صنع اللاعب الدولي الغابوني بيار إيميريك أوباميانغ الحدث، في مطلع الأسبوع الجاري، بتسجيله ثلاثة أهداف في مرمى نادي فالنسيا، لحساب الجولة الـ25 من الدوري الإسباني لكرة القدم، وذلك في أول مباراة له ضمن التشكيلة الأساسية لفريق برشلونة، الذي انضمَّ لصفوفه خلال سوق الانتقالات الشتوية الأخيرة، ليصبح بالتالي أول لاعب، في القرن الحالي، يحرز "هاتريك" في 4 دوريات أوروبية مختلفة، وهي الفرنسي والألماني والإنجليزي والإسباني.
وقد كان من الممكن جداً أن يحقق أوباميانغ هذا الرقم المميز بقميص فريقٍ آخرٍ وليس برشلونة، وهو ريال مدريد، الغريم التقليدي للنادي الكاتالوني، لو لم "يخُن" أوباميانغ الوعد الذي قدمه لجده قبل سنوات عديدة.
وقبل الحديث عن "الخيانة" و"الوعد" أستسمحك عزيزي القارئ بالتطرق للمشوار الرياضي للنجم الجديد للبرسا، الحامل لثلاث جنسيات، وهي الغابونية والفرنسية والإسبانية.
التكوين بفرنسا قبل البروز مع شباب ميلان
ولد بيار إيميريك أوباميانغ يوم 18 يونيو/حزيران 1989، بمدينة "لافال" الفرنسية، من عائلة رياضية، حيث كان والده "بيار أوباميانغ" لاعباً دولياً غابونياً ومحترفاً بفرنسا، في سنوات الثمانينات بالقرن الماضي، كما نشط شقيقاه الأكبران ويلي وكاتيلينا بعدة أندية محترفة بأوروبا.
بدأ أوباميانغ ممارسة رياضة كرة القدم في سن السادسة من عمره، ضمن فريق البلدة التي نشأ بها "ويسيري"، القريبة من لافال، قبل أن يرتحل بين عدة أندية فرنسية على غرار نيس (1997-1998)، وستاد لافال (1999-2001)، وروان (2001-2005)، وباستيا (2005-2007)، ثم وقّع على أول عقد احترافي مع نادي ميلان الإيطالي، في يناير/كانون الثاني 2007.
لكن مع اللعب ضمن فريق الشباب الذي تألق رفقته في شهر أغسطس/آب لنفس العام، بنيله جائزة أفضل هداف لبطولة كأس الشباب التي جرت بماليزيا، برصيد 7 أهداف في 6 مباريات، خلال الدورة التي جمعت أفضل فرق الشباب (أقل من 19 سنة) للأندية العالمية الكبيرة، على غرار بايرن ميونيخ الألماني، وبرشلونة الإسباني، وأياكس أمستردام الهولندي، وفلامينغو البرازيلي، وبوكا جونيورز الأرجنتيني، ومانشستر يونايتد الإنجليزي، الذي فاز باللقب بعد فوزه في اللقاء النهائي على يوفنتوس الإيطالي.
وقَصْد منحه فرصة اللعب بانتظام ضمن الأندية المحترفة، قرَّر ميلان إعارته في صيف 2008 لفريق "ديجون"، الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثانية الفرنسي، حيث شارك أوباميانغ في 39 مباراة رسمية، سجل خلالها 10 أهداف، وصنع هدفين آخرين، ما جلب اهتمام نادي "ليل"، الناشط في دوري الدرجة الأولى، الذي ضمه لصفوفه في صيف 2009 على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ مع أحقية الشراء.
وخاض النجم الغابوني مع نادي ليل 14 مباراة في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، سجل خلالها هدفين اثنين، كما اكتشف لأول مرة المسابقات القارية، بمشاركته في 9 لقاءات بالدوري الأوروبي لكرة القدم، قدَّم خلالها تمريرتين حاسمتين.
ولم يُفعّل نادي ليل، بعد نهاية الموسم، بند أحقية شراء عقد أوباميانغ من ميلان الإيطالي، فقامت إدارة النادي اللومبادري بإعارته لنادي "موناكو" في الدوري الفرنسي، فشارك في 19 مباراة للنصف الأول من موسم (2010-2011)، سجل فيها هدفين اثنين، ومنح 3 تمريرات حاسمة، لكن قدوم المدرب "لوران بانيد" على رأس الجهاز الفني لفريق الإمارة، في شهر يناير/كانون الثاني 2011، عجّل برحيل المهاجم الغابوني نحو نادي "سانت إيتيان" الفرنسي على سبيل الإعارة لسنة واحدة، مع أحقية الشراء.
اقتنع سانت إيتيان بأداء أوباميانغ في عامه الأول، فقام بتفعيل بند أحقية الشراء فور فتح الميركاتو الشتوي لسنة 2012، فدفع مبلغ 1.8 مليون يورو لنادي ميلان، للاستفادة من خدمات اللاعب الغابوني بشكل نهائي، وتعاقد معه لمدة 4 سنوات.
وتطور أداء أوباميانغ بشكلٍ كبيرٍ مع سانت إيتيان، فأنهى موسم (2011-2012) هدافاً للفريق، برصيد 16 هدفاً، وأفضل صانع ألعاب بـ6 تمريرات حاسمة، وذلك في 36 مباراة للدوري الفرنسي، ثم واصل تألقه المميز في موسم 2012-2013، بتوقيعه على 19 هدفاً، وتقديمه 9 تمريرات حاسمة في 37 مباراة في الدوري، إضافة لقيادته الفريق لنيل كأس الرابطة الفرنسية المحترفة لكرة القدم، ليدخل على إثر ذلك ضمن دائرة اهتمامات عدة أندية أوروبية كبيرة، كمانشستر سيتي ومانشستر يونايتد الإنجليزيين، وبوروسيا دورتموند الألماني، الذي نجح في التعاقد معه، يوم 4 يوليو/تموز 2013، لمدة 5 مواسم، مقابل 13 مليون يورو.
كلوب حوّله من "جناح" إلى "رأس حربة"
وكان انضمام أوباميانغ لنادي بوروسيا دورتموند بمثابة منعرج حاسم في مساره الاحترافي، بحيث ازدادت شهرته، وبات يظهر بشكلٍ منتظمٍ على واجهة الأحداث الرياضية الأوروبية، وذلك بداية بسرعته الخرافية التي تحدثت عنها الصحافة العالمية، بعد أيامٍ قليلة فقط من التحاقه بفريقه الألماني، إذ وخلال معسكر تحضيري خلال شهر يوليو/تموز 2013 ببلدة "باد راغاز" السويسرية، جرى أوباميانغ مسافة 30 متراً في زمن 3 ثوانٍ و70 جزءاً من المئة، أي أكثر بـ8 أجزاء من المئة فقط عن الزمن الذي سجله العداء الجامايكي الشهير أوسين بولت، عندما حطّم رقمه القياسي العالمي لسباق الـ100 متر خلال بطولة العالم ببرلين في سنة 2009، حيث كان العداء الأسطورة قد جرى الـ30 متراً الأولى في 3 ثوانٍ و78 جزءاً من المئة.
ولم ينتظر كثيراً ليبصم اسمه في مسابقة "البوندسليغا"، عندما سجل 3 أهداف (هاتريك) في الجولة الأولى للدوري الألماني في مرمى فريق أوغسبورغ (4-0). وقد أنهى موسمه الأول مع دورتموند (2013-2014) هدافاً للفريق، برصيد 16 هدفاً و5 تمريرات حاسمة في 48 مباراة بكل المسابقات المحلية والقارية.
وفي موسم (2014-2015)، وبعد رحيل النجم البولندي روبريت ليفاندوفسكي نحو بايرن ميونيخ، قام نادي بوروسيا دورتموند بانتداب الإيطالي تشيرو إيموبيلي لخلافته في مركز مهاجم صريح، لكن الأخير اكتفى بتسجيل 3 أهداف فقط في النصف الأول من الموسم، في الوقت الذي أحرز فيه أوباميانغ 5 أهداف، ما جعل المدرب الألماني المحنك يورغن كلوب يقوم بتغيير مركز النجم الغابوني من جناح إلى رأس حربة، أي في مكان المهاجم الإيطالي، وقد كان اختياراً صائباً، حيث نجح أوباميانغ في إنهاء الموسم برصيد 16 هدفاً في الدوري و6 تمريرات حاسمة، و25 هدفاً و10 تمريرات حاسمة في كل المسابقات.
وفي موسمه الثالث مع دورتموند (2015-2016) سجل أوباميانغ 39 هدفاً في كل المسابقات، و12 تمريرة حاسمة، كما احتل المركز الثاني في ترتيب هدافي الدوري برصيد 25 هدفاً، وراء مهاجم بايرن ميونيخ ليفاندوفسكي (30 هدفاً)، ثم أصبح هدافاً للدوري في الموسم الموالي (2016-2017) بمجموع 31 هدفاً، متفوقاً على ليفاندوفسكي، الذي سجل مرة أخرى 30 هدفاً.
وفي موسمه الخامس مع بوروسيا دورتموند سجل المهاجم الغابوني 13 هدفاً في 16 مباراة، في النصف الأول من مسابقة الدوري الألماني، و4 أهداف في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، قبل أن يغادر الفريق في آخر أيام الميركاتو الشتوي (31 يناير/كانون الثاني 2018)، نحو نادي أرسنال الإنجليزي، الذي تعاقد معه لمدة 3 سنوات ونصف السنة، مقابل 63 مليون يورو، وهي أغلى صفقة في تاريخ انتقالات اللاعبين للنادي اللندني.
تألق مميز وسلسلة من حالات عدم الانضباط مع أرسنال
لم يجد أوباميانغ صعوبات كبيرة للتأقلم مع أجواء الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، حيث كانت بدايته جيدة مع نادي أرسنال، بتسجيله 10 أهداف في 14 مباراة للنصف الثاني من موسم 2017-2018، وهو آخر موسم للمدرب الفرنسي آرسين فينغر على رأس الجهاز الفني للفريق اللندني، حيث خلفه الإسباني أوناي إيمري، قبل بداية موسم (2018-2019)، وذلك دون أن يتغير الأمر كثيراً بالنسبة للاعب الدولي الغابوني، إذ أكد الأخير فاعليته الهجومية المميزة، بإحرازه 31 هدفاً في كل المسابقات، منها 22 هدفاً في الدوري الممتاز، ما سمح له بنيل جائزة أفضل هداف للبريميرليغ، مناصفة مع نجمي نادي ليفربول المصري محمد صلاح والسنغالي ساديو ماني.
وارتفعت مكانة أوباميانغ في نادي أرسنال في موسم (2019-2020)، عندما منحه المدرب إيمري شارة القيادة بعد رحيل القائد السابق، الفرنسي لوران كوسيلني، ثم تشاجر القائد الذي خلفه، السويسري غرانيت شاكا، مع مجموعة من جماهير الفريق، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.
استمر أوباميانغ قائداً للفريق مع قدوم المدرب الجديد، الإسباني ميكل أرتيتا في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول، ثم أنهى الموسم برصيد 22 هدفاً في الدوري الممتاز، وبقيادته "الغانرز" للتتويج بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، بعد تسجيله هدفي الفوز في نهائي المسابقة أمام تشيلسي (2-1)، ثم لقب كأس السوبر الإنجليزي بالانتصار على ليفربول بركلات الترجيح، بعد إحرازه هدف فريقه خلال اللقاء المنتهي وقته الرسمي بالتعادل (1-1).
وبدأ أداء أوباميانغ مع أرسنال في التراجع في موسم 2020-2021، حيث اكتفى بتسجيل 10 أهداف فقط في 29 مباراة للدوري الإنجليزي الممتاز، و3 أهداف في 8 مباريات في مسابقة الدوري الأوروبي، ويعود هذا التراجع لأسباب فنية، ولأسباب صحية أيضاً، حيث عانى اللاعب من مرض الملاريا، بعد تعرضه للفيروس خلال مشاركة دولية مع منتخب بلده الغابون، في أواخر شهر مارس/آذار، ما أدخله المستشفى بلندن خلال شهر أبريل/نيسان 2021، كما يعود كذلك لأسباب انضباطية، حيث أبقاه المدرب أرتيتا على كرسي الاحتياط خلال الديربي اللندني أمام توتنهام، في مارس/آذار 2021، لتأخره عن موعد تجمع الفريق قبل الانطلاق نحو الملعب.
وتواصل التراجع في النصف الأول من الموسم الجاري (2021-2022)، وتعرض أوباميانغ لانتقادات عديدة، بسبب نقص فاعليته أمام المرمى، ولتواصل حالات عدم الانضباط، ما أدى بالنادي لنزع شارة القيادة منه في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، وذلك عندما عاد متأخراً من رحلة "مُرخصة" إلى فرنسا، لزيارة والدته المريضة، وكانت تلك هي النقطة التي أفاضت الكأس في علاقته المتوترة مع المدرب أرتيتا، ما عجّل برحيله عن النادي اللندني، حيث تم فسخ العقد بتراضي الطرفين، في آخر أيام الميركاتو الشتوي الماضي، أي في 31 يناير/كانون الثاني 2022، بهدف تسهيل انضمام اللاعب لنادي برشلونة الإسباني، الذي تعاقد معه حتى عام 2025، مع بند يسمح له بالرحيل يوم 30 يونيو/حزيران 2023، وبشرط جزائي بقيمة 100 مليون يورو.
والدة أوباميانغ تؤكد وعده لجده
ونصل الآن عزيزي القارئ إلى القضية التي ربما تكون قد لفتت انتباهك عند قراءتك لعنوان الموضوع، أي إمكانية خيانة أوباميانغ لنادي ريال مدريد الإسباني، بتعاقده مع الغريم التقليدي للملكي، ونعني به نادي برشلونة.
فخلال تقديمه لوسائل الإعلام كلاعب جديد لبرشلونة، يوم 3 فبراير /شباط 2022، سُئل أوباميانغ عن حقيقة تصريحات سابقة له يقول فيها إنّه يحلم باللعب لفريق ريال مدريد، وإنّه لمّا كان فتى صغيراً قد وعد جده لأُمه، المُتوفَّى في عام 2014، بأنه سيلعب يوماً ما للريال.
وقد رد النجم الغابوني على السؤال موضحاً: "عائلتي من منطقة أفيلا (يقصد عائلة والدته)، وجدي كان مناصراً لنادي أتلتيكو مدريد، ولذلك فإني قلت له إني سألعب يوماً ما لريال مدريد، وذلك للحديث معه عن فريقٍ آخر.. وما يهمني الآن أني أريد فقط اللعب للبرسا".
لا يمكننا تكذيب أوباميانغ ومعرفة نيته الحقيقية من وراء ذلك التصريح القديم، الذي يعود إلى فترة وجوده بنادي بوروسيا دورتموند، وبالضبط إلى شهر فبراير/شباط 2016، حيث قال حرفياً لمجلة "ليكيب ماغزين" الفرنسية، ونقلها موقع "سو فوت" الفرنسي يوم 20 فبراير/شباط من نفس العام: "لقد وعدت جدي في عام 2014، قبل أن يرحل عن الدنيا، والذي تعود أصوله إلى مدينة أفيلا على بعد 110 كلم عن مدريد، أني سألعب للريال يوماً ما، ستكون الأمور معقدة، لكن ذلك سيبقى في مكان ما برأسي".
وقد أكدت والدة أوباميانغ الإسبانية، "مارغريتا كريسبو" هذا "الوعد"، خلال تصريحها يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، لإذاعة "كادينا سير" الإسبانية، قائلة: "لقد وعد جده بأنّه سيلعب لريال مدريد، لقد كان يتحدث منذ أن كان صغيراً أنّه سيلعب لريال مدريد، ولم يتحدث أبداً عن البرسا".
قد يكون جواب أوباميانغ عن حقيقة حلمه باللعب لريال مدريد مجرد مناورة منه، وقد يحقق حلمه مستقبلاً بالانضمام للنادي الملكي، وبالتالي تحقيق وعده لجده، ولكن قد يكون حينها قد خان برشلونة أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.