مصطفى “شوبير” وأمير “مرتضى منصور”.. كيف تحوَّلت الكرة المصرية إلى “دولة أبناء العاملين”؟

عدد القراءات
2,917
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/21 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/22 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش
مصطفى "شوبير" وأمير "مرتضى منصور".. كيف تحوَّلت الكرة المصرية إلى "دولة أبناء العاملين"؟

"زي ما أنا كده بره ولي صلاحيات رئيس نادي أصلاً"
– أمير مرتضى منصور

تعرف بالطبع الاقتباس السابق من أي مكالمة. تسريب نجلي رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور الذي كان ملء السمع والبصر فور نزوله. تبع ذلك التسريب تحليلات عدّة من جماهير الكرة -وغيرها- في مصر بعد سماعهم لتلك المكالمة.

من وراء هذا التسريب؟ على الأرجح، أبانا الغامض في حزب "مستقبل وطن" كتحذير آخر لمرتضى منصور بعد إجباره على الجلوس في المنزل لمدة عام فقد فيه جلّ وزنه؟ نعم، يبدو التحليل منطقياً في ظل ضعف أحمد شوبير عن القيام بخطوة مثل تلك منفرداً، فطبول الحرب كانت أعنف مما هي عليه الآن بكثير بينهم، ولم يقوَ على الانتقام من مرتضى بخطوة كتلك.

سخر جمهور المنافس أيضاً من وصف ابني مرتضى لرموز نادي الزمالك في المكالمة، وترقبوا رد فعلهم الأول لمن تم سبهم؟

اشتباك بالأيدي بين مرتضى منصور وأحمد شوبير في الاتحاد المصري أبناء العاملين لكرة القدم
أحمد شوبير ومرتضى منصور

ذهب البعض لإبداء إعجابه بدهاء أمير مرتضى منصور المُزعم وصواب رؤيته، وغيرها من المبالغات التي اعتدنا عليها بعد حالة الاستقطاب العنيفة التي عانت منها الكرة المصرية في السنوات الأخيرة.

لكنّ أحداً لم يسأل: لماذا يشعر أحمد وأمير فيما بينهما من أحاديث خاصة بكل هذا الاستحقاق؟ أو بمعنى آخر: لماذا يتعاملان مع إدارة نادٍ بحجم الزمالك بشكل منفرد دون شراكة -ولو ظاهرية- كحق أصيل لهما؟ يتحدثان عن ذلك بقناعة تامة، دون أن يشعرا بأي شيء غريب.

مرحباً بكم في دولة أبناء العاملين!

كيف بدأت الأسطورة؟

"نشأت فكرة أبناء العاملين في مصر في بداية التسعينيات بالقرن الماضي، وتحديداً في كُبرى شركات قطاع البترول. فبسبب سخط الموظفين ومطالباتهم برفع الأجور، لجأت الشركات للوائح داخلية تعطي فيها تلك الميزة لموظفيها لتهدئتهم. ثم انتشرت تلك العادة إلى قطاعات الكهرباء والبترول والإسكان.. إلخ".

انتشرت قاعدة أبناء العاملين بالفعل لكافة القطاعات الحكومية المصرية، وصارت كالعُرف الذي لم يعد أحد يسأل عن مصدره. عُرف يفتقد لكافة معطيات العدل أو المنطق، لكنه موجود ومستشرٍ.

كانت مساحة الاستفادة من تلك الميزة كبيرة في حقبة مبارك، لكن بعد المتغيرات السياسية في مصر منذ عام 2011 وصولاً إلى الآن، تقلصت بشدة تلك المساحة في القطاعات الحكومية وصار النزاع عليها أشد حمية.

ستجد من يستفيد بها صامتاً؛ لأنه يعلم أنها غير منطقية. أما من لم يسعفه حظه للاستفادة بها، صار يستدعي كل الدلالات المنطقية لإثبات أن ما يحدث ظلم. مع أن الجميع يعلم من البداية أنها فكرة ظالمة!

حاول 60 نائباً مجلس النواب المصري في أبريل/نيسان من عام 2017 تقنين فكرة أبناء العاملين بشكل دستوري، من خلال تقديم مشروع قانون لممثل الحكومة المصرية في المجلس، لكن فكرة المشروع قوبلت بالرفض من الحكومة المصرية.

المفارقة الساخرة في الأمر، أن تعيين أبناء العاملين في مصر أشبه ما يكون بحركات التوريث المُصغرة التي بدعها الشعب المصري بمباركة من الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. عاقب الشعب المصري مبارك في ثورة يناير المجيدة على خطة توريثه الكُبرى، في الوقت الذي استمر فيه الجميع يحارب ضمنياً بعد عام 2011 لضمان مسار آمن لحركات توريثه الشخصية الصغرى!

التوريث في كرة القدم

كان لزاماً أن ينتقل صراع أبناء العاملين من مساحة المؤسسات الحكومية إلى مساحة كرة القدم. فقط لإدراك المشهد، ابحث عن أزمة هشام حنفي ومحمد عمارة مع خالد بيبو مدير قطاع الناشئين بالنادي الأهلي المصري.

