الهجوم الروسي على أوكرانيا.. ما أهداف بوتين من العملية؟ 3 سيناريوهات عسكرية

عدد القراءات
1,716
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/24 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/25 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين/ Getty images

منذ ثلاثة أشهر بدأت روسيا في حشد قواتها على امتداد الحدود الأوكرانية وإقامة منارات عسكرية غير مسبوقة في الشمال مع بيلاروسيا.

قبل أسبوع بدأت روسيا والانفصاليون الموالون لها في إجلاء كافة المدنيين عن الإقليمَين المواليين، فيما بدا أنه استعداد لحرب قادمة أو تدخُّل عسكري واسع في الإقليمين.

في ٢١ من فبراير/شباط الجاري أعلن بوتين اعتراف بلاده باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونيتسك ولوغانسك، ووقَّع على مرسومين باعتراف روسيا بالجمهوريتين، طالباً من مجلس "الدوما" الاعتراف الفوري بهذا القرار ودعم الجمهوريتين، وتوقيع اتفاقات شراكة وتعاون استراتيجي معهما.

تلا هذه الخطوة الإعلان عن حزم عقوبات أولية في أوروبا والولايات المتحدة وبعض حلفائهما، إلى هنا كان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين أن الأمر لن يختلف كثيراً عما حدث سابقاً عند دعم روسيا لاستقلال إقليمي "أوسيتيا" و"أبخازيا" عن جورجيا في ٢٠٠٨، أو عن استعادة روسيا لسيطرتها على شبه جزيرة القرم في ٢٠١٤، لكن التطورات في الأيام التالية تشير لتصعيدات غير مسبوقة وغير متوقعة السيناريوهات والنتائج إلى حد كبير.

عندما بدأ التصعيد في الأزمة الأوكرانية الحالية كانت التقديرات تشير إلى أحد سيناريوهات؛ إما الاعتراف باستقلال إقليمي "دونباس" و"لوغانسك"، أو احتلال كامل الأراضي الأوكرانية أو اتباع سياسة حافة الهاوية للضغط على "الناتو" للاستجابة للمخاوف والمطالب الأمنية الروسية ومن أجل الحصول على ضمانات مكتوبة بعدم توسع الحلف شرقاً نحو المجال الحيوي الروسي.

كانت مراكز البحث الأمريكية وأجهزة الاستخبارات والرئاسة تشير إلى أن بوتين سيختبر الولايات المتحدة والغرب حتماً، بل إن دورية "الشؤون الخارجية" نشرت موضوعاً حول اليوم التالي للهجمات الروسية (كيف ستبدو الحرب في أوكرانيا – وكيف تستجيب أمريكا؟(

تاريخ العقوبات الأمريكية على روسيا
صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

بالأمس واليوم فقط بدأت ملامح عملية عسكرية روسية واسعة ضد أوكرانيا تتضح أكثر فأكثر، لكن لا تزال الأهداف من هذه العملية العسكرية غير معروفة بعد، فالقيادة الروسية تؤكد أنها تستهدف فقط القدرات العسكرية الأوكرانية وتنأى بالمدنيين عن هذه المواجهة، بل تصل حد مطالبة العسكريين بالعودة إلى منازلهم، شهدت الساعات الماضية وفق تقارير تطورات متسارعة منذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق عملية عسكرية في أوكرانيا، وسط إعلانات متبادلة عن وقوع خسائر وسقوط قتلى بين الطرفين، وقلق عالمي بالغ من تداعيات الحرب.

إمكانية توسع روسيا في ظل العقوبات

رغم التهديدات الأوروبية بعقوبات واسعة على موسكو واتخاذ خطوات بهذا الاتجاه فإن موسكو بدت متوقعة لمعظم تلك العقوبات، وحتى إذا ما كانت غير مستعدة لتحمل مثل تلك العقوبات لوقت طويل.

