أردوغان في أبوظبي.. لماذا قررت تركيا والإمارات التحالف الآن؟

عدد القراءات
542
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/18 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/18 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أبو ظبي - وكالة الأناضول

قبل عدة أعوام وتحديداً منذ الأزمة الخليجية الأخيرة كانت زيارة أردوغان للإمارات من الأمور المستبعدة تماماً بالنسبة للأتراك والإماراتيين على السواء، فتركيا انحازت كلياً لقطر أثناء هذه الأزمة وعقدت معها تحالفات استراتيجية متينة وأوضحت موقفها وانحيازاتها بقوة منذ اللحظات الأولى.

واتسعت خريطة الدعم التركي لقطر والدعم القطري لتركيا أثناء هذه الأزمة المفتعلة بشكل كبير عبر عشرات الاتفاقات والبروتوكولات التعاونية، فالطرف التركي عزز تواجده في الخليج بشكل لم يكن يطمح له منذ نهاية الدولة العثمانية كنتيجة مباشرة للتهديدات السعودية الإماراتية باجتياح قطر، التي أثبتت للعالم قدرتها على إدارة الأزمة بأقل خسائر ممكنة وتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي وصولاً لإجبار الأطراف الأخرى على الاعتراف بخطأ مواقفهم ومراجعتها وصحة موقفها وحلفائها.

التقارب التركي – الإماراتي.. ما الموقف الإيراني؟

أثناء الأزمة الخليجية استفادت تركيا وإيران بشكل كبير بحيث عوضت الدولتان كل نقص متوقع في السوق القطرية بشكل كبير، كما قامتا بتنسيق واسع لفتح طريق للتوصيل البري للسلع من تركيا إلى قطر، كما استفادت إيران بشكل خاص بفتح أجوائها أمام الطائرات القطرية بديلاً عن الأجواء الخليجية المعادية التي أغلقت في وجهها، وإن كان هذا مقابل رسوم محدودة، إلا أن المكسب الحقيقي هو تقديم إيران نفسها كبديل ناجع عن السعودية والإمارات والبحرين، وهو بديل أثبت نجاعته وقدرته على تعويض أي خلل في العلاقات القطرية- الخليجية في وقت حساس.

لكن التقارب الجديد بين الإمارات وتركيا جاء بُعيد أيام من التهديدات الحوثية الحقيقية للإمارات باستهداف الداخل الإماراتي وتنفيذ هذه التهديدات باستهداف صهاريج نفط بالقرب من مطار دبي، وتحذير المتحدث العسكري للحوثيين الشركات الأجنبية في الإمارات، ونصحه لها بالمغادرة، لأنها أصبحت دولة غير آمنة، وتصريحه بأنهم استهدفوا مواقع حساسة في الإمارات، بينها قاعدة الظفرة الجوية، وهو ما أدى وفقاً للتقارير لقلق أممي كبير، وربما كانت تركيا على استعداد لالتقاط طرف الخيط سواء بعرض التضامن مع الإمارات ودعمها في مواجهة التهديدات ومحاولة إثبات قدرتها على التصدي لمثل هذه التهديدات.

صواريخ الحوثيين تثير قلقاً لدى سكان أبوظبي

هذا التقارب فسره البعض بأنه موجه ضد إيران والميليشيات التابعة لها في المنطقة، والتي أصبحت على درجة عالية من التسليح بالمسيّرات والصواريخ سواء القادمة من إيران أو محلية الصنع، بفضل خبرة الحرب الطويلة والممتدة منذ سنوات بينهم وبين التحالف العربي في اليمن.

لكن هذا التفسير يقفز على حقيقة أن الدول الثلاث (الإمارات وتركيا وإيران) وفقاً لتحليلات أخرى كانت منذ شهور قليلة على وفاق تام بشأن طريق تجاري يربط الإمارات بتركيا عبر إيران، افتتحت طهران في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الطريق التجاري الجديد إلى تركيا، الذي يمكن للإمارات استخدامه لاختصار زمن الرحلة الحالية ومسارها الذي يبدأ من ميناء الشارقة الإماراتي إلى مضيق باب المندب مروراً بقناة السويس ثم ينتهي في مرسين التركية، وهو الطريق الذي فُسر حينها باعتباره تعبيراً جديداً عن عدم الوفاق بين القاهرة وأبوظبي، فيما ترى تحليلات أخرى أنه موجه ضد مشروع إقليمي آخر للربط السككي بين العراق وتركيا وإيران، لكن مؤخراً تتواتر تصريحات تشير إلى أن الإمارات قد تعدل عن الربط مع تركيا عبر إيران وتتخذ بدلاً من ذلك خطوات باتجاه ربط سككي وبري مع تركيا عبر العراق اختصاراً للوقت الذي يتخذه مسار الربط عبر إيران، وهو الأمر الذي أثارت تصريحات وزير الخارجية حوله البلبلة حتى إن إيران اضطرت للتصريح بأنه ربما هناك خطأ في ترجمة تصريحات مولود جاويش أوغلو حول هذه الخطط.

بالتأكيد فإن العلاقات التركية- الإيرانية ليست على ما يرام، وأي منهما ترى توسعات الطرف الآخر في المنطقة خصماً من نفوذها، لكنْ الدولتان تجيدان بشكل كبير فصل السياسي عن الاقتصادي في إدارة علاقاتهما الإقليمية، فكلتاهما لديها نفوذ كبير في الخليج وكلتاهما لديها تخطيط جيد لأدوار مستقبلية في إطار الخطط الصينية المتعلقة بطريق الحرير، والناظر إلى تلك الطفرة في مجال الطرق البرية والحديدية في الخليج وإيران وتركيا يلحظ بسهولة التقاط طرف خيط مشروع الحزام والطريق الصيني في ثنايا العديد من هذه المشروعات.

كما أنه وطوال سنوات المناوشات السياسية بين الإمارات وتركيا منذ الأزمة الخليجية في ٢٠١٧ حافظت تركيا على علاقات اقتصادية متميزة مع الإمارات، بحيث إن التقارير تشير إلى أنه خلال العقدين الماضيين نمت التجارة وازدادت الاستثمارات بين البلدين بشكل لافت، فبينما يبلغ متوسط حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين قرابة 8 مليارات دولار أمريكي، حلت الإمارات بالمرتبة الأولى خليجياً وعربياً من حيث قيمة وتنوع الاستثمارات المباشرة في تركيا، لكن في العام ٢٠١٧ كان هناك رقم قياسي لهذا التبادل التجاري بلغ قرابة ١٤.٨ مليار دولار أمريكي. ووفق هذه الأرقام، فإن الإمارات تحل في المرتبة الـ١٢ كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والثانية عربياً بعد العراق، وفي المرتبة التاسعة كأكبر مصدّر للسوق التركية عالمياً والأولى عربياً.

لكن البعد السياسي في هذه التحركات يشير إلى أن الإمارات والسعودية باتتا تدركان أكثر من أي وقت مضى أن معضلات المنطقة في سوريا أو اليمن باتت أكبر من أن تحل عبر الأدوار الإقليمية الصغرى أو عبر الحلول التي طرحها التحالف العربي، والذي قارب على إتمام عامه السابع في الحرب دون قدرة حقيقية على حل المعضلة اليمنية، بل وامتدت آثارها داخل أراضيهما ومست سمعتهما الدولية ونفوذهما في المنطقة والعالم، وفي هذا الإطار قد تصبح عملية تحسين العلاقات مع الإمارات مدخلاً لتحسين نظيرتها مع السعودية، عبر صفقات تسليح بالمسيرات قد تسهم في إحداث توازن وردع في اليمن يدفع باتجاه تسوية ما للأزمة الممتدة منذ أكثر من عقد، ويخرج التحالف العربي من مأزقه هناك بصيغة أقرب لنتيجة لا غالب أو مغلوب وبتفهمات مع إيران، قد تستفيد منها تركيا في المسألة السورية أيضاً.

أردوغان في أبوظبي: الاقتصاد يحكم

يشير الزخم المتعلق بالاقتصاد في العلاقات التركية- الإماراتية إلى أن الاقتصاد يتحكم كثيراً بتلك العلاقات، فأثناء زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد للعاصمة التركية أنقرة في نوفمبر الماضي أعلن الرجل عن عدة مشروعات إماراتية في تركيا تتجاوز الـ١٠ مليارات دولار، وكان هذا في إطار أزمة طاحنة تمر بها الليرة التركية، ما ساهم إلى حد ما في إنجاح سياسة أردوغان في التحايل على عملية تثبيت الفائدة، وبالتالي استقرار نسبي لليرة وكبح جماح انهيارها مقابل الدولار لشهور.

يؤكد التركيز الكبير على الاقتصاد في هذه الزيارة الأخيرة التي استمرت يومين، والذي يشير إلى توقيع ١٣ اتفاقية تشمل مجالات بينها الاستثمار والصناعة والتقنيات المتقدمة والدفاع والنقل والصحة والزراعة والثقافة، وتوقيع البلدان على بيان مشترك بشأن بدء مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما، وعلى خطاب نوايا بشأن بدء اجتماعات التعاون في مجال الصناعات الدفاعية.

إلا أن هذا لا ينفي البعد الاستراتيجي في هذه الزيارة حيث يحاكي الأتراك مخاوف أبوظبي من تطوير الحوثيين هجومهم عليها بالكثافة التي يتعاملون بها مع السعودية، وفي هذا الإطار تأتي تصريحات أردوغان قبيل توجهه إلى الإمارات، بأن التعاون بين بلاده والإمارات مهم لاستقرار المنطقة كلها، مضيفاً أن أمن واستقرار دول الخليج من أمن بلاده، وتعبيره عن تنديد تركيا الشديد بالهجمات التي طالت أبوظبي في يناير/كانون الثاني المنصرم، وتأكيد وقوف بلاده ضد كافة أشكال الإرهاب.

أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – رويترز

ما يمكن للأتراك كسبه في هذه الزيارة ليس فقط التطور في العلاقات مع الإمارات بل أيضا تمثل هذه الزيارة إحراجاً للنظام في مصر؛ حيث إن الدول الخليجية التي وضعت ما يشبه الفيتو على أي تطوير جدي للعلاقات بين القاهرة وأنقرة أصبحت الآن في طريقها لتطبيع تام للعلاقات بل وإلى شراكة قوية حتى ولو كان هذا في إطار ترتيبات تكتيكية في المنطقة، وبالتالي يتبقى على النظام في مصر التقاط طرف خيط التواصل مع النظام التركي وإعادة العلاقات لما كانت عليه قبل العام ٢٠١٤ كحد أدنى، والتفاهم بشكل كبير حول غاز شرق المتوسط وليبيا من أجل استغلال فرصة تزايد الحاجة الأوروبية والتركية لمصادر بديلة للطاقة عن المصادر الروسية، إلا أن الشك لا يزال يحيط بتلك العلاقات في إطار سياسة المكايدات المتبعة من النظام المصري.

 كما أن مصر حتى الآن لا تزال منذ الأزمة الخليجية غير قادرة على إقناع الدول الخليجية بقدرتها على الالتزام بالأمن القومي العربي من دون مساعدات اقتصادية سخية وقروض كبيرة تدفع مقدماً، في ظل نظام إقليمي عربي متداعٍ بشكل كبير وتحديات كبرى على حدودها من كل الاتجاهات تبدو القاهرة غير قادرة على مجابهة التهديدات الكبرى التي يتعرض لها الخليج، وبالتالي فإن هذه الدول قد ترى أن الاقتراب من تركيا أكثر نجاعة سواء في مواجهة إيران وأجنحتها أو إقناعهم بالتهدئة في المنطقة، وهو ما ينتظر إثباتاً خلال العام الحالي والأعوام القادمة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سمير
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد