فاز على فريق النازيين بـ”مباراة الموت” فاعتقلوا وأعدموا نجومه.. “دينامو كييف” الذي صنع مجد السوفييت

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/28 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/28 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
صورة من "مباراة الموت" الشهيرة

في عهد الاتحاد السوفييتي الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول 1922 وتفكك في ديسمبر/كانون الأول 1991، كان يُطلق على شعبه في أغلب الأحيان "الروس" ويُنظر إلى البلد على أنه "روسيا"، على الرغم من تعدد العرقيات والجمهوريات التي كانت تُشكل الاتحاد، ولذلك فلما يتم التحدث على نادي دينامو كييف الأوكراني خلال الفترة السوفييتية، فكأنما نتحدث عن فريق روسي، وألقابه الدولية على أنها إنجازات روسية.

تأسس نادي دينامو كييف في نوفمبر/تشرين الثاني 1927 من طرف الثنائي سيرغاي بارمينسكي ونيكولاي شينيكوف، وانضم لدوري الاتحاد السوفييتي في سنة 1936، وخاض أول مباراة له في المسابقة أمام نادي دينامو موسكو، وانهزم فيها بنتيجة ثقيلة (5-1).

وتوقف النشاط الرياضي لدينامو كييف في العام 1942، عقب احتلال أوكرانيا من طرف قوات ألمانيا النازية، لكن العديد من لاعبي الفريق واصل ممارسة رياضة كرة القدم ضمن نادٍ آخر سُمي "كتابت" ويعني باللغة الروسية "انطلاق" ويضم في صفوفه لاعبين آخرين من نادي لوكوموتيف كييف.

"مباراة الموت" التي ألهمت فكرة فيلم عالمي وشارك فيه بيليه  

وقد تمت دعوة هذا الفريق لإجراء عدة مباريات أمام فرق مكون من لاعبين تابعين للقوات العسكرية الألمانية النازية، حيث فاز النادي الأوكراني بكل لقاءاته وبنتائج عريضة، من بينها مواجهة أمام نادي القوات الجوية الألمانية وأطلق عليها اسم "مباراة الموت".

وعلى إثر تلك المباراة، تم اعتقال  العديد من لاعبي فريق دينامو كييف، من طرف  البوليس السري الألماني "الغيستابو" في شهر أغسطس/آب 1942، وتم إرسالهم إلى معتقل جماعي بشمال كييف، ومات فيه بعض اللاعبين على غرار كوزمينتكو وكليمينكو وتروسيفيتش في شهر فبراير/شباط 1943، رمياً بالرصاص في عملية انتقامية من طرف مسؤولي المعتقل، رداً منهم على هجوم قامت به قوات المقاومة.

وقد ألهمت هذه القصة، السينمائي الأمريكي جون هيوستون، فأخرج فيلمه الشهير "الهروب إلى النصر" (Escape to Victory) في سنة 1981، وشارك فيه أسطورة الكرة العالمية، البرازيلي بيليه.

المهم وبعد نهاية الحرب العالمية، وعودة النشاط للمسابقات الرياضية بالاتحاد السوفييتي، كان نادي دينامو كييف لكرة القدم من الفرق القليلة التي كانت تُنافس أندية موسكو الروسية على تحقيق الإنجازات المحلية؛ حيث بدأ حصده للألقاب بنيله كأس الاتحاد السوفييتي في سنة 1954، ثم حصل على لقب الدوري في العام 1961، ليحقق بعدها الرقم القياسي كأكثر نادٍ تتويجاً بلقب دوري الاتحاد السوفييتي بمجموع 13 لقباً، ونال آخره في سنة 1990، أي سنة واحدة فقط قبل انفصال جمهورية أوكرانيا عن الاتحاد وإعلان استقلالها يوم  24 أغسطس/آب 1991.

الإعلان التشويقي لفيلم الهروب إلى النصر

لقبان أوروبيان بقيادة المدرب الأسطورة لوبانوفسكي 

وبالموازاة مع تألقه في المسابقات المحلية، فقد كان نادي دينامو كييف بمثابة القاطرة الأمامية للكرة السوفييتية، على الصعيدين الأوروبي والعالمي، فقد كانت أول مشاركة للفريق الأوكراني في منافسة دولية، في العام 1964 في مسابقة كأس أوروبا للأندية الحائزة على الكؤوس، وبلغ خلالها الدور ربع النهائي وخرج على يد نادي سيلتيك غلاسكو الاسكتلندي، قبل أن ينال لقب نفس المسابقة في العام 1975 بفوزه في اللقاء النهائي على نادي "فيرن فاروس" المجري بثلاثية نظيفة، ثم كأس السوبر الأوروبي بالانتصار ذهاباً (1-0) وإياباً (2-0) على بايرن ميونيخ الألماني المُتوّج في ذات السنة بلقب بطولة أوروبا للأندية البطلة (التسمية السابقة لدوري أبطال أوروبا).

