في عالم يسوده الخوف وتغيب عنه الطمأنينة ويهيمن عليه الإرهاب وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، أصبح لمفهوم الإرهاب مكانة بارزة في لغة الساسة وقاموس العلاقات الدولية. فهذه المنطقة المنكوبة من العالم تكالبت عليها الأمم سابقاً فى عصور الاستعمار المباشر، ثم تخلت هذه الإمبراطوريات الكولونيالية عن الطرق الاستعمارية القديمة ببديل الديكتاتورية العسكرية الغاشمة التي تتغذى على أجساد شعوبنا المقهورة الباحثة عن الحرية بين الحين والاَخر.
منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول ومصطلح الإرهاب حاضر على مختلف الطاولات الدولية لبحث سبل مواجهته والقضاء عليه. وفي أثناء بحثنا عن مفهوم متوافق عليه للإرهاب وجدنا أنه مفهوم متشعب ولا يوجد تعريف موّحد متوافق عليه دولياً لتوضيح ما هو الإرهاب بما فى ذلك "إرهاب الدولة".
وقد أشارت الموسوعة البريطانية للإرهاب إلى أنه "الاستخدام المُتعمد للعنف لخلق مناخ عام من الخوف بين السكان لتحقيق هدف سياسي معين"، ثم توضح الموسوعة أن الإرهاب "يُمارس من قبل المنظمات السياسية ذات الأهداف اليمينية واليسارية، ومن قبل المجموعات القومية والدينية، ومن قبل الثوار، وحتى من قبل مؤسسات الدولة مثل الجيوش وأجهزة المخابرات والشرطة".
إن الإرهاب ليس ظاهرة حديثة فجذوره ضاربة في التاريخ الإنساني ولكن لعصر المعرفة والتكنولوجية وسرعة تداول المعلومات أبلغ الأثر في انتشار هذا المفهوم بين الأمم المختلفة. ولقد ارتأيت في هذه المقالة تسليط الضوء على مفهوم إرهاب الدولة وإفراد مساحة له مع إسقاطه على النظام المصري.
فتسليط الضوء دائماً وأبداً كان على إرهاب الجماعات وهناك مئات الأبحاث والمقالات المختلفة في التأصيل لمفهوم إرهاب الجماعات، في حين يتم اعتبار إرهاب الدولة كمفهوم هامشي للإرهاب، حتى وإن كان إرهاب الدولة أشد أنواع الإرهاب فتكاً بالإنسانية. ويرجع ذلك كما يبدو لي أن عدم وجود تعريف شامل لإرهاب الدولة نتيجة خشية الدول في إدراج تصرفاتها تجاه مواطنيها أو تجاه الدول الأخرى في مفهوم إرهاب الدولة.
هناك العديد من الأمثلة على إرهاب الدولة على الصعيد الأممي والتي أسفرت عن سقوط ملايين من الضحايا وانتشار عصر الخوف نتيجة لصعود أنظمة استبدادية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر:
ألمانيا النازية بقيادة هتلر وما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية تجاه أطياف الشعب الألماني والشعوب الأخرى المحيطة فكانت حروب حصدت الملايين من بني البشر.
جرائم إيطاليا الفاشية بقيادة موسوليني.
الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين وعصر الخوف واغتيال وتصفية المعارضين.
الولايات المتحدة الأمريكية وحروبها التي كبدت الإنسانية مئات الآلاف من الضحايا في أفغانستان والعراق.
ولا ننسى الجمهورية الفرنسية العريقة التي أمدتنا بمبادئ حقوق الإنسان في حين تُمارس جرائمها في حق الشعب الجزائري والدول الإفريقية لانتهاك ثرواتها، فكانت دماء ملايين من أبناء هذه الدول في سبيل رخاء المستعمر الفرنسي.
كما نشأة الكيان الصهيوني على إبادة الشعب الفلسطيني وسياسة الفصل العنصري والجرائم التي يعجز عنها العالم حتى الاَن فى إنهائها وهو الخزي الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني.
عائلة الأسد في سوريا وما ارتكبته من جرائم ضد الشعب السوري، مما أسفر عن مئات الآلاف من الضحايا والتغيرات الديموغرافية في سبيل تدعيم أركان حكم أسرة!
هل استمر في ذكر أمثلة الدول القائم حكمها على إرهاب شعوبها من أجل تحقيق أحلام الطغاة والمستبدين؟
نعم ولكن يجب توضيح أن مفهوم إرهاب الدولة ليس مقتصراً على الدول الاستبدادية فقط، ولكن يمكن القول إن بعض الديمقراطيات الغربية تُمارس إرهاب الدولة تجاه شعوب الدول الأخرى كما ذُكر في الأمثلة المشار إليها.
ومن الأنظمة الاستبدادية التي تُمارس إرهاب الدولة، نظام الثالث من يوليو/تموز بقيادة عبد الفتاح السيسي. فمع انقلاب الثالث من يوليو/تموز لعام 2013 وميلاد النظام المصري بقيادة الجنرال، تتم ممارسة مختلف أشكال إرهاب الدولة وذلك لتدعيم أركان حكمه. فلم يأخذ الديكتاتور وقتاً حتى انتشر الخوف بين مواطني الدولة المصرية.
وقد مُورست أشكال مختلفة من إرهاب الدولة من قبل النظام المصري، على سبيل المثال:
1. اعتقال الآلاف من المعارضين وسياسة الإخفاء القسري.
2. القتل خارج إطار القانون وأحكام الإعدام الجماعية والتعذيب داخل مقار الاحتجاز سواء بداخل السجون وأماكن الاحتجاز.
3. الفصل من الوظائف والفصل من الجامعات.
امتلك السيسي زمام السيطرة على القضاء بهيئاته القضائية المختلفة وعلى البرلمان بغرفتيه التشريعية. فهل يمكن القول بأن الجنرال العسكري الذي يسيطر على الرئاسة والقوات المسلحة والداخلية والمخابرات والإعلام والصحافة والقضاء والبرلمان، يقوم بإرساء مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان؟!
بالطبع لا، فالنظام المصري يرتكب جرائم اقتصادية وسياسية تجاه الشعب المصري في سبيل تعزيز سلطته وقدرته على إخضاع جميع المصريين والسيطرة الكاملة على جل الثروات وتغيير البنية الاجتماعية وتوسيع الفجوة بين الطبقات.
يا لهول هذه الجرائم المرتكبة في حق المصريين والتي يصير لها الولدان شيباً. يجب أن أكتب وأسرد حتى "لا أكون وحيداً" كما أطلق زميلي المدون أيمن عبد المعطي هذا الاسم الملهم لمدونته، وهو الآن معتقل في دوامة التدوير والحبس الاحتياطي في السجون المصرية.
سأكتب كي لا أكون وحيداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.