الأزمة الأوكرانية هي الفتيل الساخن والملتهب في العالم إذا استمر الحال على ما هو عليه. ويمكن، أو بالفعل، تعيد الأزمة الأوكرانية خلق أجواء الحرب الباردة بين قطبي الصراع العالمي: الولايات المتحدة والغرب من جهة، وروسيا الاتحادية من جهة أخرى.
أصل الأزمة الحالية راجع إلى تضارب المصالح الجيوسياسية في هذه المنطقة بين القوى العظمى؛ إذ تعتبر روسيا أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي؛ فهي التي كانت حتى وقت قريب مرتبطة بها في كيان سياسي واقتصادي واحد؛ الاتحاد السوفييتي؛ ولذلك يعتبر فلاديمير بوتين انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو مساساً بالأمن القومي الروسي ومجالها الجيوسياسي والاقتصادي.
هذا الموضوع طرح للمناقشة وقراءة خلفياته كون لديه تأثيرات على الأمن والسلم الدولي، وذلك راجع إلى تشابك وتباين وتضارب العلاقات والمصالح بين الدول الكبرى في هذا النزاع، لا سيما في حالة نشوب حرب في هذه المنطقة الجغرافية.
قد تكون الأزمة الحالية مقدمة حرب يمكن أن يتسع مجالها ليصل إلى عدة دول وقارات؛ خاصة أن مفتاح هذه الحرب بيد القوى الاقتصادية والعسكرية الأكبر في العالم، ملاك حق الفيتو والرؤوس النووية، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية.
لذلك، في ظل الصراع الدائر بين أقوى قوتين عالميتين في العالم، نطرح هذا السؤال: هل تنتهى الأزمة الأوكرانية-الروسية بحل سياسي، أم يتصاعد الصراع إلى حرب إقليمية شاملة؟ وهل تكون أمريكا أحد أضلاع هذه الحرب إن قامت؟
واقع العلاقات الروسية-الأمريكية بعد تولي بايدن الحكم
ساد الصمت والدفء العلاقات الأمريكية-الروسية في عهد دونالد ترامب، رغم وجود خلافات في الرأي والمصالح في مجموعة من الصراعات والقضايا الإقليمية والدولية، خاصة في الشرق الأوسط والنزاع السوري والملف النووي الإيراني، لكن لم تصل إلى القطيعة التامة أو التوتر الحاد، لأسباب مختلفة أهمها إعجاب ترامب الواضح ببوتين.
غير أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن له طريقة مختلفة في التعاطي مع الصراعات الخارجية التي عليه التعامل معها وحلها، ويهدف إلى إرجاع الولايات المتحدة الأمريكية إلى رأس الهرم الدولي، بيد أن الأمر ليس بتلك السهولة وأمام دول عظمى كروسيا والصين، التي تدرك أمريكا أن تصاعد نفوذها الإقليمي والعالمي يهدد هرم "شرطي العالم".
هنا إذن، سيصطدم الرئيس الأمريكي الجديد مع أزمات خارجية شائكة، ومن أبرزها الصراع على المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية في العالم، خاصة في آسيا وإفريقيا وشرق أوروبا، وهو ما بات ظاهراً للعيان في عدة أزمات عالمية، وآخرها الدائرة حالياً على الحدود الروسية-الأوكرانية.
تصاعد التنافس الجيوسياسي بين البلدين: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، أصبح يهدد العالم بانفجار قوي بعد تصاعد الصراع الروسي-الأوكراني؛ إذ أثرت بشكل أكبر على العلاقات الأمريكية-الروسية، لا سيما أن أوكرانيا من الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية؛ وهي كذلك الذراع التي تتحرك بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو لمواجهة خطط روسيا في شرق أوروبا وفي القارة العجوز بصفة عامة.
شرارة حرب عالمية ثالثة
لقد أدى التصعيد الروسي للحدود مع أوكرانيا، وتأجيج أجواء الحرب بين البلدين إلى ظهور خيط ناظم للتدخل الأمريكي في تصاعد الأزمة الأوكرانية لأن هذه الأخيرة هي "الجدار" الذي تصارع به الولايات المتحدة الأمريكية روسيا الاتحادية، وبالتالي الهيمنة والسيطرة عليها من طرف الدب الروسي، يعتبر هزيمة جيوسياسية واقتصادية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ورائها.
التدخل الروسي والموقف الأمريكي في الأزمة الأوكرانية كثَّفا من تصاعد الصراع بين أقوى قوتين نوويتين في العالم، وخلقا انطباعاً بأن العالم يتجه إلى "حرب عالمية ثالثة" بين القطبين الشرقي والغربي.
لا سيما وأن التدخل الروسي الأخير بالسيطرة على شبه جزيرة "القرم" قد أفرز عدة أزمات سياسية ودبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، من أهمها فرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا، وفي المقابل طرد دبلوماسيين أمريكيين من موسكو. كل هذه الأحداث والتطورات المتتالية تعطى الانطباع بأن الخصمين باتا يلعبان بأوراق أكثر خطورة على السلم الأمن والسلم الدولي.
إضافة إلى دخول البلدين في صراعات استراتيجية وسياسية وعسكرية، إما سرية أو بالوكالة على عدة جبهات إقليمية ودولية.
وإذا كان الصراع الأوكراني والملف الإيراني هما الصورة العلنية لذلك الصراع للعالم، فإن ذلك لا يعني أنه ليست هناك صراعات نفوذ متفرعة وفي مناطق عدة كإفريقيا وآسيا، قد تفتح المجال إلى امتداد أوجه الصراع بين البلدين إلى مناطق شاسعة وطرق أكثر تهديداً للأمن والسلم الدولي.
وهذا كله من أجل توسيع منطقة النفوذ الجيوسياسية، وكسب مناطق جديدة، إلى جانب أن الطرف الروسي بات مستعداً لكل الاحتمالات، وذلك ما أظهرته الاتفاقات الاستراتيجية بين روسيا والصين، التي تفتح المجال على مصراعيه مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لجأت إلى نفس الاستراتيجية وتحالفات مع قوى أخرى يحسب لها ألف حساب في المنطقة الآسيوية، وهنا نعني الهند.
هذه التكتلات الدولية الناشئة والصاعدة، والتي يتحكم فيها صراع القطب الشرقي مع القطب الغربي تؤكد بلا مجال للشك أن العالم أصبح يعيش في دوامة قوامها الصراعات والأزمات الدولية، خاصة بين من يعتبر أنه يحافظ ويحمي الأمن والسلم الدولي وذراع الحق "الفيتو "داخل المجلس.
الصراع الأمريكي-الروسي رغم أنه كان، في بداية الألفية الجديدة، يميل إلى كفة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بحكم ما كانت تتمتع به من قوة اقتصادية وعسكرية وأمنية، لكن مع مرور الوقت وخلال السنوات العشر الأخيرة، يمكن القول إن روسيا الاتحادية قد نهضت من تداعيات ميراث الاتحاد السوفييتي المنهار، وأصبحت تمتلك قوة عسكرية تنافس بها الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ما نراه الآن في الأزمة الروسية-الأوكرانية. الدب الروسي بات يرى أن التدخل في الأراضي الأوكرانية هو الملاذ الآمن من أجل الحد من خطر انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
من هنا يمكن القول إن الصراع الواقع على الحدود الأوكرانية يمكن أن يؤدي إلى صراع وحرب تشارك فيها القوى العظمى، وعند ذلك لن تنتهى الحرب عند تلك البقعة، بل ستمتد إلى مواقع جغرافية أخرى عبر المعمورة.
العالم على حافة حرب عالمية.. فهل تكون الأزمة الأوكرانية بداية شرارتها؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.