لا يتقن الفرنسية ويعيش في منزل بلا سقف.. لماذا يسخر الإعلام التونسي من الشاب أشرف الماي؟

عدد القراءات
743
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/20 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/20 الساعة 10:04 بتوقيت غرينتش
الشاب التونسي أشرف الماي / الشبكات الاجتماعية

مؤخراً توطدت علاقتي أكثر بالإعلام التونسي، فأصبحتُ مطلعاً على أهم ما يطرحه من برامج، سواء كانت إذاعية أو حتى تلفزيونية، ومنذ أسابيع استوقفتني مقاطع كوميدية لشاب اسمه "أشرف الماي"، رغم أن لدي ملاحظات ليست بالهينة على بعض المواضيع التي يقدمها، وحتى زاوية المعالجة وحاجتها الماسة للتوجيه والتقويم دون أن "تغطي" نسب المشاهدة العالية على ذلك، وهي الهاجس الرئيسي والشغل الشاغل للبرنامج والقناة التي يطل منها.

وبحكم عملي فمنذ "الستاند أب" الأول لهذا الشاب حاولت البحث عنه أكثر، وانتبهت للعديد من المحطات "الدرامية" بحياته، رغم صغر سنه، على غرار اعتقاله بتهمة "بث البلبلة وتشويه سمعة الجيش والبلاد"، بعد مقطع فيديو ساخر له تحت عنوان "تونس نزعوها دلاع"، وكان ذلك بعد أن بدأ يشق طريق النجاح من خلال برنامج "عبدلي شو تايم" على قناة التاسعة، والذي يقدمه الفنان لطفي العبدلي؛ لكن الجميع تخلى عنه بعد مرحلة السجن، كما تحدث هو في سلسلة مقاطع منتشرة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتكون الانطلاقة الجديدة لأشرف من خلال برنامج "جو دي تو"، من تقديم الإعلامي أمين قارة، على قناة "الحوار التونسي"، وهنا تحديداً سمحت لي الفرصة بالتعرف أكثر على هذا الشاب الموهوب، وقصة حياته المليئة بالدروس والعبر.

وذلك ما سعى مقدم البرنامج "لاستثماره" خلال حلقة هذا الاسبوع؛ إذ مباشرة بعد انتهاء "الستاند أب" طلب من أشرف الانضمام لطاولة الحوار برفقة الضيوف الآخرين، وقصد الحديث عن محطات في حياته، على غرار عرض صورة والدته الراحلة، التي توفيت وهو في سن صغيرة جداً، بالإضافة إلى كشف "سر" يهم حرصه على إعادة تقديم أعماله عند قبر والدته، وأيضاً زواج والده وعيشه في إصلاحية للأطفال لسنوات لا بأس بها.

لا أحد ينفي أن هذه تفاصيل مهمة، وتُسهم في تقريب الشاب من المشاهد؛ لكن المستفز في الطريقة التي تعاطى بها الحاضرون ممن يشكلون ركناً رئيسياً في تنشيط البرنامج مع الموضوع، وكأن الشاب القادم من قاع المجتمع "مخلوق غريب عجيب"، وسقط بمحض الصدفة وسط الاستوديو؛ ولعل "الفصل" الأكثر بشاعة تجلى في "إخضاع" الشاب لدروس في اللغة الفرنسية، وسط سخرية لاذعة منهم.

وهنا نتساءل: ما العيب في عدم إتقان الشاب للفرنسية بما يكفي؟ وهل باتت لغة موليير بمثابة "الجواز" الذي يسمح للمواطن التونسي كي يتحدث لأبناء جلدته؟ وهل كل فئات الشعب تتقنها بطلاقة أساساً، أم أن ما يهم تلك القنوات هي طبقة معينة بذاتها، والباقون لا مكان لهم في حساباتها إطلاقاً؟

والمثير للحنق أن مقدم البرنامج والجوقة المحيطة به والسواد الأعظم منهم بالمناسبة قادمون من مجالات لا تمت للإعلام بصلة، لكنهم ينظرون ويقدمون الدروس للتونسيين ليل نهار، ومن حقهم أن يحاضروا في شتى المجالات والقضايا التي تهم المجتمع والمواطن، وزادهم الوحيد أرقامهم، عبر حساباتهم على السوشيال ميديا، وأيضاً قدرات البعض "الخارقة " في جلب الإعلانات، والنتيجة خريجو معاهد الإعلام والجامعات ينتظرون الفرص المواتية للهجرة، أو يبحثون عن مورد رزق في ميادين أخرى، لأن الاستوديوهات تحتضن من يسمون "بنجوم مواقع التواصل الاجتماعي".

إنها حقاً مفارقة صادمة، وهي تنطبق على أغلب بلادنا العربية، لكن بالعودة لموضوعنا الرئيسي، فما شاهدناه في فقرة استضافة الشاب أشرف الماي يجعلنا نطرح سؤالاً عريضاً حقاً: ألا يوجد "للزوالي"، (الإنسان الكادح) مكان في الإعلام التونسي، بعيداً عن السخرية ونظرات الريبة.

ختاماً أتمنى لهذا الشاب أن يشق طريقه بعزيمة من فولاذ، فإنه قد قصد إسعاد أبناء "حومته" أي حارته كما ظل يردد، وأيضاً لاستكمال حلم والدته الراحلة، بتشييد سقف منزل الأسرة، ولا يكترث لأشباه الإعلاميين الذين سيضطر للقاء بهم كل أسبوع، والرد الكفيل بإسكاتهم يتجلى في العمل الجاد، وصقل موهبته، والتركيز على تطوير مستواه، ليكون صوت البسطاء في وطنه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل العوفي
كاتب وصحفي مغربي
درستُ الإعلام والصحافة، وعملتُ بالعديد من المنابر العربية مثل: القدس العربي ورأي اليوم اللندنيتين، وصحيفة المسار بسلطنة عمان، وغيرها، بالإضافة إلى كتابة مقالات رأي في منابر أخرى. عملت مُعدّاً، ومقدم برامج تلفزيونية، وكاتب سيناريو، وآخر أعمالي في هذا المجال مسلسل "عائلة بوخالد" في قطر
تحميل المزيد