هشام حنفي ومحمد عمارة مستاءان بسبب الاستغناء عن أبنائهما من قطاع الناشئين بالنادي الأهلي، في حين أن ابن خالد بيبو لا يزال مُقيداً. ابن عماد النحاس هو الآخر قد تم إعطاؤه فرصة ثانية بناءً على طلب شخصي من والده للكابتن خالد بيبو، فتساءلا لماذا لم يأخذ أبناؤنا فرصاً مماثلة؟

كل ذلك يحدث على مسمع ومرأى مصطفى "شوبير"، وأحمد "طارق سليمان"، وعمر "سيد معوض"، وفابيو "هاني رمزي"، ويوسف "هادي خشبة"، ويحيى "وائل رياض"، وآدم "أحمد أيوب"، وعيسى "علي ماهر"، ويوسف "سيد عبدالحفيظ".

هشام حنفي ومحمد عمارة في هذا المشهد هما موظفان في قطاع الحكومة المصرية في التسعينيات كانا يستفيدان من قانون أبناء العاملين، وفجأة ومع تقلص فرص العمل صارا يستدعيان كل الدلالات المنطقية لإثبات أن ما يحدث ظلم. مع أن الجميع يعلم من البداية أنها فكرة ظالمة!

"بعد رحيل ابنه من قطاع الناشئين".. هشام حنفي يهاجم خالد بيبو: اسمه خالد علي ومفيش غير بيبو واحد بس

أما بقية قدامى اللاعبين فسيلتزمون الصمت في تلك المعركة بكل تأكيد، فهم موظفو الحكومة المستفيدون من القانون بالرغم من تأكدهم أنه غير منطقي.

أبناء العاملين في الملعب

لكنْ ثمة شيء هام يجب الالتفات إليه في قضية أبناء العاملين بكرة القدم، ألا وهو أن أبناء العاملين في الملعب يختلفون بشكل كبير عن أبناء العاملين في مجال الإدارة.

في الملعب، أنت مستواك عُرضة لتقييم الجميع بشكل يومي، الضغوط أكبر؛ ولذلك يكون المقابل أكبر سواء كان مالاً أو شهرة. لذا يكون من غير المفهوم تماماً أن يبدي اللاعب -ابن أحد العاملين- تذمره من ضغوط الجماهير الزائدة وتلميحهم من آن لآخر أنه وصل لمكانه بسبب والده.

السبب ببساطة أنه إذا كنت ترفض تقبُّل تلك الضغوط لإثبات قدراتك المزعومة، كضريبة للوصول للمال والشهرة عبر طريق أسهل من جميع أقرانك، فما الضريبة التي تريد أن تدفعها؟ لا شيء؟ للأسف هذا يعارض فكرة وجود الإنسان في الحياة من الأساس.

لذا فإن قانون أبناء العاملين في أرض الملعب ظالم بشكل واضح، لكنه في مجال الإدارة أكثر ظلماً. فلماذا؟

أبناء العاملين في الإدارة

الأكثر ظلماً في مسار أبناء العاملين في مجال الإدارة أن ضعف مستوى الابن يكون مخفياً وصعب الظهور للجميع. بل إنه بأقل مجهود يستطيع أن يقنع الناس أنه ينجز ما لا يمكن لآخر إنجازه، فيحظى بتأييد جماهير ناديه المُستقطبة بشكل غير مسبوق وتمجيد لشخصه.. شخصه فقط.

مرتضى منصور أمير مرتضى منصور أحمد مرتضى منصور
مرتضى منصور ونجليه أمير (يميناً) وأحمد (يساراً)

لنضرب مثالاً بأمير مرتضى منصور. هل رأيت أغلب تعليقات الناس بعد تسريب مكالمة بينه وبينه أخيه الأكبر؟ أغلب تلك التعليقات كان يميل لوصف أمير بـ"الداهية"، من رأى ما لم يستطع غيره رؤيته، من يصلح لقيادة نادٍ بحجم الزمالك بكل تأكيد.

لم يفصح أمير عن شيء عبقري على الإطلاق في المكالمة، هو فقط تحلّى بالحد الأدنى من القدرة على التحليل والتخطيط لمشهد شديد الوضوح. لكن افتقار المشهد الكروي في مصر لشخصيات لديها هذا الحد الأدنى من الفهم، جعل الجماهير تنشغل بتقييم قدرات أمير، وتتناسى السؤال الأهم: كيف وصل أمير لهذه السلطة من الأساس؟

ولكي نكون منصفين فإن وصول أمير مرتضى منصور كشخص لهذا المنصب من عدمه لن يغير الكثير في المشهد، تماماً كوصول عائلة مراد فهمي -الجد والأب والابن- لمنصب سكرتير الكاف والحفاظ عليه لمدة تجاوزت الخمسين عاماً. كلها تفاصيل صغيرة في مشهد ضخم من وصول أبناء العاملين وشعورهم الغريب بالاستحقاق دون أي غضاضة.

لكن المُحزن في الأمر كله هو رمزية هذا الوصول. رمزية وصول أبناء العاملين بشكل غير مستحق لمنصب كبير، وتهليل الجمهور لهم بسبب استقطاب كروي هشّ، متناسين أن هذا الوصول هو سلب لحقوقهم بالأساس. سلب لحقك في الحفاظ على حظوظك أنت أيضاً في الوصول. أنت وأبناؤك وأحفادك. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد ماهر
كاتب رياضي
مهندس مصري، وكاتب رياضي مهتم بكرة القدم المحلية والعالمية وعلاقتها بالشعوب.
تحميل المزيد