تصاعدت في الفترة الأخيرة نبرة العنصرية الغربية ضد العرب والمسلمين، وخصوصاً مع الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا، حيث صرّح البعض بأن أوكرانيا أوروبية وليست مثل سوريا أو العراق، ويسمحون للأوكرانيين بالعبور إليهم، وإعطائهم حق اللجوء وتيسير التنقّل، ولا يسمحون للعرب والمسلمين بذلك. وهذه النبرة كاشفة لطبيعة العنصر الأوروبي في التعامل مع ما سواه، وهذا نذير شؤم على الإنسانية، وعليهم أيضاً.
فلا يجب التفريق بين العنصر البشري، وخصوصاً في الملمات والصعاب والكوارث والحروب. ولطالما صدّعنا الغرب ورجالهم ومفكروهم بأنهم أصحاب مبادئ، والداعون إلى المساواة بين البشر، ويسعون لكي تنال الشعوب حرياتهم وكرامتهم!
ولكننا حينما نرى المواقف، ونسبر أغوار تفكيرهم وممارساتهم نجد أن الكثير منهم، وخصوصاً الساسة وأصحاب الرأي، يتعاملون بمعيارين ووجهين، فالعنصر الأبيض لديهم هو صاحب الحظوة العليا على ما سواه من البشر، ويجب أن يدافعوا عنه في كل المواقف، ويستخدمون كل الوسائل لنصرته، أما إذا تعلّق الأمر بالعنصر العربي، أو الشرق أوسطى، أو المسلمين، فنجد أن المصالح وتغيّر المواقف يعلو على كل شيء.
ولعل تعبير مراسلة (cbs) الأمريكية "كيلي كوبييلا" كان نموذجاً فجاً لذلك، حيث قالت: "هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، إنهم جيراننا .. مسيحيون وبيض"، وقول رئيس وزراء بلغاريا "كيريل بيتكوف": "اللاجئون الأوكرانيون ليسوا من اللاجئين الذين اعتدنا عليهم، لذلك سنرحب بهم، هؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون، ولا يملكون ماضياً، كأن يكونوا إرهابيين"! هذا الكلام ينطبق عليه قول الله تعالى: (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)، (آل عمران: 118).
بعض المواقف الكاشفة لعنصرية الغرب تجاه العرب والمسلمين
كما ذكرت هناك حالة الازدواجية المقيتة من قِبل الغرب في التعامل مع القضايا التي تخص المنطقة العربية والإسلامية، وشعارها الأبرز الكيل بمكيالين، والشواهد كثيرة في المجالات السياسية والإنسانية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: من منّا لا يتذكر ما حدث في البوسنة والهرسك، في تسعينيات القرن الماضي؛ حيث قامت صربيا بأبشع أنواع التطهير العرقي ضد المسلمين هناك، وقد تضمنت حملة التطهير العرقي الإبادة الجماعية، والحبس غير القانوني، والاغتصاب الجماعي، والتعذيب، ونهب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، والمعاملة اللاإنسانية للمدنيين، إضافة إلى استهداف القادة السياسيين والمثقفين والمهنيين، والترحيل غير القانوني ونقل المدنيين، وقصفهم الهمجي، والاستيلاء غير القانوني على الممتلكات العقارية والشخصية ونهبها، وتدمير المنازل والشركات، وتدمير أماكن العبادة. كل هذه الأفعال غير الإنسانية، لم تتم محاسبة مرتكبيها إلا بعد فترة طويلة، ولم تكن بالمستوى المطلوب، الذي يقيم العدالة في وضعها الطبيعي ودون تمييز.
ثانياً: تم غزو العراق بشكل رسمي في 20 مارس/آذار 2003، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بحجة مواجهة صدام، الذي يمتلك أسلحة فتّاكة، وثبت بعد ذلك كذب هذا الادعاء الذي روّج له الرئيس الأمريكي في حينها جورج دبليو بوش، ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير، ونشر التحالف بقيادة الولايات المتحدة قوات قوامها 200 ألف جندي، على الرغم من عدم وجود تفويض من الأمم المتحدة، وفي ظل احتجاج مئات الآلاف من الأشخاص في شتى أرجاء العالم. وكان الهدف المستتر هو الإطاحة بنظام حكم صدام حسين، الذي قاد البلاد منذ عام 1979، وكان يملك ما وصف بأسلحة الدمار الشامل، حسب زعمهم.
ثالثاً: في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية وغيرها من الأعمال الإرهابية المروعة التي يُزعم أنها نُفِّذت باسم الإسلام، تصاعدت الشكوك المؤسسية بشأن المسلمين، وأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون إلى أبعاد وبائية، وحدث ما حدث في أفغانستان من تدمير شامل، وقتل للآلاف، وتشريد للملايين، ونهب للثروات بحجة مواجهة الإرهاب، كما تم ابتزاز الدول العربية التي تمتلك الثروات، وقامت الولايات المتحدة بزرع قواعد عسكرية في مناطق مختلفة للهيمنة والسيطرة على المنطقة.
رابعاً: في عام 2013، حينما هدد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بعواقب تجاوز الخط الأحمر في حال استخدام نظام الأسد الغاز ضد شعبه، وعندما استعمل هذا النظام المجرم الغاز فعلياً، وراح ضحية ذلك الآلاف من الأطفال، وشُرِّد الملايين، وظهر ذلك واضحاً على الشاشات والصحف والسوشيال ميديا، لم يفعل أوباما شيئاً، بل تغاضى عن الغاز وعن إنذاره وربما الأمرين معاً. وأصبح الشعب السوري يعاني وإلى الآن من ويلات الحرب عليه من قِبل النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، دون أن يتحرك الغرب لإنقاذ شعب مظلوم.
خامساً: ظلَّت روسيا منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 المُصدِّر الرئيسي لتسليح نظام بشار الأسد، ولا تزال، ويوجد خبراء روس طوال الوقت في سوريا، وقد بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2015، وهذا بعد أن طلب الرئيس السوري بشار الأسد دعماً عسكرياً من موسكو من أجل كبح القوات المعارضة له في الحرب، ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد. ومع كل الإجرام الذي مارسه الجيش الروسي في سوريا، إلا أنه لم تتحرك المنظمات والدول لكبحه، وذلك لتبادل المصالح بينهم.
سادساً: انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا مع تبني أفكار خيالية حول المسلمين تُستخدم لتبرير التمييز الذي ترعاه الدولة، والعداء والعنف ضد المسلمين، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة للتمتع بحقوق الإنسان بما في ذلك حرية الدين أو المعتقد، وظهر ذلك جلياً في ممارسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في استهانته المتعمدة من نبي الإسلام والدين الإسلامي، وغلق العشرات من المؤسسات والمساجد الإسلامية. وهذا ما دفع "بلند بيلكي"، رئيس الاتحاد الدولي للديمقراطيين في ألمانيا، للقول إنه "لسوء الحظ، وصلت في السنوات الخمس الماضية معاداة الإسلام والمسلمين إلى أبعاد مخيفة في المجتمعات الأوروبية".
سابعاً: ما يحدث في الهند من اعتداء صارخ ومستمر ضد المسلمين، وقتلهم بدم بارد، وإهانتهم، ومنعهم من المناصب، والتضييق عليهم في أعمالهم، وازدراء الدين الإسلامي والمتدينين في وسائل الإعلام المختلفة، ناهيكم عن الاعتداء الشخصي على المسلمات المحجبات بطريقة عنصرية، وإجبارهن على خلع الحجاب، إذا أردن ممارسة حياتهن بشكل طبيعي. مع كل هذا التجاوزات والاعتداءات والقتل، لم نسمع استنكاراً عملياً من الأمم المتحدة، أو مجلس الأمن، أو المنظمات الإنسانية للتضامن مع المسلمين، أو الوقوف ضد ممارسات الهندوس والحكومة الهندية.
ثامناً: ممارسات الصين ضد مسلمي الإيغور، حيث يتم إخضاع مئات الآلاف من الرجال والنساء من المسلمين للاعتقال الجماعي والتعذيب، وإخضاع الملايين منهم للمراقبة الجماعية الممنهجة، وإرغامهم على التخلي عن شعائرهم وممارساتهم الدينية، وعن عاداتهم وتقاليدهم الثقافية، ولغاتهم المحلية. فقد بات الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة يواجهون جرائم ضد الإنسانية، وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تهدد بمحو هوياتهم الدينية والثقافية. وللأسف لم يتم التعامل مع هذه القضية بالقدر الكافي، ولم ينل المسلمين حقوقهم مثل غيرهم من الأقليات في أي مكان في العالم، ولم تتحرك الأمم المتحدة لنجدتهم.
تاسعاً: كل المنظمات الحقوقية والجمعيات الإنسانية، والمؤسسات الدولية رصدت الآلاف من العرب المسلمين الذين قضوا في البحر المتوسط، وهم يحاولون العبور نحو دول القارة العجوز بسبب عدم قبولهم كلاجئين إلا عبر خوض رحلة الموت تلك، وسلوك بعض هذه الدول مع اللاجئين على الحدود وداخل المدن الغربية، وتجاهل خفر سواحل بعض دول شمال المتوسط لاستغاثات قوارب الموت فضلاً عن استهداف بعض تلك القوارب، وتعمّد إغراق من فيها من قِبل خفر سواحل دول أوروبية أخرى. وفي المقابل ترحب الدول الغربية باللاجئين من أوكرانيا، ويستقبلونهم بكل ترحاب، ويقدمون لهم كل الخدمات.
وبالطبع لا يمكن أن أستنكر التعامل السريع والإغاثات العاجلة للشعب الأوكراني، ودعمه بكل الوسائل ضد الإجرام والغطرسة الروسية، ولكنني أستنكر كل ممارسات الازدواجية، والكيل بمكيالين، وخصوصاً إذا تعلّق الأمر بالمسائل الإنسانية المتعلقة بالعرب والمسلمين.
هذه بعض النماذج التي تعبّر عن ازدواجية النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ودليل قاطع على عنصريتهم المقيتة، وفي المقابل يروّجون أنهم مع الحق ويدافعون عن الحريات، وتمكين الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي. وإذا أتت الديمقراطية بما يخالف مزاجهم ومصالحهم، يكونون أول المنقلبين عليها، ويدفعون بالعناصر التابعة لهم في تلك البلدان بتغيير الأوضاع، مهما كلّف ذلك الشعوب من تضحيات، وأدى إلى إهدار الثروات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.