كيف غيّرت Pixar مفهوم أفلام الرسوم المتحركة؟ 7 أسرار وراء نجاح الشركة

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/01 الساعة 11:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/01 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش

محظوظون هم الأطفال الذين كانوا سبع سنين فيما فوق، في عام 1995، الذين عاصروا خروج أول فيلم طويل لـPixar، وهو الفيلم الشهير والمحبوب Toy Story أو قصة لعبة، وقد كانت Pixar مجرد شركة ناشئة في مجالٍ تحريك الرسوم بالكمبيوتر.

محظوظون لا لأنهم شهدوا بداية تطور تقني جديد، سيُغيّر كل شيءٍ في مجال الرسوم المتحركة من بعده فحسب، ولكن لأنّهم قد خاضوا تجربة فريدة من نوعها، سيذكرها التاريخ طويلاً.. تجربة Pixar لأفلام الرسوم المتحركة.

لم يكن نجاح Pixar صدفة.. لم تنشأ قصصها الجذابة من العدم.

من تابع أفلام Pixar منذ صدورها، وحتى دمجها مع شركة Diseny العملاقة في عام 2006، سيعرف أنّ هناك ما ميّز هذه الأفلام عن غيرها، هذا الشيء جعلنا نحبها أكثر، نصدقها أكثر، وتؤثر فينا أكثر.

فما السر يا تُرى؟

في الواقع فإن الأمر ليس سراً، فشركة Pixar نفسها هي من أعلنت وصفتها السحرية التي تستخدمها في جميع أفلامها، والتي تجعلها تربح دائماً.

وصفة عبارة من 22 مكوّناً بالتمام والكمال.. سنعرف في هذا المقال 7 منها، هي الأهم في نظري.

معادلة Pixar الناجحة في فنّ الحكي 

فيلم جيد = قصة جيدة.

هذا كل شيء بالنسبة لـ Pixar..

ولكن لا يظن أحدكم أنّ الأمر بسيطٌ وهيّن، فقصة جيدة تعني الكثير جداً من التفاصيل الفنّية المعقدة، الواجب على الكاتب أو المؤلف أن يتعامل معها بذكاء ومهارة.

كشفت عن هذه التفاصيل عبر Twitter، إحدى الفنّانات العاملات بشركة Pixar في عام 2011، وهي Emma Coats، من خلال 22 نقطة أساسية، موجهة لكاتبي Pixar جميعاً.

بعدها في عام 2018، كتب الكاتب Dean Movshovitz كتاباً عن فنّ الحكي عند Pixar، مسترشداً بالنقاط التي تحدثت عنها Emma سابقاً، ضارباً الكثير من الأمثلة، التي طبقّت عليها Pixar قواعدها الـ 22، لتخرج لنا في النهاية، أفلام عظيمة وخالدة. 

استعنت في هذا المقال ببعض الأجزاء من كتاب Dean Movshovitz، والمشروحة في سلسلة من الفيديوهات الشيقة جداً على Youtube للمهتمين بالموضوع أكثر..

دعونا ندخل في الموضوع مباشرة، لنتحدث بشيءٍ من التفصيل عن 7 نقاط يستخدمها كُتّاب Pixar في كتاباتهم لصنع قصص مُلهمة..

7 قواعد لدى Pixar لكتابة قصة غير عادية

1- الحكاية

كان ياما كان.. في كل يوم.. وفي أحد الأيام.. لهذا.. ولهذا.. حتى في النهاية..

مثل الحكايات التقليدية، تبدأ قصص بيكسار بكان يا مكان.. وتسير كالتالي:

-كان ياما كان .. كان هناك .. (نتعرف على أبطال القصة والعالم الذي يعيشون فيه)

-في كل يوم.. (نتعرف على شكل الحياة العادية في هذا العالم)

– وفي أحد الأيام.. (يحدث شيءٌ ما مفاجئ وجديد)

-لهذا.. (تحدث بعض المواقف نتيجة للحدث غير المتوقع)

-ولهذا.. (تحدث نتائج جديدة مُترتّبة على النتائج الأولى للموقف المُفاجئ الذي كسر روتين ذلك العالم)

– حتى في النهاية.. (ختام القصة)

تعالوا نُطبق هذه القاعدة سريعاً على فيلم Toy Story 1، في بداية القصة نتعرف على الطفل Andy وألعابه جميعها التي نكتشف أنّ لكل منها حياة حقيقية. ونقترب بشكلٍ أكبر من Woody، لعبة أندى المفضلة والقائد لجميع الألعاب، هذه هي بداية القصة. كل شيءٍ كان يسير على ما يُرام حتى ظهور اللعبة الجديدة Buzz Lightyear. هذا هو الحدث الذي غيّر مسار القصة التقليدي، ليترتب على وجوده أحداث متتالية، كل واحد منها هو نتيجة للآخر، وذلك حتى ختام القصة في النهاية.