رغم توقع التقارير الاستخباراتية الأمريكية والغربية بمثل هذا الاجتياح، بدا بايدن مستسلماً للأمر الواقع ولم يوقع أكثر من بعض العقوبات التي ما تزال شكلية تتعلق بمنع الأمريكيين من التعامل مع الجمهوريتين الجديدتين اللتين أوجدتهما روسيا، وبعض العقوبات على المصارف الروسية، فيما كان رد الأوروبيين حتى الآن يتعلق فقط بتعليق خط غاز "نورد ستريم -2" الذي لم يدخل حيز التشغيل بعد، وهذا يمثل خسارة مشتركة لروسيا وللأوروبيين، وتحديداً الألمان، بنفس القدر من الناحية الاقتصادية على الأقل، لكنه يخدم الأهداف الأمريكية في إبعاد أوروبا عن التقارب مع روسيا.

لا يزال الحديث الأوروبي والأمريكي عن روسيا والأزمة كحديث قانوني وسياسي بعيداً عن أي رد فعل عسكري حقيقي رغم الاجتماعات المكثفة لحلف "الناتو" ووزارات الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيما يمكن اعتباره تركاً للأوكرانيين في مواجهة مصيرهم والحديث فقط هنا عن مساعدات لوجيستية تتعلق بالتدريب والتسليح مع زيادات طفيفة في قوات الناتو في القواعد المنتشرة دول البلطيق وشرق أوروبا.

الاقتصاد الروسي رغم ما يبدو عليه من قوة، فإنه لا يحتمل حرباً طويلة الأمد أو واسعة النطاق لوقت طويل، كما أنها أيضاً ستواجه أزمة لجوء كبيرة من أوكرانيا مع ما يحمله ذلك من مخاطر التغيرات الديموغرافية للمناطق الحدودية في المستقبل، هي أيضاً رغم ديكتاتورية نظامها وإرثها الشيوعي إلا أنها أصبحت مندمجة بشكل جيد مع النظام الرأسمالي الغربي وتعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية وصادرات النفط والسلاح وغيرها.

ومهما كانت التطمينات الصينية لها إلا أن الصين ذاتها تبدو صاحبة مصلحة في حرب روسية- أوروبية طويلة أو حتى انهماك روسي طويل الأمد في محاولة تثبيت الأوضاع في أوكرانيا، وهو الأمر الذي تتشارك فيه القلق مع الأوروبيين من حلم عودة الإمبراطورية الروسية.

وهنا تأتي التصريحات الروسية على فكرة حلم استعادة الإمبراطورية السوفييتية في محاولة طمأنة حلفائها التقليديين، ورأى بوتين أن "الحل الأفضل" لوضع حد للأزمة بشأن أوكرانيا يكمن في تخلي كييف عن رغبتها في الانضمام إلى حلف الناتو، وقال: "الحل الأفضل لهذه القضية هو أن ترفض السلطات الحاكمة حالياً في كييف بنفسها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وأن تختار الحياد".

صحيح أن روسيا أعلنت أنها تمنح الجنسية الروسية لمئات الآلاف من سكان الإقليمين اللذين دعمت استقلالهما، وقامت مع حلفائها المحليين بإجلاء السكان خلال الأيام السابقة على إعلان دعم استقلالهما وتوقيع اتفاقات دفاع وشراكة مع حكومتيهما، لكنها لا تتحمل تبعات موجات هجرة واسعة من إنفاق كامل على سكان هذه الأقاليم والنازحين من مناطق أخرى، وكذلك على المجهود الحربي الكبير.

في التحليل الأخير لا يعلم أحد سقف التوسع الروسي، لكنها على الأقل قد لا تُنهي هذه العملية قبل تثبيت نظام موالٍ لها مثل تلك الأنظمة الموالية في معظم دول الاتحاد السوفييتي السابق، مع الضغط على الغرب للوصول لاتفاق مكتوب يضمن عدم توسع "الناتو" شرقاً.

خطايا السياسات الأوروبية والأمريكية

كان الهمّ الأوروبي الأكبر عند تفكك الاتحاد السوفييتي هو تجريد الدول السوفييتية السابقة القريبة من حدود أوروبا ومنها أوكرانيا من السلاح النووي عبر نقل الترسانة النووية السوفييتية لأبعد مدى ممكن داخل الأراضي الروسية، بحيث تصعب أية عملية نووية ممكنة أكثر، لكنَّ الأوروبيين لم يفكروا حينها في أن الأمور قد تتغير نحو أنظمة موالية لهم بحاجة إلى ردع نووي في مواجهة موسكو، وهو أمر ظل مستبعداً ومحل شك كبير حتى في ظل التطورات الداخلية الأوكرانية الكبيرة.

الأزمة بين أوكرانيا روسيا
الرئيس الأمريكي جو بايدن يقول إن ما يحدث غزو روسي لأوكرانيا/ رويترز

تحدثت المفوضية الأوروبية اليوم في تصريحات مقتضبة على الحدث باعتباره الأسوأ على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية مع الدعوة لسحب القوات الروسية في أوروبا، عن دعم إنساني لأوكرانيا وعن عمليات الإجلاء وتهديد روسيا بعزلة كاملة إذا ما أصرت على هذا التوسع، ومع الاجتماعات المفترضة للمفوضية وللمؤسسات الأوروبية اليوم في بروكسل، وكذلك قادة مجموعة السبع الكبار قد تتضح الأمور أكثر بالنسبة للسياسة الأوروبية.

تعرضت السياسة الخارجية الروسية البوتينية لاختبارات صعبة، سواء في جورجيا أو بيلاروسيا أو كازاخستان، لكنها نجحت إلى حد بعيد في تثبيت الأنظمة المستبدة الموالية لها رغم الاحتجاجات الواسعة ضدها في أكثر من مرة، ولم يتحرك الغرب بفاعلية كافية في هذه الملفات، بحيث يثبت قدرته على ردع التوجهات البوتينية الواضحة نحو استعادة الأمجاد السوفييتية.

بل سبق ونجحت روسيا في تثبيت أنظمة موالية كانت على وشك السقوط في مناطق بعيدة نسبياً مثلما هو الحال في سوريا، وعززت بذلك تواجدها في البحر المتوسط وعلى حدود ومناطق تماس كبيرة مع أوروبا في مناطق كانت هشة في السابق، وبالتالي فالفشل الأوروبي الحالي بدأ عندما لم يتخذ الأوروبيون قرارات حاسمة وموحدة في الأزمتين السورية والليبية، وتركت الدولتين للعبث الروسي الكبير بمصائر ثوراتها ومحاولاتها لتغيير الأنظمة المستبدة هناك.

ورغم أن هذا الغزو كان متوقعاً أمريكياً على حد تصريح بايدن باعتقاده أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين اتخذ قراراً بغزو أوكرانيا، وتشكيك البعض بأن هذه الأخبار المتداولة أمريكياً وغربياً هي مبالغات في مواجهة النفوذ الروسي والصيني، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتخذوا خطوات جدية لمنع هذا الغزو في ظل إصرار روسي على رفض كافة سيناريوهات حل الأزمة.

الأزمة الحالية والسياسات الغربية.. أية سيناريوهات؟

يتحدث البعض عن رغبة أمريكية وغربية خفية في توريط روسيا في أوكرانيا باعتبارها مستنقعاً قد يبدو شبيهاً بتجربة السوفييت بأفغانستان، من أجل إدخال روسيا في عملية استنزاف طويلة، وفي هذا السيناريو يقوم الغرب بدور متفرج إيجابي، سواء بدعم مقاومة أوكرانية عسكرياً ولوجستياً أو بتدخلات محدودة عسكرية وواسعة اقتصادياً عبر العقوبات.

