل عن العمل، والذين لا يملكون قوت يومهم وأرادت بتلك الخطوة أن تساعدهم على الأقل، وتخفف عنهم أعباء الحياة وشقاءها، هذا ما يبدو في العلن، ولكن هل هذا كل شيء؟ ألا توجد أهداف أخرى يجهلها الكثيرون؟ ألا تعد هذه الخطوة "أفيون" آخر لشبابنا،  بديلاً عن الأفيون المعتاد -كرة القدم- خصوصاً بعد تراجع مستوى المنتخب الوطني في الآونة الأخيرة؟ 


ألا يمكن القول إن الحكومة عمدت إلى "تخدير" شبابها وتكميم أفواههم وإسكاتهم ببعض الدنانير، لكي يكفوا عن نقدها ونقد مؤسساتها ونقد توجهاتها وطريقة تسييرها للأمور.

قد خصصت الجزائر ما يقارب 750 مليون يورو سنوياً لحوالي 620 ألف شخص؛ إذ يستفيد كل بطال من حوالي 100 يورو شهرياً، فرغم أن الميزانية المخصصة ضخمة لعلاج مؤقت لمشكلة البطالة، إلا أن الإحصائيات وعدد العاطلين أثار علامات استفهام كبرى، هل هذا هو العدد فقط؟

لن نقول إن هذه المنحة تكفي أو لا تكفي أو أنها تغطي أو لا تغطي كافة الاحتياجات اليومية للشباب، يكفينا القول إنها تحفظ ماء الوجه، ولكن إلى متى؟

هل يبقى هؤلاء الشباب يعتمدون على منحة البطالة طيلة حياتهم، ألا يتزوجون، ألا يساهمون في بناء المجتمع والنهوض به خوفاً من أن يسقط عنهم شرط من شروط الاستفادة من المنحة، ويعد البعض أيضاً أن شروط الاستفادة من المنحة ما زالت مجحفةً في حق الكثيرين.. كيف لا، والخريج الجامعي صاحب العشرين سنة والذي أتم دراسته لا يمكن أن يستفيد من المنحة بحجة عدم تسوية وضعيته تجاه الخدمة العسكرية، أو لم يكن جديراً بالحكومة أن تتعامل مع خريجيها الجدد بطريقة أفضل.
فعلى هذا الوضع لن يسجل أي خريج جامعي للاستفادة من المنحة هروباً من الخدمة العسكرية، ناهيك عن عدم أهلية العاطل المتزوج للحصول على منحة الـ"82″ يورو، إذا كان للطرف الثاني دخل ثابت، فهل دخل واحد في العائلة يمكن أن يغطي احتياجات جميع أفرادها مهما كان عددهم، ومهما كان حجم هذا الدخل؟ أكاد أجزم أن الإجابة هي لا، وربما يشاطرني الكثيرون في هذا، وقد حدد سن الأربعين لأكبر مستفيد من المنحة فما هو مصير الكثير من الشيوخ والأرامل الذين يتجاوزون السن المحددة؟

ماذا عن أولئك الذين نلتقي بهم يومياً في شوارعنا وطرقاتنا وأحيائنا يبيعون بعض الحشائش أو بعض الزهور والمناديل الورقية، هل فكرت حكومتنا في الحمال وفي عامل البناء الذي يبلغ الستين والذي يلهث وراء لقمة عيش أبنائه في الأسواق وفي ورشات البناء، هل لا يزال لهؤلاء قوة من أجل عمل كهذا؟

عالة على الحكومة

على الناحية الأخرى، يرى الخبراء والمهتمون بالشأن الاقتصادي في الجزائر أن منحة البطالة يمكن أن تكون عالة على الحكومة وعلى المجتمع، فالكثير من الشباب اليوم، وبعد الاستفادة من المنحة سيخلدون للراحة والاستجمام بحكم توفر دخل شهري ثابت لهم، بل سيشجعهم ذلك على عدم البحث عن عمل، وستزيد مدة بطالتهم من خلال تعودهم على المنحة التي تضمن لهم مصاريف يومية تغنيهم عن الشقاء والتعب في العمل، بل قد يساهم هذا الوضع في اتساع دائرة العاطلين عن العمل ويخلق حالة من الإدمان على البطالة.

طوابير كبيرة من ساعات الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من النهار من أجل ماذا؟ من أجل التسجيل في وكالة التشغيل للاستفادة من منحة الثلاثة عشر ألف دينار جزائري، دفع وتدافع على الأبواب، غلق للطرقات وإهانة ما بعدها إهانة من موظفي المكاتب ومن المسؤوولين عن ضبط الأمن والترتيب في الطوابير، ألم يكن جديراً بحكومتنا أن يقف هؤلاء الشباب في طوابير للتسجيل في المعامل وفي المصانع التي شيدتها الدولة بميزانية منحة البطالة، ألم يكن من الممكن أن توجه هذه الميزانية لبناء اقتصاد الثروة الذي يعتمد على الصناعة وبخاصة المؤسسات الصغيرة والناشئة، بعد عشر أو عشرين سنة سيأتي يوم، وتطل علينا الحكومة بقرار توقيف سريان المنحة بحجة انهيار خزينة الدولة، بعد امتصاص 750 مليون يورو سنوياً منها، وبعدها تعود نسبة البطالة إلى سالف عهدها، والتي تدعي الحكومة بأنها اليوم، وبهذه الخطوة ستحد منها، أو لم يكن من الإمكان القضاء عليها وبتر جذورها نهائياً والاستثمار في ما يقارب 75% من الشباب الذي يعد عالة على الحكومة؛ فإن لم يكن هناك توظيف للطاقات الشابة في هذه البلاد، فستبقى عالة دائمة بل سيزيد عددها يوماً بعد يوم فالمنحة لم ولن تكون حلاً نهائياً لمشكلة البطالة؛ بل هي حلٌّ مؤقتٌ لا غير، فوجب علينا بناء اقتصاد حقيقي لا اقتصاد أوهام فقط، وخلق فرص ومناصب عمل قائمة على الإنتاج لا على الريع والمصالح، لما لها من أثر إيجابي على تراكم رأس المال واستدامة النشاط الاقتصادي، وتعزيز الاقتصاد الوطني، والمجتمع من خلال البنية الإنتاجية الوطنية.

حتى وإن كانت حكومتنا تعد أن المنحة هي هبة من الدولة لشعبها ولأبنائها، إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا أقل ما يمكن أن تقدمه الدولة لنخبها، ولكفاءاتها المهمشة في ظل غياب الاستثمار الحقيقي في معارفهم وخبراتهم ونتاج تكوينهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلخيط أنس
كاتب جزائري
تحميل المزيد