شباب “فتح” المعارض أم أذرع إسرائيل.. من سيخلف محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/14 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/14 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
عربي بوست

قررت اللجنة المركزية لحركة فتح في اجتماعها الأخير في كانون الثاني/يناير الماضي ترشيح حسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدلاً من الراحل صائب عريقات مع ترشيح عضو المركزية أيضاً روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني بدلاً من سليم الزعنون الذي قرر تقديم استقالته لأسباب خاصة، كما قيل.

القرار بدا وكأنه إعلان رسمي عن انطلاق ترتيبات خلافة رئيس السلطة والمنظمة وفتح محمود عباس قياساً بطبيعة المرشحين والدور المفترض أن يلعبوه في حالة غياب أبومازن عن الساحة السياسية لأي سبب كان.

يبدو أن حسين الشيخ مرشح فوق العادة لأمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. المنصب الأرفع بعد رئيس اللجنة، وهو المنصب الذي تولاه محمود عباس نفسه قبل أن يتسلم رئاسة المنظمة والسلطة وفتح خلفاً للشهيد ياسر عرفات.

أما رئيس المجلس الوطني وبعد حلّ المجلس التشريعي فيفترض أن يتولى رئاسة السلطة والمنظمة بشكل مؤقت في حالة الفراغ إلى حين انتخاب أو اختيار رئيس جديد حسب القانون الأساسي، أي دستور السلطة المؤقت، كما لوائح منظمة التحرير.

قبل الحديث عن الخلفيات والسياقات للتعيينات والترشيحات الأخيرة لا بد من الإشارة إلى ما تسرب عن مجريات اجتماع لجنة فتح المركزية السالف الذكر، علماً أنها أعلى هيئة قيادية بالحركة؛ حيث طرح محمود عباس وبشكل مفاجئ اسم حسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية بدلاً من صائب عريقات، ما يعني أنه سيتولى منصب أمين السر الذي ظل شاغراً أيضاً منذ وفاة عريقات، ثم سأل وبنبرة تهديدية من يعارض الترشيح، قبل أن يرد عليه عضو المركزية "المعارض" توفيق الطيراوي بأن السؤال المنطقي والتقليدي، هو من يؤيد لا من يعارض، مع إشارته إلى حق الرئيس عباس طبعاً في الترجيح بين المرشحين المتنافسين.

عضو المركزية عباس زكي قدّم تفاصيل إضافية عما جرى، مشيراً إلى غياب المعارضة للرئيس عباس داخل اللجنة قائلاً إنه لا أحد يجادله أو يحاججه، وهو في عمر 86 سنة. وأضاف زكي أن أبو مازن سيجلس مع الأحمد والشيخ لحسم من سيتولى أمانة سر المنظمة، مع ترجيح أن يتولى الشيخ المنصب. وختم بأن القصة ستمر بسهولة دون عراقيل، حيث لا وجود لفصائل معارضة قوية داخل المنظمة، والمنصب لن يحسم بالانتخابات كما كان الحال في الماضي.

لا شك أن المعطيات السابقة مجتمعة تشكل إشارة واضحة إلى انطلاق ترتيبات خلافة محمود عباس بشكل جدي؛ كون حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية بالسلطة، هو الأقرب إلى عباس مع مدير المخابرات ماجد فرج، وهما أيضاً حليفان مقربان جداً، حيث يبدو الشيخ من خلال منصبه وكأنه وزير الخارجية والذراع السياسية للرئيس، ويتولى خصوصاً الاتصالات مع إسرائيل وحتى مع الدول العربية وروسيا، بينما يعمل فرج بمثابة الذراع الأمنية، ويقود التنسيق والاتصالات ذات الصلة مع إسرائيل وأمريكا ودول عربية وإقليمية أخرى.

عباس يلتقي بوزير الجيش الإسرائيلي قرب تل أبيب ويتبادلان الهدايا

منصب أمين السر هو الأهم في منظمة التحرير بعد رئيسها، علماً أن الراحل عريقات كان يشغل أيضاً منصب رئيس لجنة المفاوضات مع إسرائيل. المنصب الذي يتولاه عملياً حسين الشيخ في ظل توقف المفاوضات السياسية؛ حيث تأخذ الاتصالات الطابع الإجرائي والإداري والتنسيق المدني والاقتصادي والاجتماعي -حتى مع إطاره السياسي العام طبعاً- بينما يتولى ماجد فرج التنسيق ذا الطابع الأمني، ولكن من خلال أو التفاهم مع الشيخ نفسه بوصفه وزير الشؤون المدنية المعني بالعلاقة مع إسرائيل في جوانبها المختلفة.

أما روحي فتوح فشخصية ضعيفة، ويبدو أيضاً أقرب إلى المساعد التقني للرئيس، وهو بدون طموح سياسي أو حضور تنظيمي وجماهيري، بمعنى أنه لا خوف أو قلق من توليه رئاسة السلطة والمنظمة بشكل مؤقت حال حدوث الفراغ إلى حين اختيار أو انتخاب رئيس جديد، وسيقوم عند الحاجة بمهمة التسلم والتسليم، كما ينبغي وعلى أفضل وجه، وكما فعل قبل ذلك بدقة بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات عندما كان رئيساً للمجلس التشريعي في العام 2005.

