لولا صبر “الأستاذ” مالك لَما وُجد “العلّامة” الشافعي.. كيف يُخرج المعلمون أفضل ما في طلابهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/16 الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/16 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
istock

مع انتشار فيروس كورونا وكثرة الإجراءات الاحترازية المصاحبة له، باتت الدراسة لشهور طويلة عن بُعد، وخلال الفترة التي زادت عن سنتين، ومن خلال مرافقتي لأولادي فقد اطلعت على سير الحصص الدراسية ومعاملة المعلمين والمعلمات لطلابهم.

وقد كان هناك كثير منهم داعماً لطلابه محفزاً لهم، في متابعة سير الواجبات والتقييمات، يعامل طلابه بحنو ومرفقاً كثيراً من العبارات الجميلة والمتنوعة في ردوده على طلابه وطالباته هذا غير شهادات التقدير والأوسمة الإلكترونية.

وهناك أيضاً معلمون ومعلمات يركزون فقط على عدد محدود من الطلبة المتميزين وخاصة ذوي الطلاقة اللغوية والحضور الفعال مهملاً البقية حتى ولو كانوا متفوقين لكنهم ينقصهم السرعة أو يتسمون بالهدوء والخجل، أما الطلاب ذوو المستوى المنخفض فقد يتم نسيانهم بالكلية.

ما يؤدي إلى نتيجة مفادها أن الناجح يزداد نجاحاً والضعيف سيزداد ضعفاً وتدنياً في مستواه الدراسي، وهذا له تأثيره السلبي على الطلبة بشكل مباشر وقد يستمر هذا الأثر لسنوات وعقود. وفي بعض الأحيان، يمتد هذا التمييز في الحصة الدراسية إلى النشاطات المدرسية المختلفة، فيختار المعلم أو المعلمة طلابهم المفضلين للاشتراك في المسابقات المدرسية لأنهم يرون أنهم خير من يمثل المدرسة، دون أدنى محاولة لاختبار هوايات الأطفال الآخرين أو التعرف عليها ودعمها، وهذا يخلق سؤالاً كبيراً في أذهان الأطفال: لماذا لم يتم اختياري؟!

وأود هنا التطرق لنقطة مهمة وخاصة للغاية وهي معاملة الأطفال متحدي الإعاقات الجسدية المختلفة أو من يعانون من صعوبات التعلم أو التوحد وطيفه، والذين يلتحقون بالمدارس في نظم تسمى بالدعم أو الدمج، فرغم قدرات بعض الأطفال الذهنية العالية إلا أنه يتم حصرهم في دائرة الإعاقة رغم أن واقعهم يفصح عن قدرات عليا، إلا أن كثيراً منهم وأهليهم يواجهون التشكيك بكفاءتهم وقدراتهم وهذا ينعكس بشكل سلبي على الطفل وذويه، خاصة أن بعضهم لديه نفس حساس مع وضعه الاستثنائي، ويريد أن يعامل كطفل طبيعي له حق الاختيار والمشاركة في النشاطات.

إن طريقة تعامل المعلم مع طلابه تؤثر فيهم بشكل كبير، فقد يحبب طلابه في مادته وقد يبرع أحدهم فيها مستقبلاً فيغير مجتمعه لحال أفضل، وعلى الجانب الآخر فقد يكره الطلاب مادته فيؤثر ذلك على اختياراتهم الجامعية مستقبلاً وعلى حياتهم، فكم من طالب عزف عن القراءة بسبب نفوره من معلم/ة اللغة العربية، وكم من طالب برع في العلوم والاكتشافات بسبب حبه لمعلم/ة العلوم في صغره.

وإن كنت سأتحدث عن نفسي، فقد كرهت مادة الاقتصاد بسبب نفوري من طريقة معلمي، وعلى العكس فقد عشقت التاريخ بدءاً من معلمتي في الصف الأول الإعدادي ثم بفضل أستاذي في الأول الثانوي، فقد كان التاريخ بالنسبة إليهم حكاية تروى كنت أتمنى لو ألجها وأتزود بالكثير والكثير من روائعها وأشاهد شخصياتها رأي العين.

وبالتأكيد فلكل منا تجربة أحب فيها مادة وكره أخرى؛ كان يقف بشكل كبير خلفها ذكرى جميلة مع معلم أو ذكرى سيئة.

ولنستقِ من التاريخ موقفين يبينان أثر تحفيز المعلم في إبراز المواهب الفذة و القدرات.

فالإمام الشافعي -رحمه الله- عندما أتى المدينة المنورة ليطلب العلم على يدي سيدنا مالك بن أنس -رضي الله عنه- ويقال إنه كان يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، يقول: "وقدمت على مالك وقد حفظت الموطأ، فقال لي: "أحضر من يقرأ لك"، فقلت: أنا قارئ. فقرأت الموطأ حفظاً، فقال: إن يك أحدٌ يفلح فهذا الغلام".

وبعد أن روى الشافعي عن الإمام مالك موطأه لزمه يتفقهُ عليه، وراح بصبرٍ يدارسُه المسائلَ التي يفتي فيها الإمام، إلى أن مات الإمامُ سنة 179 هـ، وقد أثر في علمه وفتواه أثراً بالغاً.

ملايين الأطفال في اليمن محرومون من التعليم – رويترز

المثال الثاني، الأديبة والناشطة الأمريكية، هيلين كيلر (1880-1968) فقد أصيبت بمرض في طفولتها أدى إلى فقدانها السمع والبصر، وعاشت أسرتها فترة عصيبة على عدة مستويات، ولكن بعد قدوم معلمتها "سوليفان" لمدرستها ومتابعتها لحالتها، استطاعت هيلين القراءة بطريقة "بريل" وتكوين الجمل، ولازمتها معلمتها حتى تخرجت في الجامعة وكانت أول شخص مكفوف يحصل على درجة "الليسانس"، وألفت ثمانية عشر كتاباً، وكان لها دور بارز اجتماعي وسياسي في مجتمعها ونالت الكثير من التكريم، وكل هذا ابتداء بفضل معلمتها التي ساعدتها على إبراز قدراتها والتي كانت تقرأ لها الكتب وتذاكر معها المواد الدراسية وتساعدها في حل الواجبات وقد لازمتها 49 عاماً.

ومن هذين المثالين يتبين لنا بجلاء أثر تحفيز المعلم ورفقه في شخصية تلميذه وكيف أنه قد يصنع من طالبه علماً بارزاً في أحد مجالات الحياة.

فرفقاً أيها المعلمون بأبنائنا، عاملوهم بكفة كبيرة من العدل، أيقظوا فيهم الهمة بكثير من الاهتمام والحب، واعلموا أن أثركم باقٍ في نفوسهم، فكيف تحبون أن تكون ذكراكم؟

وإن لدينا كآباء وأمهات كثيراً من الرجاء فيكم، وتقديراً بالغاً لكم، وإن كلماتكم الطيبة وتحفيزكم هما أبلغ أثراً من مئة كلمة نقولها لهم، ومئة هدية نغدقها عليهم، وأختم بحديث نبوي شريف، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر؛ ليصلون على معلمي الناس الخير".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صفا علاء الدين
مدونة مصرية
تحميل المزيد