قدمت حكومة حمدوك الولاءات على الخبرات.. حين عملت مستشاراً لوزارة الطاقة في السودان (2)

تم النشر: 2022/02/16 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/16 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية / رويترز

هذا المقال هو الجزء الثاني من شهادة الدكتور نمر عثمان، وتجربة عمله مستشاراً لوزارة الطاقة في السودان وللشركة الوطنية للنفط "سودابت"، في حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية، عقب التظاهرات التي وقعت في السودان عام 2018
****

أُكمل حديثي في هذا المقال عن الجهود التي قمنا بها في مجال تطوير قطاع الغاز الطبيعي بالسودان، أنا وفريق متطوع من المهندسين وأصحاب الخبرات السودانية، حيث حاولنا بناء منظومة عمل متكاملة لتطوير مشاريع الغاز بالسودان، حيث عملت على هذا المشروع بصورة مباشرة كمستشار متطوع داعم لشركة سودابت (الشركة الوطنية للبترول)، التي تتولى مسؤولية إنتاج الغاز الطبيعي واستخدامه في السودان، بناءً على هيكلة وزارة الطاقة والنفط.



ثالثاً: أسهمنا في فريق عمل موسع لتطوير منظومة المصافي في السودان، بعد تقييم شامل لوضع المصافي حالياً، تم تكوين هذا الفريق بقرار من الوكيل السابق لوزارة الطاقة والتعدين، الدكتور حامد سليمان، وقد تكوّن من خبرات سودانية من خارج السودان، من أفضل شركات العالم المتخصصة في هذا المجال، بالإضافة إلى أعضاء من داخل المؤسسة السودانية للبترول، ومن الأقسام المختلفة، ومن مصفاة الخرطوم، ومصفاة الأبيض، ومن لهم خبرة بمصفاة بورتسودان.

 تواصل عمل هذه المجموعة لفترة فاقت العام، وقدمت تقريراً تفصيلياً عن الخيارات المتاحة لتطوير هذا القطاع المهم جداً للسودان مستقبلاً، وللإقليم، ناظرة للحاجة الحالية والمستقبلية، في فترة تفوق العشرين عاماً، مقارنة مع وضعنا الحالي الذي يفتقر إلى مصفى متكامل للصناعات الكيميائية، التي للأسف نستجلب معظم منتجاتها من الخارج. 

الدراسات التفصيلية التي اكتملت بمجهود كبير من قيادة الفريق بأحد أميز المهندسين المتخصصين في هذا المجال عالمياً، قُدمت للباشمهندس وليد الأسد، الذي خلف دكتور حامد سليمان، وقد أصبحت جزءاً من خطة الاستثمار، في تصور متكامل لمصفاة جديدة في مدينة بورتسودان، بالإضافة إلى مصنع بتروكيماويات تصل سعته إلى 200 ألف برميل نفط من داخل وخارج السودان، وتصل تكلفته إلى ما يقارب الـ6 مليارات دولار أمريكي، مع خطة مستقبلية تسويقية لدول الجوار.

 قُدم هذا المقترح لمشاريع الاستثمار في مؤتمر باريس، وكان من ضمن المشاريع الضخمة لنقل منطقة شرق السودان إلى واحدة من مناطق الإنتاج الصناعي الضخم، والذي يمكن أن يصل إلى 16 مليار دولار.

رابعاً: أسهمنا كخبراء في الخارج في تحديث مجال الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز الطبيعي بديلاً للفيرنس ووقود الديزل، الذي تعتبر الكهرباء المنتجة منه الأغلى سعراً عالمياً، وتسبب مشاكل ضخمة للتوربينات، وأوضحنا في تلك الدراسة الخطأ الاستراتيجي في تكملة محطة قري-3، مستخدمين نفس نوع الوقود؛ لأنه حل مفخخ له تأثيرات اقتصادية ضارة جداً بالبلد على المدى المتوسط والطويل، وكانت خطوة غير سليمة من رئيس الوزراء الدكتور حمدوك وطاقمه الوزاري، بناء على توصية من وزير الطاقة حينها، كحل لمشاكل الكهرباء التي تسببت للحكومة بضغوطات شعبية كبيرة جداً في فترة الصيف في العام السابق.

 أوضحنا في دراسة تفصيلية شارك بها خبراء سودانيون عالميون في قطاع الكهرباء، لهم تجربة واسعة بالمحطات الحرارية في السودان، أن هذا الحل سيزيد المشكل تعقيداً، ويجب الاستعانة بالغاز الطبيعي كبديل، وبناء منظومة حلول سريعة تبدأ بمحطة بورتسودان الحرارية الجديدة، مستخدمين دراسات تفصيلية أجرتها شركة سونا للغاز، التابعة للمنظومة الدفاعية، وهي دراسة مميزة ومكتملة في بدء تأسيس منظومة الغاز الطبيعي في السودان، كضرورة قصوى ليس فقط لقطاع الكهرباء، بل لتحلية المياه ولإنتاج الأسمدة، وما زلنا دولة زراعية لا تنتج أسمدة عضوية إلى اليوم، بينما جارتنا مصر تنتجها منذ الستينيات. 

أوضحنا أيضاً مصادر الغاز التي يجب أن نبدأ باستيرادها كغاز مسال، ومن ثم نتوسع في إنتاجها لاحقاً بعد تأسيس البنية التحتية المطلوبة، والتوسعة في قطاع الاستكشاف مع شركات عالمية مؤهلة (الدراسة التفصيلية متاحة).