يجب الانتباه إلى أن انطلاق ترتيبات الخلافة جاء بعد خطوات تمهيدية ولو بشكل غير مباشر شملت إلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد هبّة القدس في نيسان/أبريل الماضي، والتي ظهرت خلالها السلطة معزولة ومنفصلة عن الواقع والمزاج الشعبي العام، ما دفع قيادتها في تصرف استبدادي موصوف للهرب من الانتخابات والتفكير الجدي في ترتيبات الخلافة بعيداً عن التوافق الوطني والحسم الديمقراطي.

وفي إطار إقليمي ودولي أوسع فقد تلقى الرئيس محمود عباس نصائح من واشنطن وتل أبيب بعدم إجراء الانتخابات ومغادرة مربع الحوار والمصالحة مع حماس، والانكباب خلال العامين المقبلين على ترتيب أمور خلافته بنفسه لضمان انتقال سلس وآمن للقيادة وحتى لا يندلع خلاف أو انفجار للأوضاع يؤثر على بقاء ووجود السلطة نفسها كونها لا تزال ضرورة سياسية – أمنية إسرائيلية وإقليمية وأمريكية وحتى دولية.

مهلة السنتين تتزامن كذلك مع تنفيذ التناوب على رئاسة الوزراء في إسرائيل بين وزير الخارجية رئيس الحكومة البديل يئير لابيد ورئيسها الحالي نفتالي بينيت. مع الانتباه إلى حقيقة أنه لا فرصة لاستئناف عملية "التسوية" خلال تلك المهلة بينما سيتم استغلال المساحة الزمنية لدعم وتقوية السلطة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، بما في ذلك حماية ترتيبات نقل القيادة فيها، خاصة مع الحديث عن عودة الدعم الاقتصادي الأوروبي والدولي السخي وانتهاء أزمتها المالية خلال شهر مارس/آذار القادم، وهو ما يعنى بالضرورة من جهة أخرى تكريس الانقسام والقطع مع المصالحة وترتيب الخلافة ضمن الواقع والنهج القائم المعتمد أساساً على الدعم الإسرائيلي الأمريكي والإقليمي من قبل العواصم العربية الحليفة أو المنخرطة في الحلف الأمريكي الإسرائيلي. 

ربما يتمثل الأسوأ من ذلك كله، بقبول القيادة مع عباس أو بدونه ببقاء السلطة بحد ذاته دون أفق سياسي ودون مفاوضات، والتخلي حتى عن الهدف الذي تدعيه السلطة لنفسها والتمثل بالانتقال إلى مرحلة الدولة والاستقلال.

في نفس السياق جاءت الدعوة إلى انعقاد اجتماع المجلس المركزي بداية شهر شباط/فبراير الجاري بعيداً عن التوافق وحتى فيما يشبه الإعلان عن انتهاء مرحلة برمتها شهدت حوارات لإنهاء الانقسام وتنفيذ تفاهمات المصالحة بما فيها الحزمة الانتخابية الكاملة لصالح التركيز على ترتيبات نقل القيادة داخل البيت السلطوي الضيّق لا البيت الوطني والواسع.

ومن هنا هدف تمرير التعيينات في المجلس المركزي المبتور ودون حضور القوى الرئيسية داخل المنظمة وخارجها إلى خلق أمر واقع وطني قبل الذهاب إلى المؤتمر العام الثامن لحركة فتح المقرر عقده في أواخر مارس/آذار القادم لنيل الموافقة أو فرض الوقائع حزبياً وفتحاوياً.

في الأخير وبتركيز واختصار يسعى محمود عباس إلى الإشراف على ترتيبات الخلافة بنفسه لضمان تحقيق أهداف سياسية وفئوية وشخصية تلحظ استمرار السلطة الحالية بوصفها جزءاً من منظومة الاستبداد والفساد العربية، هذا يشبه ربما ما جرى بين حسني مبارك وعمر سليمان مثلاً في أواخر أيام النظام الساقط.

وعموماً تبدو الترتيبات داخل منظومة الاستبداد الفلسطينية الحاكمة هشّة غير مضمونة فتحاوياً، في ظلّ وجود معارضين كثر كجبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي والأسير مروان البرغوثي وناصر القدوة وحتى القيادي المفصول محمد دحلان، إضافة إلى المزاج الفتحاوي الشاب المعارض للقيادة المتنفذة والرافض لسياستها ومنهجها كما وطنياً طبعاً في ظل ممانعة صارمة من حماس وحلفائها وبدون انتخابات جدية شفافة ونزيهة من الصعب تصوّر حدوث انتقال وترتيب للبيت الفلسطيني الداخلي بالشكل المبتور والمجتزأ الذي تريده وتسعى إليه القيادة الحالية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماجد عزام
كاتب وإعلامي فلسطيني
تحميل المزيد