السبب التاريخي الذي أقام الحروب ودفع صدام لغزو الكويت يتكرر.. لماذا نحن مقبلون على حرب عالمية ثالثة؟

عدد القراءات
6,237
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/27 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/27 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش

"التاريخ يكرر نفسه".. عبارة تصف الحياة بشكل عام على كوكب الأرض، فالتاريخ بالفعل يعيد نفسه، وتكرار الأحداث بالظروف نفسها قد يخلق النهايات نفسها والتي قد لا تكون هي النهايات الأفضل للحياة على الأرض، فالماضي يعلّمنا دروساً من أجل الأفعال المستقبلية، ولكن كيف يكرر التاريخ نفسه؟ أو في وصف أدق- كما قال مارك توين- "التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه كثيراً"؟

نحن في العام 2022 ميلادية نعيش أجواء قد يصفها العامة بأنها أجواء تشبه كثيراً مقدمات ما قبل الحروب العالمية، كتلك التي حدثت في الماضي القريب، وهي مقارنة قد تكون بنسبة ليست بالهينة في محلها، تستدعي أن نعيد تعريف الأحداث التي نعيشها لحظة بلحظة مع وسائل الإعلام المختلفة ومقارنتها بسلفها، وهي أحداث تتشابه كثيراً في المقدمات نفسها التي قادت إلى ملايين القتلى والجرحى وانتهت بإعادة تنظيم مراكز القوى في العالم بأسره بعد حرب دموية تشكلت في الوجدان البشري ومستمرة إلى عقود يعلم الله وحده متى وكيف سوف تنتهي.

منذ قرابة تسعين عاماً حينما كان العالم غير هذا العالم الذي نعيشه، اعتُقل شاب ألماني بعد فشل انقلابه على حكومة بافاريا في نوفمبر/تشرين الثاني 1923، وفي غياهب السجون وظلماتها، شرع في تأليف وتدوين سيرته الذاتية التي أصبحت الأشهر عالمياً إلى وقتنا هذا، كتاب "كفاحي" لمؤلفه أدولف هتلر، وفيه شارك هتلر أحلامه الشخصية المتسمة بالقيادية وذكر فيه ضرورة توسُّع الشعب الألماني، أولاً باستعادة كل الأراضي التي يقطنها إخوتهم الألمان في دول أخرى، ثم التوسع نحو الشرق، أي على حساب الاتحاد السوفييتي.

وهو الأمر الذي قام بتنفيذه بالفعل في السنين التي تلت وصول الحزب الاشتراكي النازي إلى سدة الحكم، وهتلر يرأسه قلباً وقالباً.

رأى هتلر المتأثر بالقومية الآرامية وتفوُّق الإنسان الأبيض على الجميع، والذي بدوره تصعّد في نفسه يوماً وراء آخر، خاصة بعد صدمته بالهزيمة النكراء والعقوبات على دولته "ألمانيا" إبان الحرب العالمية الأولى، بأن الأراضي التي يتحدث أهلها الألمانية وما شابهها جزء تاريخي من الأراضي الألمانية، وكان أول قراراته حينما تولى إدارة ألمانيا هو ضم الدولة القابعة على الحدود الألمانية "بمبدأ القومية" إلى ألمانيا تحت مسمى الدولة الواحدة، وفيها ضم النمسا في غزو غير دموي فيما يعرف بالأنشلوس. لقي هذا الضم ترحيباً كبيراً من قبل غالبية النمساويين حينها وذلك في عهد مستشار النمسا أرتور زايس إنكفارت، فساعده هذا النجاح في الخوض نحو الهدف بضم ثانٍ لأراضي رأى أنها حق مشروع لألمانيا ألا وهو ضم ألمانيا المناطق الحدودية لتشيكوسلوفاكيا المعروفة باسم سودا تنلاند، بموجب الشروط التي حددها اتفاق ميونيخ وبمباركة أوروبا التي رأت أنها حق من حقوق ألمانيا النازية، بلا فرض لأي عقوبات.

حرب عالمية ثالثة

هذا الأمر يتكرر حرفياً من جديد، ولكن اليوم لا نتحدث عن ألمانيا النازية، ولكننا نتحدث عن دولة كانت في يوم من الأيام اتحاداً ضخماً يضم أكثر من اثنتي عشرة دولة، واليوم يستخدم الذريعة في بسط يده على أراضٍ خاصة بدولة أخرى تحت الأسباب والمسميات التاريخية نفسها، اليوم بطل القصة هو روسيا، التي خطب زعيمها "فلاديمير بوتين" منذ أيام في شعبه، يحثهم على الحق التاريخي في الأراضي الأوكرانية التي يراها جزءاً لا يتجزأ من روسيا الكبيرة، بل شرع في شرح أسباب ألمانيا التاريخية نفسها في أن أوكرانيا دولة من صناعة الاتحاد السوفييتي ووجب ضمها إلى روسيا اتقاء شر التهديد الأوروبي، وهو ما استيقظ على أحداثه العالم يوم الخميس الرابع والعشرين من فبراير/شباط لعام 2022م، حيث يعيد التاريخ نفسه، والغزو يطول كييف، والحجة هذه المرة هي دعم الانفصاليين في الشرق الأوكراني ولكن السبب الأول والأخير هو القومية الروسية كسابقيها.

الطامة الكبرى والسبب الأكبر الذي ساعد في ولادة ما يُعرف بالحرب العالمية الثانية والحدث الأكثر دماراً للتاريخ البشري منذ وجوده وحتى يومنا هذا من حيث الدمار والضحايا، كان طمع ألمانيا في مزيد من التوسع، فلم تكتفِ فقط بضم النمسا وتشيكوسلوفاكيا وحسب ولكنها طمعت في المزيد، وهو ما جرّها جرّاً إلى ما يُعرف تاريخياً باتفاق مولوتوف-ريبنتروب بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي، والهدف كان غزو الأراضي البولندية وتقسيمها بين البلدين، تأخذ بمقتضاه ألمانيا الثلثين، والسوفييت يحصلون على الثلث.

حرب عالمية ثالثة

وفي 1939 بدأت الخطة السرية بين سطور "معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي"، وفيها تم تقسيم الشرق الأوروبي بداية من بولندا ثم كان الغزو في سبتمبر/أيلول والذي راح ضحيته 66 ألف قتيل بولندي، إضافة إلى 694 ألف أسير، فيما انسحبت القوات البحرية البولندية إلى المملكة المتحدة وخضعت الأراضي البولندية رسمياً لألمانيا، وهي البداية الحقيقية للحرب العالمية الثانية، إذ تدخلت بريطانيا لتعلن الحرب على ألمانيا تلتها فرنسا، ثم تصاعدت الأحداث ودخلت الولايات المتحدة وإيطاليا واليابان، لتنتهي الحرب بهزيمة ألمانيا وإيطاليا، لوتنفجر بعدها قنبلة ذرية تقتل مئات الآلاف في اليابان، وأخيراً يتم الإعلان عن دولة إسرائيل في الشرق الأوسط على حساب فلسطين العربية.

التاريخ يعيد نفسه فهي المقدمات نفسها بحذافيرها مع اختلاف الأبطال فقط، اليوم روسيا تدافع عن حقوقها القانونية والدولية تحت التهديد الأوروبي بعدما حاولت أوكرانيا مؤخراً الانضمام إلى صفوف حزب الناتو، وكما هو معروف فالمَنفذ البحري الوحيد لروسيا على المياه الدافئة أو البحر الأسود هو ميناء سيفاستوبول الواقع في جنوب غربي شبه جزيرة القرم التابع رسمياً لأوكرانيا، وبدونه تصبح روسيا دولة حبيسة بلا أسطول بحري على مناطق نفوذها وصراعها الطويل مع أوروبا، وهو ما استدعى مؤخراً التصاعدات الروسية ضد أوكرانيا؛ حفاظاً على حدود روسيا الدولية.

بل قد تطور الصراع ليشمل تهديدات أوروبية بعقوبات على روسيا في حال شرعت في استكمال الغزو البري على أوكرانيا واحتلالها، وكانت الطامة الكبرى هي اعتراف روسيا رسمياً بانفصال إقليمي "دونيتسك ولوغانسك" حيث أكبر احتياطي للفحم في أوكرانيا، وهي الأراضي نفسها التي قال عنها بوتين إنها "جزء من روسيا التاريخية" والذريعة التي حرَّك بها جيشه لغزو كييف مؤخراً.

بتلك الأسباب نفسها وبعيداً عن الحرب العالمية الثانية، تكرر الأمر أيضاً في مطلع التسعينيات، هنا في بلاد الشرق، حينما خرج رئيس دولة العراق السابق "صدام حسين" ليتهم الكويت على الملأ بسرقة بترول العراق عن طريق الحفر بطريقة مائلة، بل تطور الأمر بأن أطلق على الكويت أنها ولاية عراقية وأنها ليست دولة مستقلة؛ بل هي جزء لا يتجزء من العراق التاريخية بالمنطق نفسه كما هو الحال في التاريخ، وهو الأمر الذي قرر فيه صدام حسين غزو الكويت وضمها إلى العراق، وكانت الشرارة التي أطلقت حرب الخليج الثانية بتدخل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في الحرب، وفيها بدأت عملية تحرير الكويت من القوات العراقية في 17 يناير/كانون الثاني سنة 1991، لتصبح نقطة فارقة تخلف مئات القتلى ولا يعود العراق إلى سابق عهده مطلقاً.

حرب عالمية ثالثة

الأمر يتكرر تاريخياً كثيراً وفي العديد من الحضارات المختلفة، ففي إفريقيا اشتعلت أسوأ حرب أهلية شهدها التاريخ في رواندا، بسبب ادّعاءات عرقية بين عرقَي الهوتو والتوتسي والتي بدأت بادعاءات متبادلة بين العرقَين ثم اتهامات وكراهية طالت حتى الأطفال، لتنتهي بمجزرة لاتزال الدولة تعاني من تبعاتها إلى يومنا هذا، حيث راح ضحيتها مئات الآلاف من الجانبين، والعجيب في الأمر أن البداية دائماً ما تكون واحدة، تبدأ بادعاء ثم يدخل الادعاء في الوجدان الشعبي فيتحرك جيش المدعي ليغزو وتنتهي بحروب تكلف العالم كله خسائر جسيمة لا مكسب فيها إلا إحدى البدايات نفسها مع اختلاف الابطال.

فما الذي ينتظرنا في الحرب الروسية الأوكرانية في المستقبل القريب؟ هل تنتهي الحرب كحرب إقليمية داخلية وبعض العقوبات التي تمر مرور الكرام بلا أي خسائر عالمية؟ أم يعيد التاريخ نفسه من جديد وتتدخل الدول الباحثة عن مصالحها وأمنها الدولي فيتصاعد الصراع ونشهد حرباً عالمية جديدة بعد أكثر من ستين عاماً على آخر صراع عالمي شهده البشر؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أمير
كاتب مصري
تحميل المزيد