 تم تسليم الوزير السابق جادين العبيد كل هذه التفاصيل، مع تصور الخطة بالكامل، لتُعمم على كل مؤسسات القطاع، مع توضيح أهميتها للبناء المؤسسي للوزارة. 

فيما يختص بعملية تطوير منظومة الحوكمة وتدريب الكوادر على أساسيات التعاقدات العالمية تم هذا النقاش بحضور مدير مكتبه (السيد محمد عبد الله)، الذي أُوكلت له لاحقاً مهام الوكيل المكلف، بعد اتفاقية حمدوك-البرهان، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في خطوة نعتبرها نحن الخبراء في هذا المجال صادمة، لعدم صلة السيد محمد عبد الله المباشرة بهذا القطاع، لا في مجال النفط والغاز ولا الكهرباء، ولا خبرة إدارية لديه تتيح له هذا المنصب الحساس.

 وقد وافق حينها وزير الطاقة السابق جادين علي عبيد حسن على كل هذه الخطوات، وأكد على المقترحات، ولكن للأسف لم يمضِ قدماً في هذا الاتجاه، وهو ما كان له تأثير سلبي مباشر تمثّل في عجزه عن تطوير أي من المشاريع المقترحة للوزارة، لا من مؤتمر باريس ولا غيره.

 معظم جهود الوزير جادين تمحورت في عملية إحلال وإبدال لمعظم الكوادر التي أتت بها الثورة، بهدف عملية تمكين مؤسسي في الوزارة، بناءً على ولاءات جهوية، ومن ثم حزبية، لا صلة لها لا بالنواحي الفنية ولا حاجة الوزارة، ولا الخطط متوسطة وطويلة المدى التي طوّرها المئات من الكوادر الوطنية المتطوعة، والتي أشرت إليها سابقاً. 

أدت هذه السياسة التي تمت بالتنسيق التام مع أعضاء مكتبه، وقد أصبح مدير مكتبه السيد محمد عبد الله وكيلاً مكلفاً، ثم وزيراً لحكومة الانقلابي البرهان، وأيضاً السيد إسماعيل مرسال، الذي كان يعمل في مكتبه التنفيذي، وأصبح حالياً مديراً لمكتب الوزير في حكومة الانقلابي برهان، أدت إلى تأثير سلبي مباشر على خطط الإنتاج التي طوَّرها العاملون في المؤسسة، بقيادة الوكيل السابق السيد وليد الأسد، ومدير عام شركة سودابت، مهندس أيمن أبو جوخ، وبدعم كبير من العاملين في القطاع، ومن مجلس الوزراء حينها، والمستشارين المتطوعين.

 إهمال الوزير جادين وفريق مكتبه لهذه الخطط وعدم تفاعلهم معها كان له تأثير سلبي كبير على معنويات العاملين في هذا القطاع، وما زالت تخيّم هذه الأجواء السلبية على معظم مؤسسات الوزارة، التي كان يعمل الجميع على خلق تغيير مؤسسي وجذري فيها.

أيضاً الإخفاق الكبير من جانب الوزير جادين كان في عقد اجتماع مجلس الثروة النفطية، برئاسة رئيس الوزراء، والذي يعتبر وزير الطاقة والنفط، وبمشاركة العديد من الوزراء، بما فيهم وزير المالية ووزير العدل، وخبراء وطنيون في هذا المجال، وقد تشرفت بأن أكون من ضمنهم. هذا الجسم عبارة عن مجلس إدارة وزارة الطاقة والنفط، وخصوصاً فيما يختص باستخدام ثروات النفط والغاز، وقد شكّله السيد رئيس الوزراء الدكتور حمدوك، في ديسمبر/كانون الأول 2020.

 حسب القانون من المفترض أن يتولى هذا الجسم إقرار منظومة العمل والسياسات للوزارة، والمصادقة على مصادر تمويل المشاريع، وطبيعة الاتفاقيات، وتأسيس منظومة الحوكمة.

وإن عدم انعقاد اجتماع هذا الجسم يعتبر فشلاً مؤسسياً للوزير جادين وكامل طاقمه، لأنه أتاح المحافظة على منظومة الفساد في الوزارة، التي أسس لها عوض الجاز ومنظومة الكيزان الفاسدة، وأبقت على القوانين ومنظومة العمل الموروثة. 

الآن السؤال في ذهن العاملين والمختصين بهذا الجانب، هل تم هذا الإهمال بتعمد من قبل الوزير جادين وطاقمه، لتمرير سياسات التمكين التي واصل فيها مدير مكتبه، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للانقلاب العسكري، وأعاد شخوص ومنظومة الكيزان للعمل؟

نواصل..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نمر عثمان البشير
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر. مدير مختبر توصيف الوقود الذي يدعم البحث وتقديم الخدمات في مجال الوقود الاصطناعي والمواد الكيميائية التي يتم استخلاصها من الغاز الطبيعي. ويتعاون الدكتور البشير مع كبرى الشركات العالمية مثل توتال وشل وجنرال إلكتريك (النفط والغاز) وأوريكس جي تي إل وشركة قطر للإضافات البترولية المحدودة (كفاك) والخطوط الجوية القطرية وغيرها.
تحميل المزيد