لن يتوقف الأمر عند حدود روسيا.. هكذا يموت النظام العالمي الحالي ويولد آخر جديد

عدد القراءات
1,107
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/28 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/28 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن خلال لقاء سابق بينهما - Getty Images

كنت أنوي الكتابة منذ بدء الأزمة، وتحديداً مع إعلان الرئيس الروسي التواق لاستعادة أمجاد روسيا القيصرية الغابرة، فلاديمير بوتين بدء المعركة، ولكني قررت التريث لحين استيضاح الصورة ولو جزئياً، تحديداً على الأرض.

ولعل المراقب يلاحظ أن الإرهاصات التي سبقت اندلاع المعركة كانت توحي بأن المواجهة حتمية في بعض الأحيان، وأنه يمكن تجنبها في أحيان أخرى.

حسابات مختلفة

من الواضح أيضاً أن الجذور التاريخية للعلاقة بين روسيا القيصرية، الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي والوصي على دول "حلف وارسو" سابقاً، وبين أوكرانيا التي تعتبرها روسيا جزءاً لا يتجزأ منها، لعبت دوراً في إذكاء نار الصراع، إضافة إلى عوامل موضوعية، واستراتيجية، وجيوسياسية لا تقل أهمية.

 ناهيك عن أن حسابات الرئيس الروسي بوتين الذي يعد السياسي الأكثر خبرة وحنكة في العالم تختلف عن حسابات الرئيس الأوكراني الشاب والممثل الكوميدي السابق، قليل الخبرة السياسية والعسكرية، زيلينسكي.

إذا ما أضفنا لكل ما سبق حجم الهوة التي تفصل بين كلتا الدولتين سواء من حيث عدد السكان، أو من حيث المساحة الجغرافية، أو من حيث القوة العسكرية والوزن السياسي والاقتصادي على المستوى الدولي ما معناه عدم إمكانية قبول القيادة الروسية، والرئيس بوتين تحديداً، الإخلال بالتوازنات القائمة في هذا التوقيت بالذات من قبل القيادة الأوكرانية التي أعلنت عن رغبتها في الانضمام لحلف "الناتو"، مع ما ينطوي عليه ذلك من آثار عسكرية، وسياسية بعيدة المدى على روسيا الاتحادية حسب رؤيته.                                        

ومع تأكيدي أن الحرب لا يمكن أن تساهم إلا في إذكاء جذوة الصراع وفقدان الأبرياء، إلا أن المتابع لسير الأمور يدرك أنها كانت حتمية، وإلا بماذا نفسر عدم قيام أوكرانيا بسحب طلبها، أو التراجع عن رغبتها، بالانضمام لحلف "الناتو" قبل وقوع المعركة، ما كان من شأنه أن يمنع تلك الحرب الشرسة والمؤلمة قبل وقوعها.                                                 

والتساؤل المطروح هنا: هل كانت تتوقع القيادة الأوكرانية وقوف القيادة الروسية مكتوفة الأيدي أمام مخططات انضمامها إلى حلف الناتو؟

ورب تساؤل آخر يطرح نفسه: هل كانت تتوقع القيادة الأوكرانية تدخلاً عسكرياً مباشراً على الأرض لصالحها من جانب حلف الناتو؟

فكّر كما يفكّر لتفهم ما يحدث.. سنذهب بك في رحلة داخل عقل بوتين الخطير

تساؤلات هامة

إن الإجابة عن تلك التساؤلات المطروحة تقتضي منا توضيح حقيقة أن تجربة روسيا الاتحادية، والرئيس بوتين تحديداً، مع دول المنظومة الاشتراكية السابقة توحي بأنه قليل التسامح في مسائل استراتيجية يرى أنها ذات علاقة بالأمن القومي الروسي، ولعل الحرب التي شنها في العام 2008 ضد جمهورية جورجيا بعد قيام القوات الجورجية بهجوم عسكري ضد مقاطعتي جنوب "أوسيتيا" و"أبخازيا" خير دليل على ذلك.

وكنت أتساءل، ولا أزال، حول السبب الذي دفع الرئيس زيلينسكي، لو كان أمره بيده، إلى عدم اتخاذ الخطوة المطلوبة، ولو مؤقتاً، تجنباً لاندلاع الحرب. ولعل تأثيرات تلك الأزمة العسكرية، والسياسية، والجيوسياسية، والاستراتيجية، والإنسانية، لن تقتصر على حدود أوكرانيا بل سوف تتجاوزها إلى عموم المنطقة، وربما العالم، ما قد يؤدي مستقبلاً إلى إعادة تشكيل النظام الدولي من نظام أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب، أو ما يمكن أن أطلق عليه اسم النظام الموازي.

وفيما يتعلق بموضوع تدخل حلف الناتو بشكل مباشر لصالح أوكرانيا يمكن القول إن أوكرانيا ليست عضواً في حلف الناتو، وبالتالي فإن أي طلب من قبلها لتدخل عسكري مباشر من قبل الحلف لن يكون ذا مغزى. ناهيك أن أن حلف الناتو لن يغامر بمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا الاتحادية التي يحكمها رئيس قوي، وتمتلك إمكانيات عسكرية هائلة، ما يشمل السلاح النووي. وعلى كل حال، فإن حلف الناتو عموماً، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خصوصاً، لديهم أدوات أخرى فاعلة يمكن من خلالها الضغط على الرئيس الروسي، أهمها الأدوات الاقتصادية. ولعل قيام الاتحاد الأوروبي مؤخراً بفرض عقوبات اقتصادية، من ضمن أخرى، ضد أصول الرئيس بوتين ووزير خارجيته (والطبقة الأوليغارشية) في دول الاتحاد الأوروبي خير دليل على ذلك. ناهيك عن فرض عقوبات اقتصادية على نظام (سويفت) الخاص بالمدفوعات (التحويلات) المالية بين البنوك، ما يعني تقييد حركة الصادرات والواردات الروسية. إضافة إلى فرض عقوبات على أصول بعض البنوك الروسية.

ولعل اختبار مدى قدرة تلك العقوبات على ثني الرئيس بوتين وأركان نظامه عن المضي قدماً في مخططاتهم العسكرية يحتاج بعض الوقت. وتستطيع روسيا مساومة الاتحاد الأوروبي بورقة الغاز الطبيعي الذي تحتاجه أوروبا لتوليد الطاقة، خاصة في ظل عدم قيام أوروبا لغاية الآن باستحداث نظام طاقة بديلة متكامل يفي بالغرض، في حين يمكن للاتحاد الأوروبي مساومة روسيا بورقة التكنولوجيا المتطورة، إضافة إلى التسهيلات المالية الممنوحة للطبقة الروسية الأوليغارشية وللبنوك الروسية، كما أسلفنا.

خلاصة القول: إن الأزمة الأوكرانية أثبتت عمق الفجوة التي يعاني منها النظام الدولي المنقسم على نفسه، حيث إن دول حلف الناتو، تحديداً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تقف في مواجهة روسيا الاتحادية القوية عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً. وذلك ينذر بإمكانية تصدع النظام الدولي مع ما قد يحمله من تأثيرات سياسية، واقتصادية، وإنسانية على العالم، ولن يتوقف الأمر عند حدود ضفتي المحيط الأطلسي، أو روسيا الاتحادية.                                                     

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إيهاب عمرو
أستاذ متخصص في القانون
أستاذ متخصص في القانون
تحميل المزيد