وعاد دينامو كييف ليفوز بكأس أوروبا للأندية الحائزة على الكؤوس في العام 1986 بفوزه في المباراة النهائية على نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، بنتيجة ثلاثة أهداف لصفر، سجلت كلها بعد هجمات معاكسة خاطفة وسريعة، في مباراة تمتع بها كل من شاهدها بمدرجات ملعب "جيرلاند" بمدينة ليون الفرنسية أو من على شاشات التلفزيون؛ حيث انبهر العالم بأسلوب النادي الأوكراني المعتمد على اللعب الجماعي وسرعة  تحرك اللاعبين وتغيير مراكزهم باستمرار، وهي الطريقة الشبيهة بالكرة الشاملة المعروفة بها الأندية الهولندية في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

وكان على رأس الجهاز الفني لدينامو كييف في فترة تتويج النادي باللقبين الأوروبيين، المدرب فاليري لوبانوفسكي والذي أشرف على النادي في  مرحلتين من 1974 إلى 1982، ثم من 1984 إلى 1990، كما درب منتخب الاتحاد السوفييتي خلال نهائيات كأس العالم لكرة  القدم في العام 1986 بالمكسيك، وهو المنتخب الذي كان يتشكل في معظمه من لاعبي دينامو كييف، أبرزهم زافاروف وبيلانوف، وقد بلغ الدور ثمن النهائي للمونديال وأقصي على يد منتخب بلجيكا بانهزامه بنتيجة أربعة أهداف لثلاثة، بعد الوقت الإضافي وسط جدل تحكيمي كبير ووسط إعجاب الجماهير بانضباط لاعبي المنتخب السوفييتي الذين لم يُبدوا أي احتجاجات على القرارات التحكيمية التي كانت تبدو مجحفة في حقهم.

وفي سنة 1988، وتقريباً بنفس لاعبي العام 1986، بلغ لوبونوفسكي، رفقة منتخب الاتحاد السوفييتي، الدور النهائي لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم التي جرت بألمانيا، وانهزم أمام منتخب هولندا بهدفين نظيفين. 

سيطرة محلية وتراجع دولي بعد استقلال أوكرانيا 

وبعد استقلال أوكرانيا في صيف 1991، أسس نادي دينامو كييف رفقة أندية أخرى للبلد، مسابقة الدوري الأوكراني لكرة القدم، والتي فاز بلقبها تسع مرات متتالية، من 1993 إلى 2001، كما نال كأس أوكرانيا في خمس مناسبات (1993 و 1996 و 1998 و 1999 و 2000)، قبل أن يفقد سيطرته المطلقة، منذ بداية الألفية الثانية؛ حيث بدأ يجد منافسة شرسة من نادي شاختار دونيسك الذي تقاسم معه الألقاب المحلية والشهرة الأوروبية.

من جهته، غادر الأوكراني لوبانفوسكي نادي دينامو كييف بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ليشرف على تدريب منتخب الإمارات العربية المتحدة، من 1991 إلى 1994، ثم منتخب الكويت من 1994 إلى 1996، قبل أن يعود إلى وطنه وفريقه دينامو كييف ويقوده من 1997 إلى 2002، بالموازاة مع الإشراف على منتخب أوكرانيا من 2000 إلى 2022 ، واللذين لم يغادرهما إلّا بعد وفاته يوم 13 مايو/ أيار 2022، عن عمر 63 سنة، على إثر تعرضه لجلطة دماغية.

وبعد انفصال أوكرانيا ومعها دينامو كييف، لم تتألق الأندية الروسية كثيراً في المحافل الأوروبية، باستثناء نادي زينيت سان بيترسبورغ، الفائز بلقب الدوري الأوروبي لكرة القدم (يوروبا ليغ) سنتي 2007 و 2008 وبكأس السوبر الأوروبي في 2008، كما خفت بريق منتخب روسيا، الوريث الشرعي لمنتخب الاتحاد السوفييتي.

عزلة رياضية مرتقبة على روسيا 

ويبدو أن الكرة الروسية ستعيش وضعاً أكثر صعوبة وبعيداً عن الأضواء بعد فرض الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"،  مساء الأحد 27 فبراير/شباط 2022، سلسلة عقوبات بسبب استمرار الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، ولوّح بالمزيد من القرارات التي قد تصل إلى حد استبعادها من بطولاته الرسمية.

وقال "فيفا" إنه لن ينظم أي مباريات دولية في روسيا ولن يُسمح للفريق برفع العلم الروسي أو عزف النشيد الوطني في مبارياته التي سيخوضها خارج أرضه.

بوتين مع جياني إنفانتينو رئيس
بوتين مع جياني إنفانتينو رئيس "فيفا" (رويترز)

وأعلن "فيفا" أيضاً أن المنتخب لن يشارك تحت اسم روسيا، بل سيكون تحت مسمى الاتحاد الروسي لكرة القدم وستقام مبارياته "على ملاعب محايدة" وبدون جماهير.

 وكشف "فيفا" في بيانه أنه يحتفظ بحقه في اتخاذ "عقوبات إضافية، بما في ذلك الاستبعاد المحتمل من المسابقات".  

وأوضح إمكانية فرض المزيد من العقوبات، عندما ذكر: "سيواصل الفيفا حواره المستمر مع اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) والهيئات الرياضية الأخرى لاتخاذ أي تدابير أو عقوبات إضافية بما في ذلك إمكانية الاستبعاد من المسابقات، وهذا يمكن تطبيقه في المستقبل القريب إذا لم يتحسن الوضع سريعاً".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد حاج
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد