عند ذكر مصطلح "المرأة المعاصرة" سرعان ما يأخذنا خيالنا لتصور المرأة المتحررة التي تعيش حياتها بلا قيود، المستقلة التي لا تحتاج إلى رجل في حياتها، لا تحكمها العادات والتقاليد المجتمعية وكذلك الدين، يعتبرها الكثير من الأشخاص ضمن المجتمع أنها انقادت نحو "وهم التحرر" الذي يخلو من القيم المقدسة للمجتمع.
يتفادى الرجال في المجتمعات المحافظة المرأة المعاصرة ويحاولون بكل جهد طمس هذه الصورة، ويبدون نفوراً مجتمعياً منها، وذلك محاولة منهم -حسب اعتقادهم- في حماية الأسرة والمجتمع من التفكك ووقوع خلل به.
في الحقيقة كوني امرأة مسلمة لا أصنف نفسي ضمن فئة النساء المعاصرات في الزمن المعاصر أو ضمن فئة النساء التقليديات بنات الجيل القديم أو كما يسمى الآن "جيل الطيبين"، الذي يحن إليه الرجال. مع الوضع في الاعتبار ضرورة إعادة النظر في الأسس التي تم من خلالها اعتماد هكذا تبويب، ولكن هذا الموضوع رغم أهميته ليس ما أود مناقشته في هذا المقال بل ما أرغب في تسليط الضوء عليه هو الدلالات الفكرية والمعنى وراء صورة المرأة المعاصرة وكيف يمكن تغيير الصورة النمطية عنها لإحداث تغيرات إيجابية في المجتمع.
من هي المرأة المعاصرة؟
حسب وجهة نظري، فالمرأة المعاصرة هي كل امرأة تعيش في هذا الزمن المعاصر وتكيفت مع تغيراته المستمرة وتأقلمت معه بما يتناسب مع ثقافتها، ودينها، وعاداتها وتقاليدها، ومجتمعها، وكونت طرازها المعاصر الخاص.
وهي كذلك من استطاعت بوعيها، وفكرها وشخصيتها تحقيق توافق بين الأعراف القديمة التقليدية والجديدة المعاصرة ودمجها بطريقة مميزة تعبر عن كينونتها كامرأة. كذلك، استطاعت التعديل وربما التغيير أيضاً من واقعها وتطويره للأفضل وكذلك بذل الجهد للتغيير من ذاتها سواء نفسياً أو جسدياً والتغلب على تحديات وعقبات هذا الزمن المعاصر وخصوصاً تلك المجافية للثقافة والدين.
المرأة المعاصرة في المجتمع
هناك عدة دلالات وأنساق فكرية سائدة في المجتمع عن المرأة المعاصرة، ومنها:
● الربط بين المرأة المعاصرة وحقوق المرأة المشروعة الطبيعية، بحيث إن المرأة التي تحصل على فرص عديدة كالتعليم، والعمل، والصحة، والتعبير عن الرأي، والاستقلالية وغيرها تعد امرأة معاصرة أو على أقل أكثر قابلية لتعد ضمن هذه الفئة.
● دلالة فكرية عامة ومغلوطة ذكرتها في مقدمة المقال، حيث تنساق معظم آراء المجتمع ونظرته لمفهوم المرأة المعاصرة وراء صور التشويه والانحراف.
● التحضر الثقافي والاجتماعي دلالة ضمنية وفكرية للمرأة المعاصرة.
●تحرر المرأة من الأفكار النمطية وتوليد أخرى جديدة والقدرة على التفكير النقدي والتعبير عن قناعات وآراء في مجالات متنوعة وخصوصاً التي تقل فيها مشاركة المرأة كالسياسة، والعلوم، والتكنولوجيا، والفلسفة، والرياضيات، والهندسة وغيرها من أهم السمات التي تعد فاصلاً بينها وبين المرأة التقليدية، وكذلك التي لا يتقبلها المجتمع في كثير من الأحيان ويتخذ معنى آخر له كمحاولة من المرأة المعاصرة للهيمنة على مجال احتكره الرجال لفترة طويلة وكانت مساهمة المرأة فيه محدودة.
● عمل المرأة المعاصرة وامتهانها في بعض المهن التي يتوجب بها الاختلاط، وكذلك بها نوع من خطورة كالعمل في قيادة السيارات، والمطاعم، النوادي الرياضية وغيرها التي لا تتناسب مع المجتمع المتحفظ بطبعه، وذلك لتغيرات المعاصرة وكذلك تغير الأفكار النمطية واختلاف نمط الحياة المعاصر، رغم أهمية عنصر الأمان، إلا أن مشاركة المرأة في هذه الوظائف لا يعني بالتحديد افتقارها للأمان، وكأن هذا المعنى يشكل حاجزاً لقدرات يمكن للمرأة المشاركة فيها بما لا يختلف مع إمكاناتها حسب ظروف العمل.
المرأة المعاصرة تواجه تحديات أكثر في هذا الوقت الراهن؛ نظراً لكثرة المسؤوليات التي على عاتقها، وخصوصاً إذا كانت تسكن في وسط مجتمع ذي نطاق فكري ضيق ومقتنع بأنها بعيدة كلياً عن الواقع الذي يعيشه المجتمع أو نساء المجتمع؛ لذلك لابد أن كثيراً من النساء المعاصرات يشعرن بعدم الانتماء لمجتمعاتهن التي حصرتهن في دائرة مغلقة؛ لذلك امتلك البعض منهن الشجاعة للرحيل والانتقال لمكان أو مجتمع آخر يتناسب مع أسلوب حياتهن وفكرهن وأكثر فهماً وتقبلاً للآخر وربما أكثر استيعاباً وإدراكاً لمفهوم المرأة المعاصرة، وخلو هذا المصطلح ضمنه من الأحكام والمعايير التي تحددها المجتمعات الأخرى.
هناك بعض المجتمعات المتحفظة التي تقدر دور المرأة المعاصرة وتحتل فيه النساء صورة جليلة ويتم تقديرهن فيه بجدارة، ولكنها قليلة بالنسبة للأغلبية التي يسود فيها الكثير من المعاني والدلالات الفكرية المصاحبة لصورة المرأة المعاصرة والفكرة العامة القائمة حولها.
كيف يمكن تحويل الأفكار السلبية إلى إيجابية؟
تحويل الأفكار السلبية المتراكمة منذ زمن طويل عملية معقدة وصعبة، ولكن تدريجياَ بتوعية وتثقيف المجتمعات والقيام بمجموعات لتواصل اجتماعي بناء، وخوض محادثات فعالة لتمكين المرأة وإلقاء الضوء على المفاهيم المغلوطة أو التي تتخذ صورة وملامح فكرية ورموزاً لا تعبر عن الواقع ولا تمثلها، وخصوصاً تلك الرائجة في هذا الوقت المعاصر.
في الختام، لا يمكننا دحض صورة المرأة التقليدية في هذا الزمن المعاصر وما واجهته من عقبات، وكذلك ما تبذله من جهد وعطاء وتضحيات عديدة في سبيل الارتقاء بأسرتها ومجتمعها، وكذلك سعي الكثير لمقارنتها أو وصفها بعدم التحلي بمستوى يرقى للمرأة المعاصرة حسب المقاييس التي ربما تكون غير عادلة بحق هذه المرأة العظيمة التي لم تسمح لها الفرص والظروف بمواكبة هذا الوقت الراهن.
وكذلك رغبة العديد من النساء التقليديات رغم توفر الفرص في التمسك بالأفكار النمطية التي تقلص من دورها وإمكانياتها حفاظاً على الدلالة والصورة السائدة وعدم الخروج من النطاق المحدد من قبل المجتمع الذي لا يتقبل كل ما هو جديد ويتسابق أفراده في إصدار الأحكام عليها.
المرأة المعاصرة هي امرأة حرة قوية معنوياً ونفسياً، قررت تغيير ذاتها أولاً ثم التأثير بإيجابية على المجتمعات وتقديم الوعي، والإرشاد للنساء والعمل على تحسين صورة المرأة وكذلك نشر وزيادة التوعية بقضايا المرأة بهدف إيصال رسالة كل امرأة للعالم الذي ازداد اهتمامه مؤخراً نحو قضايا المرأة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.