على وقع الصدمات الدولية الممزوجة بأصوات المدافع والصواريخ والطائرات، وعلى جثث القتلى الروس أو الأوكران في شوارع كييف وخاركيف، يستعد حزب الله ويعدّ العدة الانتخابية عبر استكمال أسماء مرشحيه وإعلان تحالفاته في كل الدوائر الانتخابية، وهذه التحضيرات لا تعني بالضرورة أن الاستحقاق سيجري في موعده المحدد في 15 مايو/أيار القادم، وهذا ما مهَّد له أمينه العام السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير عبر الحديث عن أن الانتخابات في موعدها في حال لم يجرِ أي حدث طارئ يؤدي للتأجيل، لكن الحزب لا يمكنه التغافل عن هكذا استحقاق في حال جرى في الموعد المزمع، وهذه التحضيرات تهدف بطبيعة الحال لتشجيع الحلفاء على استنهاض قوتهم وماكيناتهم الانتخابية في الدوائر التي ستشهد معارك حامية.
في المقابل لا يزال الضياع مسيطراً على خصوم الحزب وتحديداً في الشارع السني الذي لا يزال يعيش صدمة انسحاب الحريري من المعادلة السياسية وترك الساحة عرضة للفراغ أو الاختراق السياسي مِن قبل مَن يطلق عليهم "الطارئون" في السياسة أو حلفاء حزب الله، وهذا الفراغ لم يكن الحزب يطمح إليه لكونه حريصاً على التوازن الذي أرساه منذ سنوات طويلة، مما سيضطره لإيجاد حلول مباشرة أو غير مباشرة لسده، لكونها الفرصة التي يستعيد فيها الحزب أوراق قوته على وقع التحولات في فيينا.
الانتخابات والحرب الروسية
ولا تنفصل مسارات الانتخابات عند حزب الله عن أي ملف سياسي أو مالي أو اقتصادي، ولا عن حساباته في السياسة الخارجية وفي توازن مواقفه من تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا، في ظل ترقّب صدور نتائج سريعة لمفاوضات الاتفاق النووي، والموقف من ترسيم الحدود، الذي جعل النائب محمد رعد يعيد تجميع كل خيوط الملف في يد الحزب، فطوى صفحة التأويلات والتحليلات التي تتحدث عن اقتراب عقد الصفقة انطلاقاً من الخط 23 وتخلياً عن الخط 29 عقب زيارة هوكشتاين الأخيرة.
في المقابل هناك من يربط بين الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها المحتملة على المنطقة وانشغال المجتمع الدولي- وتحديداً واشنطن وباريس- بمتابعة تطوراتها، ما سيؤدي إلى التخفيف من الحضور الدولي والضغوط التي سبقت أحداث أوكرانيا لإجراء انتخابات، وهو ما سيسمح تلقائياً بتأجيلها نظراً لعدم وجود رغبة ضمنية لمعظم الأطراف اللبنانية بإجرائها في هذه الظروف في ظل عدم وجود أرقام حقيقية توحي بالمزاج الجدي للناس في كل المناطق.
لكن النظرة السلبية والتي يتمسك بها أطراف عدة لتطيير الانتخابات إلى أجل غير مسمى، لا تبدو قدرتهم بها كافية وواقعية وخصوصاً أن الأمريكيين والأوروبيين ومعهم مؤسساتهم الرسمية وغير الحكومية يقسمون ملفاتهم بشكل دقيق، وهناك فصل تام واضح وجلي بين الحرب الجارية في أوكرانيا وبين ملفات الشرق الأوسط وضمنها ملف لبنان، إضافة إلى أن ملفات لبنان مع الإدارة الأمريكية مستمرة، بدءاً من ترسيم الحدود لكونها قضية مهمة لدى البيت الأبيض وليس انتهاءً بتشغيل مشاريع حيوية في بيروت وطرابلس.
سُنياً لا تزال الحسابات غير واضحة وتشوبها شوائب الضياع والإحباط، كما نفهم من حسابات تيار المستقبل، الذي لا يزال متشبثاً بفكرة المقاطعة للاستحقاق الانتخابي، وهذا الضياع السني تسعى أطراف داخل المستقبل وخارجه لاستغلاله، حيث يجري العمل على تشكيل لوائح في طرابلس وبيروت والبقاع وإيجاد صيغة تناسب موقف الحريري والذي يعيش في الإمارات للعمل كوديعة إماراتية بالتنسيق مع السعوديين، فيما تشير معطيات أخرى إلى أن الحريري أوعَزَ لقيادات مقربة منه بضرورة تشكيل لوائح بشكل غير رسمي تفرض عودته للمشهد مستقبلاً.
وهذا التحرك لآل الحريري من الرئيس سعد لعمته بهية وصولاً لأمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري، منطلقه الرئيسي عرقلة أي حركة سياسية يقودها الرئيس فؤاد السنيورة، والذي لم يحسم ترشحه حتى اللحظة، وهو يريد تشكيل جبهة تمنع اختراق حزب الله للبيئة السنية. فهو يقول لكل المقربين منه إنه غير متمسك بفكرة الترشح، لكنه يسعى إلى المساهمة في تشكيل لائحة في بيروت ومساعدة شخصيات سنية ووطنية لتشكيل لوائح في طرابلس وعكار والبقاع.
السنة يحاولون لآخر رمَق
وتشير المعطيات إلى اجتماعات عقدت بين السنيورة والرئيس نجيب ميقاتي، حيث خلص اجتماع الرجلين إلى ضرورة وقف النزيف الحاصل في البيئة السنية وتشكيل إطار سني ووطني يتلازم خطابه مع رفض سيطرة حزب الله على السلطة، بالإضافة إلى أن الخلاصة الرئيسية تكمن في إقناع سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة القاضي نواف سلام والذي يعتد بمواقفه السياسية ولديه مروحة علاقات عربية ودولية، بالترشح في بيروت وتشكيل لائحة معارضة.
حيث إن الرجل يعتبر قريباً من قوى الثورة وطرح سابقاً من قبل أطراف سياسية لترؤس حكومة مستقلين، وهذه اللائحة يكون هدفها صون الشارع السني في العاصمة من تغول حزب الله وحلفائه السنة على البلاد، واحتواء أي هجوم للحريري الذي يرفض فكرة تزعم شخصية أخرى غيره، واحتواء مجموعات الثورة والمجتمع المدني. لكن سلام لم يحسم أمره بعد، على الرغم من حماسة كثيرين لدخوله إلى الميدان السياسي.
وهذا الموقف للسنيورة معطوف على اتصالات أجراها الرجل مع المصريين والقطريين والكويتيين ويسعى للتواصل مع السعودية لإقناعها بتبني هذا الخيار في هذه المرحلة.
وعليه فإن أوساطاً سياسية رفيعة تقول إنه لا تبدو هنالك أي عوائق فعلية أمام إتمام الاستحقاق الانتخابي، وقد يكون الهدف من الترويج دائماً لاحتمال تأجيل الانتخابات إحباط عزيمة الذين يفكرون بالترشح، وبالتالي خفض روح المنافسة لدى القوى التغييرية أو المستقلين الذين لا يملكون قدرات مالية وبشرية تعادل التي تمتلكها ديناصورات السياسية، وهذا الأمر سيؤدي إلى خفض نسبة المقترعين، وهو ما سيرفع من حظوظ لوائح المنظومة السياسية.
والمشاركة المرتفعة ستقلّص من حظوظ فوز مرشحي أحزاب السلطة والعكس صحيح. وهذا ما يجعل دبلوماسيين عرباً وغربيين يقولون إنّ الأمور لا تبشّر بتغييرات كبيرة في البرلمان المقبل. لكن المشكلة الفعلية، والتي لم ينتبه إليها أحد، أنه في حال المشاركة الانتخابية الضعيفة، خصوصاً على الساحتين السنية والمسيحية، ستؤدي إلى وصول نواب لا يمثلون فعلياً أكثر من 10% من المسيحيين والسنة، أيْ مجلس نيابي بجزء كبير منه فاقد شرعية التمثيل الفعلية.
وكل هذه الحسابات المتشابكة يمكنها أن تؤدي بقوة لفوز حزب الله في الانتخابات المرتقبة في حال حصلت في مايو/أيار المقبل. وهو فوز تترتب عليه نتائج كارثية في المجالات الاقتصادية والمالية لكون الحزب لا يمتلك مشروع تنمية حقيقياً، والنموذج الإيراني هو درة تاج تفكير هذا الفريق السياسي في لبنان والمنطقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.