جدل كبير وتساؤلات عدة أثارتها الحرب الروسية- الأوكرانية ولا سيما بعد إقحام الجيش الشيشاني المسلم فيها، انقسمت الآراء حول ذلك بين طرف مؤيد مشجع وآخر معارض مخوّن، وفي الحقيقة وراء تلك الآراء تختبئ الكثير من وجهات النظر المحقّة، لكن غالباً ما يتم إظهار المشهد السياسي بدافع العاطفة.
فهناك من يؤيد تدخُّل الجيش الشيشاني؛ لأنه مسلم يغزو دولة غير مسلمة، متناسياً أنه يغزو باسم الدولة الروسية، بينما يقوم الآخر بتخوين هذا الجيش ومحاسبته كما لو أنه مستقل يتخذ قراراته الدولية بنفسه، متناسياً وقوعه تحت الحكم الروسي الغاشم، وموالاة رئيس الجمهورية للقيادة الروسية.
ولو قُمنا بالتدقيق في المشهد السياسي ذلك، وحاولنا تحليل منهج بوتين في هذه الحرب، لوجدنا أن هذا المشهد سيحدد نوع الولاء والانتماء عند الحاكم الشيشاني نحو السلطة الروسية، وهو بمثابة اختبار حقيقي قام به بوتين ليعرف مدى صلاحية هذا الجيش في دفاعه عن سياسة البلاد الروسية، وهو اختبار حقيقي أيضاً لولاء قاديروف تجاه بوتين وامتحان للثقة الممنوحة له، ولو عدنا بذاكرتنا للوراء وأعدنا قراءة الحاضر وفق المشهد الحالي لالتمسنا في ذلك محاولة صريحة وخفية في آن واحد في سبيل القضاء على ما تبقى في ذاكرة الشعب الشيشاني من مجازر تاريخية ومذابح حصلت على يد المجرم الروسي يوماً من الأيام، وبالتالي فإن الذاكرة الجديدة التي يقوم بوتين بتحضيرها في رأس الجيل الجديد هي ذاكرة ضعيفة جداً سيكون أحدث ما فيها بالمرحلة الجديدة هو دفاع الشعب الشيشاني عن وطنه روسيا لا الوطن الشيشان، وهذا ما يصب في مصلحة روسيا أولاً وأخيراً.
تباهي بوتين ببطولات الجيش الشيشاني واستعراضه عالمياً.
ما ظهر على وسائل الإعلام من مشاهد استعراضية للجيش الشيشاني بقيادة رئيس البلاد رمزان قاديروف هي مشاهد استعراضية إعلامية، الهدف منها هو تبني قاديروف وزعيمه بوتين للمشهد البطولي العسكري حتى لو كان ذلك على حساب أمن الشباب الشيشاني وسلامتهم، هذا المشهد الذي نشاهده اليوم رسمه الفنان قاديروف ورجاله، وبالتالي فالمرحلة القادمة للبلاد ستكون تتمة للمشهد الاستعراضي الحالي، حيث إن رمزان سيزداد كسباً لود بوتين، لا سيما بعد نجاحه في ضم نحو 10 آلاف مقاتل إلى جانب بوتين خلال ساعات قليلة وبصوت وطني واحد، وإقصاء كل من يرفض ذلك، ولا أعتقد أن أمثال بوتين سيضيعون فرصة كهذه أو ينسون تقدير هذا المعروف الوطني في تاريخ روسيا الحديث.
إن إقحام الشعب الشيشاني في الساحة الروسية- الأوكرانية هي رسالة غير مباشرة خطّها بوتين فحواها أن روسيا تستطيع أن تحرك جيوشاً إسلامية إذا أرادت، وفي ذلك أيضاً محاولة لضم الصوت الإسلامي كما يظن بوتين وجنوده، لكنها سرعان ما أظهرت فشلها، لا سيما أن روسيا لها تاريخ إرهابي طويل بحق المسلمين، وأحدث جرائمها هي تلك التي لا تزال حتى اليوم تُرتَكب في سوريا دون أن يحرك العالم المنافق ساكناً.
أما في تتمة الحديث حول المشهد العسكري الشيشاني اليوم، فلو أمعنا النظر فيه لرأيناه أيضاً بمثابة غربلة حقيقية وصراط رفيع سيميز المخلص لقاديروف من المدّعي ذلك، وربما هذا هدف آخر من الأهداف التي يخطط لها زعيم البلاد، فكل من يخالف أوامر قاديروف اليوم هو شخص يشكل خطراً على الأمن القومي كما سيزعمون، وبالتالي هي فرصة مناسبة للإيقاع بالمتمردين المتخفيين بأقنعة المواطنة، ويا لها من فرصة دسمة في تصفية كل من يحاول أن يخالف أوامر رمزان ويخرج عن شريعته القتالية اليوم، بحجة الهروب من الواجب الوطني، بينما في الحقيقة ستكون الغاية الأولى هي القضاء على ما تبقى من سلالة المجاهدين الشيشان، وكل من يحمل في داخله حقداً دفيناً على ماضي روسيا الإجرامي وانتهاكاتها في حربها على الشيشان.
تضحية تحقق النصر، أو هزيمة ترسلهم للقبر!
بوتين الروسي ليس على غبي على الإطلاق، هو سياسي جريء يشن حروباً عديدة في أكثر من ساحة، فهو في الحين الذي يدير حربه في أوكرانيا لا يزال يشن هجماته في سوريا، وبينما هو يشن حربه في سوريا يحاول أن يتخلّص من الشباب الشيشاني دون أن يحوله إلى طرف معادٍ يقاتل ضده في ساحة المعركة، لذلك اتبع طريقاً أكثر أماناً وأقل ضرراً، خطة عسكرية ذكية، لو نجحت لكان الرابح فيها ولو فشلت لم يكن خاسراً فيها على الأقل، فلو تمكّن بوتين من توسيع نفوذه في أوكرانيا فسيعود اسم روسيا عالياً وستعود إلى عرش السيادة الدولية مرة أخرى لكن بجهود قتالية شيشانية، ولو فشل بوتين في هذا التوسع لربح القضاء الحربي على ما تبقى من شباب شيشاني، والذي قد يتحول إلى بركان ثوري في أي لحظة بالمستقبل، وبالتالي فإن روسيا في كلتا الحالتين تكون قد ضحت بمن لطالما تمنت القضاء عليهم.
عن تواجد المقاتلين الشيشان في الطرف الأوكراني أيضاً!
ربما لا يدرك البعض أسباب الوجود الشيشاني في الأراضي الأوكرانية في هذه الأيام العصيبة، وقد يظن البعض الآخر أن الحضور الشيشاني في أوكرانيا هو حضور حديث معاصر، لكن لو قرأنا التاريخ من جديد لرأينا فيه الكثير من الروابط التي جمعت بين الشعبين الشيشاني والأوكراني، لا سيما عندما كانت أوكرانيا أرضاً حاضنة للمجاهدين الشيشان، وكانت الساحة القتالية التي مارَس فيها المقاتلون الشيشان حروبهم ضد روسيا، ولنا في قصة الشيشانية أمينة أوكييفا خير مثال، تلك التي بقيت في أوكرانيا تحارب روسيا لأعوام طويلة قبل أن يتم اغتيالها من قِبل رجال بوتين، بعد أن تركت أثراً طيباً في أوكرانيا والتي دفعت الناس إلى تسمية شارع كامل باسمها الذي لمع في أوكرانيا حتى أصبحت أمينة أيقونة النضال عند الشعب الشيشاني والأوكراني أيضاً، كلها أحداث قديمة، لكنها لا تزال حية في ذاكرة بوتين.
كل هذا يدفع الى إقحام الجيش الشيشاني للقتال ضد أوكرانيا ومن عليها، وهذا أيضاً ما يجعل الشيشانيين في أوكرانيا يزدادون إصراراً وارادةً على إعادة النشاط العسكري وممارسته ضد روسيا التي بادرت انتهاكاتها ضد دول عديدة.
إن هذه القرارات لا تعبر عنا نحن الشيشيانيين ونرفض شكلاً وموضوعاً إقحام الشباب الشيشاني في هذه الحرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.