المتّهم الأوّل! هكذا تُخرج التربية الخاطئة مثل “عروس الإسماعيلية”، وزوجها، والمتفرجين في الشارع

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/23 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/23 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
عروس الإسماعيلية وزوجها / الشبكات الاجتماعية

ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو لعروس بثوبها الأبيض تُضرب في وسط الشارع من قبل عريسها لاقت الحادثة تضامناً كبيراً واستنكاراً كثيراً ما لبث أن اختفى حين ظهر العروسان بفيديو تجلس في العروس بجانب زوجها وتضحك وتقول: "رقصنا سلو"، ثم ينقلب التضامن الإعلامي إلى نكات وذم للعروس بسؤال: "كيف قبلت أن تبقي معه بعد أن ضربكِ وفضحك؟"، لتصبح هي المذنبة بشكل كامل، مع تغييب العريس عن الحادثة وتحييده.

بعيداً عن الحادثة بعينها وتفاصيلها، لكن هي حقاً تروي وتكشف قضية ضرب المرأة وتعنيفها (جسدياً ولفظياً) في المجتمع العربي، الحادثة تدرس الأبعاد كلها من ناحية الزوج والمرأة والمجتمع ككل.

الزوج

في البداية، الزوج الذي ضرب زوجته في فيديو "عروس الإسماعيلية" هو يعكس حال الكثير من الرجال أن المرأة تابعة خالصة لزوجها، وبمجرد عقد القران عليها، فهي أصبحت من ممتلكاته الخاصة، تلك النظرة الذكورية التي مفادها أنها خادمة، فهي لم تصل إلى رتبة إنسان كامل له عقل وشخصية ومشاعر مثل الرجل، هي ليست إلا جسداً- الذي هو في عقلية الذكوري- خُلق لمتعته، وهي أيضاً مشاعر؛ حتى يقال عنها عاطفية بدون عقل ولا قرار ولا وعي.

العروس

ثانياً، العروس التي ضربت، هي حال الكثير من السيدات التي رسّخ في وعيها، أن ضربها عادي وطبيعي جداً، وأن البيوت تقام على الضرب، والاحترام والحب يتقاطعان مع الإهانة والضرب والفضيحة، ولا يعد ذلك تناقضاً! فهي بمستواها الفكري ووعيها والتربية التي نشأت أن زوجها لو كسر رقبتها، فهو أمر لا بأس به، وغالباً هذا النوع من السيدات يخرجن من بيوت تعنف فيها أمهاتهن، فالأم أرضعتها مع الحليب الطاعة المطلقة، وأشربتها ثقافة الامتهان والخدمة والتابعة.

حقاً أنظر إلى هؤلاء السيدات بالشفقة أكثر من اللوم، فهنّ ضحايا قبل أن يكنّ راضيات بالقدر، وفي خلايا عقولهن ما يحدث هو الطبيعي، وغير الطبيعي أن تردي يد زوجك التي قطعت لحمك وكسرت عظامك.

السيدة التي تَضرب

ثالثاً، تظهر في الفيديو الذي انتشر سيدة تساعد في ضرب "عروس الإسماعيلية" – ربما تكون أخت العريس أو أمه-، وهذه تمثل دور كثير من النساء الذكوريات، وهن أشد سوءاً من الرجال الذكوريين، لأنهن ببساطة يربين أولادهن الشباب على التنشئة الذكورية، واستخدام جمل مثل "أنت رجل لا يعيبك شيء"، "اضربها، كسّر عظامها إذا ما ردت عليك"، "كل البنات قاتلات حالهم عليك"، "طلقها وارميها بجبلك ست ستها"… إلى آخره.

يلخصن جملة "عدو المرأة المرأة نفسها"، ولو أنهن تذكرن للحظة أن لهن بنات سيحببن أن يزوجنهن لرجل كريم ومحب ويحترمهن، لفكرنّ بأنهن سيظلمن "بنات الناس" بتربية أولادهن هذه التربية الظالمة.

المتفرجون

رابعاً، كل الذين مروا في الشارع مرور الكرام، دون أن يقفوا أو يحاولوا التدخل ومساعدة العروس وأهلها لإنقاذها، هم يعكسون شريحة كبيرة من الناس التي تتبنى فكرة "واحد بسضرب زوجته ما دخلنا"، حتى لو أن جارتهم التي تسكن في الطابق المجاور كسرت عظامها على مسامعهم لن يحاولوا مساعدتها وسيقولون: "أمور زوجية.. إذا دخلنا رح ندخل بين المرة وزوجها"، وهؤلاء هم الذين يدعمون قضايا العنف من تحت حجاب، لعدم تدخلهم المعلن والصريح وترك الضحية في يد جلادها.

وللأسف حين تقتل وتموت سيقولون: "آه والله كان يضربها، وكنا نسمع صوتها، لكن لم نتوقع أن هذه المرة ستموت، بل توقعنا مثل المرات الماضية؛ الضرب فقط"، ولا تنسوا أن الشخص العنيف القادر على ضرب زوجته وقتلها هو قادر على قتل أي مواطن، لأنه يحمل في داخله العنف، فالجار الضارب لزوجته إن حدثت بينه وبين ابنك مشكلة فهو يستطيع ضربه وربما قتله، فالعنف الأسري هو نواة مجتمع عنيف، والذي يكون عنيفاً في بيته سيكون في الشارع والعمل هكذا.

وملاحظة مهمة؛ إن لم تستطع التدخل بقوتك، يمكنك طلب الشرطة، أو الاتصال على حماية الأسرة أو نقل ما يحدث لشخص قدره كبير وكلامه مستجاب لدى الناس في حيه.

المتضامنون لحظياً

خامساً، الأشخاص الذين تضامنوا مع الفتاة بالأول ثم بعد الفيديو قاموا بإطلاق النكات وسبها وقلب التضامن إلى هجوم، وتجريد المجرم من جرمه وإلقائه على الضحية، هؤلاء يطلق على ما يفعلونه "التضامن اللحظي" أو "التضامن دون مبدأ"، فالمتلوّنون في التضامن ذاتهم سينكرون فعل التي تترك أطفالها وتهرب من زوجها وسيقولون عنها "أم بلا قلب"، ونفسهم الذين سيقولون إذا ماتت "هي ما عرفت تهرب منه"، وهكذا، دون أن يفكروا أننا نتضامن مع الفكرة لا مع الشخص وظرفه.

فنحن نطالب بقانون يحكم المجتمع وبيوته بغض النظر عن ردة فعل الضحية، وأقصد حتى لو خرجت الفتاة بفيديو وهي تضحك، خطأ أن نقلب الطاولة عليها، فهي من السيدات التي بوعيهن أن ضربها حلال ويجوز، وكما قلنا إن هذه السيدة يشفق عليها، لأنها كانت ضحية وهي في الصغر لهذه الثقافة، ولم تعِ الحرية الحق يوماً لظروفها، وأقصد بالظروف، هي قلة التعليم والوعي والفقر وغيرها، والأهم من ذلك، لم يفكر هؤلاء الأشخاص أنها ربما لا تملك حلاً آخر إلا الرضا والاستمرار، ولربما الفيديو صوّر بعد تهديد بالموت والطرد مثلاً، فنحن لا نعلم من أهلها والذين غالبا سيكونون مثل عقلية العريس، عقلية ذكورية شنيعة.

وهذا الكلام لا أتوجه به إلى الضحية وأدعوها للسكوت والصبر، إنما أتوجه به إلى الذين غيروا موقفهم، لكي يفهموا المشهد كله، حتى يستطيعوا التضامن مرة أخرى والمطالبة بقانون رادع مهما كان تصرف الضحية بعد الحدث.

حقاً حال النساء المعنّفات يشبه المثل القائل: "مثل الذي يهرب من الدلف إلى المزراب"، فليست كل معنفة تملك رفاهية الهروب، فمنهن من يضعفن ويقلن: "لن أترك أطفالي لزوج سيضربهم"، ومنهن من ليس لهن عمل فيخفن من الجوع والتشرد والاستغلال، ومنهن من لهن أهل أسوأ من زوجهن، ومنهن في وعيهن الصغير يرين أن الصبر هو الحل.

ليس هناك حل إلا القانون والعقوبة التي ستجعل المجرم يفكر عشر مرات قبل ضرب أهل بيته، والعمل على تغيير العقليات الذكورية بالمدارس والجامعات والإعلام، فنحن تقع على عاتقنا المسؤولية.

أنتِ لست دابة، الضرب للدواب، وحتى الدواب أمرنا الله أن نكون رحيمين بها، دون أذى!

وأنت حين تتزوج فأنت تتزوج إنساناً له عقل وروح، أتى إليك ليكمل معك الحياة بالمشاركة والحب، فكيف تمد يدك بالضرب، بدلاً من أن تمد له كتفك للاتكاء!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نور أبو سلمى
كاتبة فلسطينية
كاتبة فلسطينية
تحميل المزيد