2- محاولات الشخصية

اجعل محاولات وسعي الشخصية للنجاح أهم من نجاحها فعلاً

تقول بيكسار لكُتّاب أفلامها، جميل أن تجعل شخصياتك تنجح في الوصول لما تتمناه، ولكن الأجمل، أن نرى نحن المشاهدين، كيف تحقّق هذا النجاح.؟ كيف حاربت الشخصية من أجل هذه اللحظة؟ وكم عدد المحاولات التي قامت بها؟

في الفيلم المليء بالمشاعر Wall-E، أكثر ما جذب انتباهنا نحن المشاهدين، هو المحاولات المُستميتة للروبوت الأخير على سطح الأرض Wall-E، للوصول إلى النسخة الأُنثوية من الروبوت المتطور Eve، لدرجة اللحاق بها من كوكب الأرض إلى كوكبٍ آخر، والدخول في صراعاتٍ كثيرة والمرور بمخاطر عديدة، من أجل رغبة Wall-E، الذي وجد أخيراً رفيقاً لروحه، بعدما كان يظن أنّه وحيدٌ تماماً.

3- تحدّى أبطالك

ما الشيء الذي تُجيده الشخصية التي تكتب عنها؟ وما الشيء الذي ترتاح له؟

هل اكتشفت؟ الآن عليك أن تخلق موقفاً مُعاكساً تماماً، وتضع الشخصية في ذلك الموقف الصعب المليء بالمخاوف والصعاب، لترى كيف ستكون ردة فعلها؟

الأمر واضح جداً.. لنأخذ مثالاً.. في فيلم Finding Nemo، نحن نعرف جيداً أنّ أكثر ما يخافه Marlin في الحياة، هو أن يفقد ابنه Nemo، كما فقد عائلته كلها من قبل.

فما هو المأزق الذي سيصنعه الكاتب في الفيلم يا تٌرى؟

أن يجعل Marlin يفقد نيمو طبعاً، ليُشاهد-ونحن معه- كيف سيتصرف Marlin في هذا الموقف الصعب.

قاعدة جيدة جداً، وتُضيف تشويقاً ومتعة كبيرة للمشاهد.

4- فاجئ نفسك

استبعد أول ما يخطر بذهنك، وثانيه وثالثه ورابعه وخامسه أيضاً.

ابتعد عن المألوف. فاجئ نفسك بكتابة أسوأ نص أولّي للقصة. 

ستخلق الأفكار السيئة أفكاراً جيدة.

تُريد بيكسار من كاتبيها أن يكتبوا بشكلٍ طبيعي، نصاً مبدئياً لقصتهم كيفما يشائون، بعدها تطلب منهم بعد ما أن ينتهوا منه، أن يتخلصوا من هذه النسخة تماماً، ليكتبوا قصة أخرى، بأفكارٍ أكثر ابتكاراً، وأحداثٍ جديدة تماماً. 

كما شاهدنا في فيلم UP، الفيلم المدهش الذي كان بمثابة مفاجأة للمشاهدين.

فكّر معي، لو كنت أنت رجلٍ وحيد عجوز، عملك هو بيع البلالين للأطفال. 

فقدت زوجتك الحبيبة مؤخراً، وعلى وشك أن تفقد المنزل الذي عشت فيه أغلب عمرك، والمليء بذكرياتٍ لا يُمكن أن تُنسى، ويُراودك في نفس الوقت حلم قديم، بالسفر إلى أمريكا الجنوبية. فماذا يُمكنك أن تفعل؟

ما هو القرار الأفضل بالنسبة لك والذي يتوافق مع حياتك وعملك ورغباتك؟

طبعاً أن تأخذ المنزل وتطير به إلى أمريكا الجنوبية، مُستخدماً مئات من البلالين الملونة، لتحقيق حلم عمرك. هذا بالطبع إن كنت أحد كُتّاب Pixar الموهوبين.

5- أعطِ لشخصياتك شخصية مستقلة

أعطِ لشخصياتك آراءً قوية، قد يُفضّل الكاتب الشخصيات المسالمة والطيّعة، ولكنها تكون قاتلة بالنسبة للمُشاهد. اجعل للشخصيات وجهات نظر قوية. 

قاعدة بسيطة ومفهومة، ولكن إذا كنت كاتباً فستعرف أن الموضوع ليس بسيطاً كما يبدو. حينما نتأمل فيلم The Incredibles، سنرى أنّ لكل شخصية من أسرة الخارقون، طبيعة خاصة، ودوافع، ورغبات ومخاوف مختلفة، تميزها عن باقي الأسرة

فالبطل الخارق Bob Parr كل ما يتمناه أن يتخلى عن الحياة العادية، ويعود بطلاً خارقاً كما كان قديماً قبل أن يتزوج بـ Helen. 

أما Helen فتتمنى العكس، فهي تحلم بأن تعيش حياة طبيعية قدر الإمكان.

