كما يبعث الله سبحانه وتعالى للأمة الإسلامية، في لحظة طوارئ خطيرة، من يجدِّد لها الدين الذي ارتضاه لها ربها، إذا هي حادت عن تعاليمه وأخلاقه وشرائعه، وطغى بينها تأليه التعصب والأنانية والكراهية، واستشرى فيها الجشع والفساد والإفساد، وتعلقت جموعها بمنطق الفردانية "الأنا"، في مقابل التشارك والتآلف والتعاضد والتضامن والرحمة والشعور بآلام ومعاناة الآخرين، وغضت الطرف عن معاني الصالح الإنساني العام، بدليل الحديث الشريف الذي رواه أبو علقمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".
فلا شك أنه سبحانه وتعالى أراد بفاجعة "ريان"- الذي انتفض العالم كله لمتابعة ما عاشه من لحظات قاسية بين جدران بئر لم ترحم طفولته- بَعْثَ رسالة تحمل بين طياتها معاني الرحمة والإنسانية، لإيقاظ للضمائر منزوعة العواطف، وتليين القلوب التي لا تعرف الرحمةَ، وتخليق النفوس التي لا تعترف بالأخلاق الإنسانية، ولا تتعطش إلا لسفك الدماء، ولا تتفتح شهيتها إلا على كسر كرامة الرجال، واغتصاب النساء، واغتيال براءات الأطفال.
نعم إن فاجعة ريان، التي انتفض العالم كله ليتابع ما عاشه من لحظات قاسية بين جدران بئر لم ترحم طفولته، رسالة ربانية جاءت لتعلن للكون أن الإنسانية ما زالت قابعة فى قلوب البشر، ولا تحتاج إلا لمن يخلصها من خواء المشاعر وتصلب الأحاسيس المتشبعة بمرارة القهر والظلم وأحداث التعذيب والعنف والدماء، التي تقسي القلوب، وتجعلها لا تشعر بالجار المتألم، ولا تهتم بالقريب المتوعك، ولا تعتني بالصديق المخنوق، ولا تأخذ بيد الرفيق المحزون.
فلنكن رحماء بيننا، نمد الأيدي المحبة لإسعاد الآخرين، كما تعلمنا من رسالة مبعوث الإنسانية، ريان، الذي هو أكثر من طفل، وأكثر من حادثة، وأكبر من فاجعة، لأنه بحق مرسول سماوي للعالم في هذا الوقت العصيب.
فهل وصلت الرسالة؟ وهل فهم العالم الرسالة؟، يا ليتنا نكون قد فهمنا الرسالة، وهل أعطيت حقها من التدبر، الذي يوقظ الضمير الإنساني ويمكنه من الوعي بقيمة التشارك والتنسيق والتعاضد والاستنفار الجماعي، والذي يستحق التوقف عنده بالتفكير العميق، حتى لا يتحوّل الموضوع إلى مجرد معركة "تويترية" أو "فيسبوكية" تنتهي خلال أيام، كمعظم القضايا التي تطرح على الرأي العام، فما أحوجنا إلى مجهود جبار من القائمين على التعليم والتربية والدين، لإعادة توجيه البوصلة الأخلاقية لمسارها والتأكد من عدم تأثر تلك البوصلة بالتشويشات المحيطة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.