ما قبل عروس الإسماعيلية
إلى كل رجل لديه ابنة:
في كل مرة تخبر ابنتك بأنك تقسو عليها أو تُعنِّفها بدافع الحب، فأنت في الحقيقة تربيها على عدم التفريق بين الطيبة والغضب. قد يفيدك ذلك وهي صغيرة، لكنها عندما تكبر سوف تثق بالرجال الذين سيؤذونها ويؤلمونها، لأنهم حينها سيبدون لها شديدي الشبه بك.
– روبي كور، شاعرة كندية.
في بيت ما، في مدينة ما، لن يفيدنا ذكر اسمها بشيء. جلست الأم على حافة السرير، حين دخل الأب ذو العينين الحمراوين والشعر الأشعث ممسكاً بسكينة حادة، ستضحك الأم حين يقتحم الأب الغرفة، ستقول حين يقترب منها ويغرز السكينة في طرف العباءة البيتية الصيفية التي ترتديها: "تظاهَر بأنك تمزح.. لن ينسوا هذا لك كل حياتهم"، ستقولها بصوت خفيض. بحيث لن تسمعه الفتاة التي تجلس على السرير المجاور، لكن ستسمعه التي -لسوء الحظ- كانت تقف قرب الباب حين اقتحم الأب الغرفة.
سيتواطأ الأب مع الأم في المسرحية الهزلية المرتجلة. وسيخرج من الغرفة بعد وصلة ضحك مفتعلة. وسينسى الجميع إلا الطفلة، التي ستتذكر بوضوحٍ هذا المشهد بعد سنوات، سيصادف أنها ستكبر لتصبح كاتبة، وأنها ستكتب رواية، وفي الرواية ستكتب هذا المشهد، مُلحقةً إياه بذكرى أخرى عن توسلات ودعوات أمها في كل مرة في أثناء طريق الذهاب للسوق بألا يعيدها الله إلى هذا البيت مرة أخرى.
وسيستجيب الله لهذه التوسلات فعلاً، وبعد عدد من السنوات ستُطلَّق الأم، لكن ستكبر البنت، وسترسلها الأم للاعتناء بأبيها الذي طُلقت منه، وسيكون على الفتاة أن تعيش في رعب مدمر في كل زيارة للأب؛ خوفاً من أن يمسك السكين ويقرر أن يرتجل معها هذه المسرحية الهزلية، ليس لشيء، إلا لأنها لا تحسن التمثيل. حين تكتب الفتاة القصة ستُترجَم إلى الإنجليزية، وستفوز عنها بجائزة ما، سيلتفُّ النقاد هو السردية المشهدية المدهشة في الحكاية، لكن لن يصدق أو يفكر أحدهم كيف استطاعت وصف الواقعة بدقة.
في فيلم قصير من إنتاج الإمارات العربية المتحدة يدعى "الوحش"، يصور المخرج عبد الرحمن المدني قصة فتاة تتزوج ابن عمها الذي تظهر عليه علامات السادية في أثناء خطبتهما، في ردود فعل محددة، مثل محاولة دفعها عن السلم على سبيل المزاح، وكذلك قرصها من ذراعها لمدة طويلة حتى البكاء وتوسل التوقف، لأنها بادرت بقرصة خفيفة وبشيء من التدلل، وتدور بينهما حوارات عن الألم وأن المُحب لا يتسبب في إيلام من يحب.
سيكون لديهم طفل صغير يربي مجموعة من الأرانب لكنه يمارس عليها بشيء من اللاوعي الحركات السادية نفسها التي يمارسها الأب على زوجته الشابة. في تصريح صريح عما يُحدثه العنف من خلل في التربية، وعن الحلقة المستديرة المستمرة من جيل لجيل حول مفردات الرجولة وتفسيراتها، الحلقة التي لا سبيل لقطعها إلا بكلمة ليست واضحة ورفض قاطع للاستمرار. ما الذي يمكن أن ينتظره العالم بعد تبدُّل معاني الأمان ومصادرها الأساسية إلى معاني الجحيم؟
منذ أن اكتسبت استغاثات النساء شيئاً من القوة، وتكاتفن وجمعن الموافقات على أن يطالبن بحقوقهن في العيش بشيء من الآدمية، وهن يُتَّهمن كل يوم بالجنون والهلاوس، أحاول تخيُّل المرأة الأولى التي طالبت زوجها بالطلاق في مدينة مصرية ما لأنه ضربها، وكيف أصابه الفزع وتخيَّل أنها أصيبت بمسٍّ من جنٍّ ما، إذ كيف تخرج عن طوعه وتقرر أنها لا تريد أن تُضرب؟ هل كفرت المرأة؟ تريد الخروج عن الإسلام وعن القوامة حسب مفهومه الضيق؟
منذ أن بدأت مناضَلات النساء ضد العنف والاضطهاد الذكوري وهناك دائماً ثلاثة ميكانيزمات دفاعية ضد أصواتهن من الذكور كما رصدت واحدة من القارئات الناشطات بحقوق المرأة:
1- السخرية الدائمة والنعت بالهلاوس والتأثير الهرموني على الأفعال والاستشهاد بحديث أن النساء ناقصات عقل ودين وخطاب الدين.
2- النعت بالقبح والعنوسة.
3-الدعاء بالشفاء والهداية وخطاب الاستعلائية.
عروس الإسماعيلية
ماذا يحدث حين تصدّق النساء كلام الرجال؟
حين تُصدِّق النسوة الخطاب الذي يقررون فيه جلالة وقدسية ما يحرِّمونه من خروج عن الطَّوْع وما يحرِّفونه من أقاويل، تكون النتائج هو هذا الفيديو المنتشر على وسائط التواصل الاجتماعي لفتاة يتم سحلها وضربها في الشارع بفستان الزفاف.
وتكون النتيجة كذلك عودة الفتاة، عروس الإسماعيلية، للبيت مع عريسها، ورفضها تقديم بلاغ في القسم واللجوء إلى القانون الذي يكفل لها هذا الحق، خاصة مع توافر الدليل الذي صوَّرته الأستاذة أميرة عبد الحكيم الصحفية.
وكذلك، لا بد أن تكون النتيجة أيضاً لوم العروس على العودة مع زوجها، واتهام الآخرين لها على السوشيال ميديا بأنها معدومة الكرامة، لأنها لم تقف لأخذ حقها. "عروس الإسماعيلية" التي يقال بعد ذلك من الحقائق إنها يتيمة وإن زوجها هو ابن عمها، فيمكننا من خلال ذلك أن نجمع الأسباب التي تدعوها إلى الموافقة على العودة معه، وحتى بدون أن نعرف الأسباب الأصلية، يمكننا تخيل ذلك، لماذا قد يضرب عريسٌ زوجَه قبل أن تُزَفَّ إليه بأقل من ساعة؟ طبعاً فعلتْ شيئاً يستحق ذلك، من المؤكد أنها ناشز.. أو أنها عاهرة وباعت شرفها.
لكن السبب الحقيقي الذي عُرض بوضوح مع فيديوهات موثقة على السوشيال ميديا، أن عروس الإسماعيلية اعترضت فقط على طريقة تحدُّث أخت زوجها معها وصراخها عليها كي تنجز عملية التزين للعرس بسرعة، ليهجم الزوج على محل الكوافيرة ويسحلها بطرحة فرحها عقاباً لذلك.
لماذا لا يريد الناس.. وترفض النساء؟!
لماذا ترفض النساء المقهورات الصمود ومواجهة العنف؟ في الحقيقة لا ترفض النساء ذلك، ومن يرمي باللوم على عدم مواجهة النساء العنف الواقع عليهن بدلاً من تعنيف الجاني أو بدلاً من محاولة سن قوانين رادعة تجرّم العنف أياً كانت أسبابه وأوقاته، فهو لا بد مختل أو جاهل.
لأن الرفض والصمود رفاهية لا تملكها كل النساء، الرفض والمقاومة والأمل مفردات متوافرة فقط لمن يستطيع شراءها، ولهؤلاء الذين لديهم من يستندون عليه خلال رحلة المطالبة بالحق، أما الأخريات اللاتي تربين على القبول بالظلم كعوض مناسب عن الفضيحة وكلام الناس، هؤلاء اللاتي تربين على مقولة إنَّ ظل الرجل حتى وإن كان يُهينك يسترك عن ظل الحائط، لا يملكون سوى ادعاء القبول، وتصوير الفيديوهات بعد ساعات من الاعتداء عليهن وهن في أحضان الجناة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.