ابنتهما Violet، لديها مشكلات تتعلق بشعورها بعدم الأمان، لذلك فهي فاقدة للسيطرة على قدراتها الخارقة. ابنهما Dash يحب للغاية أن يُظهر قدراته الخارقة، ولكنه لا يُدرك مسئولية حدوث هذا. كُتّاب Pixar المحترفون هنا، هم من جعلونا نفهم جيداً من خلال الفيلم، لماذا أصبح كل واحدٍ من أفراد أسرة Parr بهذا الشكل، ومم يخاف ولماذا؟

 كل هذه الأمور مكتوبة بدقة، ومبررة بشكلٍ جيد.

6- ضع إحساسك الشخصي

لو كُنت أنت أحد شخصياتك، ماذا كنت ستشعر في ذلك الموقف؟ صدق الشعور يُعطي مصداقية أكبر للشخصية، حتى في المواقف الغير معقولة. 

تقول بيكسار لكتابها، عبّروا عن مشاعركم الحقيقية، ضعوا أنفسكم داخل الموقف، وتخيلوا الإحساس الذي سيسيطر عليكم وقتها. 

قاعدة بسيطة جداً، ولكن كان لها أكبر الأثر في جعل أفلام بيكسار تنطق بالعاطفة، وهي عاطفة صادقة تماماً، والدليل على ذلك هو التأثير العميق لهذه الأفلام علينا نحن المشاهدين، صغاراً وكباراً.

وهو الأمر الذي تطبيقه بشكلٍ عميق ومؤثر في فيلم Inside Out. في الفيلم نتعرف على Riley، الفتاة التي انتقلت حديثاً من مدينة لأخرى، وفارقت مدرستها وأصدقائها، لمكانٍ غريب تماماً.

كيف سيشعر أي طفل طبيعي في مكان Riley؟

سأل الكاتب ذلك السؤال لنفسه.. وأجاب بأنّه على الأرجح سيشعر بالغضب، ومن بعده الحزن، ولكنه سيحاول بشتى الطرق أن يخمد كلا الشعورين، ليتمسك بالسعادة أكثر من أي شيءٍ آخر. ستظهر السعادة فعلاً، بصعوبة، ولكن يبقى الغضب والحزن مختبئين خلفها، يضغطان بشدة على نفسية الطفل، وذلك حتى لحظة الانهيار، التي لا يقوى فيها على التظاهر بالسعادة مجدداً، ويعترف بأنّه حزين ويشعر بالوحدة، وأنه غاضب لأنّ فقد عالمه الذي يحبه.

لا يُمكنني ألّا أتخيل سوى أنّ هذه المشاعر المعقدة هي مشاعر شخص خاض هذه التجربة المؤلمة بالفعل، لتظهر بهذه الصورة الرقيقة والمدهشة في الفيلم.

7- استخدام الصُدف

الصُدف التي تجعل الشخصية تقع في أزمة، هي أمرٌ رائع، أمّا الصُدف التي تُخرج الشخصية من الأزمة، فهي تعتبر نوعاً من الغش.

النقطة الأخيرة هي نقطة ذكية جداً وتشرح نفسها بنفسها، دعونا نأخذ مثالاً جيداً يُوضّحها أكثر.

في فيلم Soul، صدفة سيئة تُلقى بـ Joe Gardner في إحدى بالوعات الصرف، بينما كان يسير مُبتهجاً بقرب تحقيق حلمه، وهو احتراف عزف موسيقى الجاز. بينما في نهاية الفيلم، لم يكتشف Joe حقيقة روحه، وشغفه الحقيقي، وحتى طبيعة الدنيا من حوله، إلا بمعاناته، وسعيه المُلّح، ومحاولاته الجادة لكل ذلك في النهاية.

لم تُساعده الصدفة للوصول إلى ما يتمنى، ولم تنقذه الصدفة في النهاية، وذلك لأنّ Pixar تعتبر أنّ هذا يُعدّ نوعاً من الغش للمشاهد، الذي يستحق ألا يُهان ذكائه، وهذا هو أحد أسرار Pixar..

كانت هذه بعض قواعد بيكسار التي وضعتها لمؤلفي أفلامها، من أجل أن تخرج لنا في النهاية قصة جيدة بحق، فيها من المعاني الإنسانية والمتعة والذكاء وبعض من الضحك والبكاء معاً أيضاً.. 

معادلة صعبة.. نجحت فيها Pixar بامتياز.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سارة يوسف
دارسة للأدب الإنجليزي، ومهتمة بالفنون والسينما
أنا سارة يوسف، زوجة وأم، مُحبة للقراءة والسينما، درست الأدب الإنجليزي، وعملت في وظائف عدة، حتى توصّلت لشغفي الحقيقي وهو كتابة المقالات الفنّية والأدبية.
تحميل المزيد