الأفلام الأبيض والأسود.. هل خدعونا عندما قالوا “زمن الفن الجميل”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/03 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/03 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش

"زمان كان فيه فن بجد.. الناس كانت بتقدم فن حقيقي وعشان كده شغلهم لسَّه عايش معانا لحد دلوقت".. هذا ما كنا –وما زلنا- نسمعه من بعض الفنانين والإعلاميين المتحمسين للأفلام الكلاسيكية على حساب الأفلام التي يتم تقديمها حالياً، وهو كلام كنا ننحني أمامه احتراماً وتقديراً للأفلام التي قدمها جيل شكري سرحان وكنا نشاهدها على شاشة التلفاز في سنٍ صغيرة عندما كانت محطاته –التلفاز- محدودة جداً.

ما زلت أتذكر تلك الأيام رغم مرور سنوات عديدة عليها، ورغم الحياة المزدحمة  المربِكة التي نعيشها الآن، ومن ضمن ما أتذكره ذلك الجهاز كبير الحجم المسمى بـ (الفيديو)، والذي كان دخوله بيتنا حلماً من أحلامي، حتى أُصبِح مثل القليل من جيراننا الذين ساعدتهم أموال الخليج على شراء هذا الجهاز "الجهنمي" الذي أتاح لهم مشاهدة أفلام معينة في الأوقات التي يختارونها، فالجهاز لم يكن يوفر ميزة التنوع فقط، بل تزيد مساحة الاختيار أمام صاحبه ليشاهد الأفلام وقتما يشاء.

لم يكن جهاز الفيديو منتشراً بشكلٍ كبير، ولم تكن المحطات التليفزيونية كثيرة، وهو ما يعني ببساطة أن حالة الشح الفني وانحسار الاختيارات هي السائدة، فكنا نشاهد الأفلام الكلاسيكية المصرية ولا نعرف الكثير عما يدور في العوالم الأخرى، قبل أن نُفاجأ في نهاية العقد الأخير من الألفية الثانية بمصطلحات جديدة علينا من نوعية "العولمة" و"الثورة التكنولوجية" وما صاحب ذلك من انفتاح كبير على العوالم الأخرى ورفاهية وفرها لنا جهاز الحاسب الآلي الذي انتشر في البيوت ومعه زادت اختياراتنا وأصبحنا نحتفظ بعددٍ لا بأس به من الأفلام العربية الحديثة والأفلام الأجنبية المصنوعة بحرفية شديدة.

ومع إمكانية تخزين عدد كبير من تلك الأفلام على جهاز الحاسب الآلي –حتى إن كان ذلك بشكلٍ غير شرعي-  ومع انتشار القنوات الفضائية في الكثير من البيوت المصرية، تغير الحال تماماً، وخرجنا من دائرة الأفلام الكلاسيكية التي كنا نشاهدها على شاشة التلفاز، إلى عوالم أكثر تنوعاً أتاحت لنا حرية الاختيار بعد أن عشنا لسنوات عديدة بلا خيارات.

ورغم تلك التطورات الكبيرة التي حدثت في حياتنا ظللت مقتنعاً لفترة ليست بالقصيرة بالكلام عن زمن الفن الجميل والأفلام التي استطاعت أن تعيش في ذاكرة ووجدان الجمهور؛ لأنها أفلام جيدة قدمها صناعها بمنتهى الحب والإخلاص.

وبسبب اهتمامي بالفن والتاريخ السينمائي كتبت قبل نحو أسبوعين مقالاً عن فيلم تم عرضه على شاشة السينما قبل نحو 22 عاماً، وأرسلت المقال لموقع مشهور اعتدت نشر مقالاتي به، ففوجئت برفض الموقع لنشر المقال باعتبار أن عدداً كبيراً من متابعي الموقع لن يهتموا بفيلم تم تقديمه في بداية الألفية الجديدة وربما لم يشاهده الكثير منهم، بحسب رد الموقع.

كانت الإجابة صادمة جعلتني أشك في قناعاتي السابقة عن أفلام الزمن الجميل التي مر عليها أكثر من 20 عاماً بكثير، وسألت نفسي:

هل عاشت الأفلام الكلاسيكية في وجدان الجمهور وكنا نشاهدها؛ لأنها كانت عظيمة أم أننا كنا نشاهدها فقط لأننا لم نجد غيرها؟ وإذا كانت الأفلام عظيمة، فلماذا نجد المراهقين والشباب الصغير الآن لا يشاهدون تلك الأفلام ولا يعرفونها أصلاً؟ فإذا ما سألت شاباً في عمر العشرين عن شكري سرحان أو حسين رياض أو محمود المليجي، فأعتقد أنه لن يعرفهم، وإذا عرفهم فسيتحدث عنهم بارتباك وكأنه يشاهد صورة ضبابية مشوشة لشخص لا يستطيع أن يجزم بأنه يعرفه.

لقد عشنا سنوات عديدة ولدينا قناعات معينة اكتشفنا زيف بعضها فتلقينا الصدمات واحدة تلو الأخرى، وأعتقد أننا يجب أن نتعلم من تلك الصدمات ونفكر في زمن الفن الجميل وأفلامه، ونسأل أنفسنا: هل كانت تلك الأفلام عظيمة فعلاً، أم مجرد أفلام كنا "مجبرين" على مشاهدتها وتعودنا عليها فأحببناها لمجرد التعود؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد شريف
صانع محتوى متخصص في السينما والفن
صانع محتوى متخصص في السينما والفن
تحميل المزيد