لكن هذا السيناريو شديد الخطورة والكارثية إن كان واقعياً أصلاً، فهناك اختلاف في المواقف الأوروبية والأمريكية عبر العقد الماضي في معظم القضايا الدولية، ففرنسا وألمانيا رفضتا تماماً محاولة أمريكية سابقة لضم أوكرانيا للناتو وفوتتا فرصة تاريخية في ذلك الوقت، كذلك فإن هذا السيناريو غير مضمون العواقب؛ إذ لو سقطت أوكرانيا بسهولة، فإن دول البلطيق وشرق أوروبا تصبح منطقة هشة ولقمة سائغة لأية رغبة روسية في التوسع، كما أن الأضرار التي ستلحق بأوروبا اقتصادياً قد لا تستطيع الولايات المتحدة تعويضها في ظل اقتصادات تعاني بقسوة تحت وطأة تداعيات جائحة كورونا.

لكن المتتبع لخطابات بوتين الأخيرة يمكنه أن يستشف نية مبيتة حقيقية لغزو أوكرانيا، فالرجل تحدث مطولاً حد اتهام رموز تاريخية روسية مثل لينين وحديثه الذي وصفه بـ"الفارغ" عن حق تقرير المصير، كما عن التطورات التاريخية منذ تأسيس أوكرانيا إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، ومن الوضع السياسي في أوكرانيا إلى النزاعات في إقليم "دونباس"، واصفاً النزعات القومية الانفصالية عن الاتحاد السوفييتي بالبكتيريا والتي أرجعها لسياسات قادة الحزب الشيوعي.

ويمكن القول إن السلوك الغربي كان يقود إلى الدفع باتجاه السيطرة على كامل أوكرانيا بطريقة غير مباشرة وربما غير مقصودة، عبر مجرد التلويح بعقوبات أو الإعلان عنها، فيما تَرك روسيا والانفصاليين ليتوسعوا ويتخذوا خطوات جدية على الأرض، واكتفى الغرب حتى الآن بالدعم اللوجيستي، والوعود بمساعدات إنسانية لأوكرانيا.

فيما يمكن الحديث عن سيناريو آخر يدور حول قيام روسيا بتأمين استقلال تام للمنطقتين اللتين اعترفت بهما عن أوكرانيا على غرار دعمها انفصال "أبخازيا" و"أوسيتيا" عن جورجيا، وخلق مجال حيوي للإقليمين ولها باستهداف البنية العسكرية ومقار الحكم، وبما يضمن لها نظاماً موالياً ثم الانسحاب مع ترك قواعد عسكرية قوية في العديد من المواقع الأوكرانية دون تورط كبير ومستدام في تفاصيل السياسة والحكم والحياة اليومية في هذه المنطقة ذات الملايين الأربعين، والتي تختلف عن كازاخستان وجورجيا وغيرهما من المناطق الأخرى.

لكن الأخبار الواردة حتى الآن تشير لتحرك بري وبحري واسع داخل الأراضي الأوكرانية يتجاوز إقليم "الدونباس" إلى العاصمة كييف، ومحاولة السيطرة على المناطق السيادية الحساسة فيها، وحتى إن وُوجه هذا بمقاومة شرسة مستقبلاً، فإنه مع تخلِّي الغرب عن أوكرانيا بالدخول في حرب فعلية مع روسيا، فإن خيار نظام موالٍ لموسكو يبدو واقعياً للجميع في ظل التفاوت الكبير في القوة بين الدولتين.

السيناريو الثالث هو احتلال روسي لكامل الأراضي الأوكرانية، وهو احتمال لا يزال ضعيفاً، لكنه إن حدث قد يقود لتوسع المواجهات نحو حرب كبرى أشبه بحرب عالمية جديدة، وبالذات مع الذعر الحالي في دول البلطيق وشرق أوروبا الأعضاء في الناتو.

لكن هذا السيناريو يقتضي التدخل المباشر للناتو في دعم أوكرانيا بقوات عسكرية، سواء للدفاع عنها أو القيام بهجوم على أهداف روسية في مناطق أخرى؛ للضغط على روسيا من أجل الخروج من تلك المناطق ووقف الحرب، وهو سيناريو محفوف بالمخاطر؛ حيث يعيش العالم اليوم أزمات اقتصادية طاحنة، لكنْ هناك من يؤمنون بأن الأزمات الاقتصادية الطاحنة تلك لطالما قادت إلى حروب كبرى في النظام الدولي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سمير
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد