في طفولتنا سيطرت الأحلام الجميلة والآمال والطموحات العالية وحتى الإبداع على نفوسنا، اسْتَحْضِر تفاصيلها، وتذكَّر كم أرَّقتك وسلبت النوم من جفونك وشحنتك بالطاقة والعزيمة.. ما أجملها من أحلام وما أروعها من أيام! أتتذكرها جيداً؟ أليست أحلاماً كبيرة لامعة كالنجوم، لا يحدُّها الواقع ولا تقيِّدها العقبات؟ ألم تحلّق خلالها في السماء، وتحطّ على المريخ، وتغوص في قاع المحيط وتستمتع بمشاهدة كنوزه، وتستكشف الكهوف المهجورة والمغارات المتشابكة في قمم الجبال، وتجتاز الصحاري وتعبر الأدغال وتتسلق القمم، وتركب الفِيَلة وتروّض الأسود، وتشارك سندباد في رحلاته البحرية وابن بطوطة في رحلاته البرية وابن فرناس في رحلاته الجوية؟ أليس صحيحاً أنك قد دخلت إلى قصر الرشيد، وشاهدت الجواري والغلمان وجيوش الفتح؟ ألم تقطف أزهاراً من حدائق بابل المعلَّقة، وحلَّقت في السماء الأولى برفقة شذاها؟ ألم تشارك في أبعاد الحياة المختلفة التي تدبُّ في مصر الفرعونية حتى إنك شهدت بناء هرم أبو الهول؟ ألم تتفاعل مع الحكايات التاريخية حتى شهدتها من كثب جملة وتفصيلاً، وغدوت كأنك تعيش أدق تفاصيلها، بل تشارك في صنع الأحداث فيها؟
ليتذكَّر كل منا الأحلام العظيمة الجميلة التي دارت بخلدنا في وقت ما، مضى وولَّى عهده
في أحلامك تلك، كنت تطلق لنفسك العنان لتصل إلى أبعد ما يمكن، لم تكن تعترف بمستحيل، بل كل شيء في نظرك ممكن، مهما حاول مَن حولك إقناعك بعد استطاعتك، فإنك تبذل جهداً أكبر لتؤكد لهم أنك لها.
انظر إلى مَن حولك من الأطفال الصغار، ألا يروون لك قصص مغامراتهم التي يستعصي عليك تصديقها؟ ألا يرسمون الشمس خضراء، والبحر أصفر والورد أزرق وأسود؟ ألا يرسمون السمكة تطير في السماء والنسر يسبح كالبطة على سطح الماء؟ لاحظ كيف يقف لهم مَن حولهم بالمرصاد؛ ليقنعوهم بأنها يجب أن تكون صفراء لا غير، وأن البحر أزرق فقط، وأن الوردة حمراء وصفراء وبيضاء، وهكذا، لنقيدهم بقيود الموجود، ألم يقولوا بأن الشخص المبدع هو الذي احتفظ ببقايا الطفل في داخله؟
ونكبر في الأجساد والعقول والقدرات والمهارات، وتتضاءل أحلامنا وطموحاتنا في الوقت ذاته، وما كنا نعتزم تنفيذه عندما نكبر نزيحه جانباً، ونقنع أنفسنا بأنه لا جدوى منه، ولا يتوجب علينا إضاعة مزيد من الوقت في المحاولة؛ فالمحاولة والتجربة غير مضمونتي النتائج.
في طفولتنا تكون أحلامنا كبيرة جداً لا تتلاءم مع أحجامنا الصغيرة وقوّتنا الضعيفة، فترانا نلجأ إلى ربط أحلامنا بالكبر، حين نمتلك جسداً كبيراً وقوياً في الوقت ذاته، فنلجأ إلى ترديد: عندما أكبر سأفعل كذا وكذا، وسوف، وسوف… وهكذا، يرهن الطفل فينا حياته بقدوم المستقبل البعيد، وعندما يحدّث أهله ومَن حوله بما يحبه ويحلم بتنفيذه، يمتهنون مهنة نصب الحواجز الصلبة والمعيقات أمامه، فيقولون له مثلاً: أنت ما زلت صغيراً الآن، أترك هذا الكلام حتى تكبر.. أو: ما تتحدث عنه صعب ولا تسمح الظروف بالوصول إليه مهما فعلت.. ما تقوله ضرب من الخيال لن تستطيع تنفيذه مهما فعلت…إلخ، فتراهم لا يساعدونه أو يعلمونه أو يأخذون بيده ليبدأ شق طريقه منذ تلك اللحظة التي بدأ يحلم فيها، ليحيل ذلك الحلم إلى واقع، بل العكس تماماً، فهم يثبِّطون همَّته ويصرُّون على أن يجعلوا منه إنساناً عادياً من دون أحلام وطموحات، إنساناً يعيش الواقع الذي تمليه عليه الظروف فقط.
يقول أحد مدربي التنمية البشرية العالميين: "اجعل لنفسك أعلى وأروع رؤية ممكنةٍ الآن، لأنك غداً ستصبح ما كنت تعتقده اليوم! فإذا كنت تعتقد نفسك قوياً وقادراً على تحقيق حلمك، فإنك ستحققه بالفعل".
عندما تؤمن بحلمك، وتصوغ طموحاتك وأحلامك على شكل أهداف تضعها نصب عينيك، وتصرُّ على بلوغها، عندها فقط تكون قد سلكت الطريق الصحيح الذي يحول الحلم إلى واقع تعيشه. ثابِر وكابِد الصعاب.. ذلِّلها.. تحدِّ نفسك، وتخيَّل نفسك باستمرار وقد بلغت ما تريد… تذوَّق طعم النجاح الذي حققته، استشعِره، وقد أصبح واقعاً.
لا تلعب مع أطفالك أو أي أطفال تجعلك الأقدار تتعامل معهم، الدور نفسه الذي لعبه الكبار معك عندما كنت صغيراً، أصغِ إلى كلماتهم البريئة التي تصف أحلامهم، اتركهم يتخيلونها ويتحدثون عنها، ويصفون مشاعرهم تجاهها، والعب دوراً إيجابياً تجاهها، احترِم مشاعرهم وأحلامهم وقدِّرها، وجِّههم الوجهة الصحيحة التي تعينهم في بلوغها، علِّمهم الإصرار والمثابرة والجَلد، شجِّعهم على وضع هدفٍ نصب أعينهم منذ صغرهم، اثنِ عليهم، وأكِّد لهم دائماً أنك تثق بقدرتهم على بلوغ تلك الأحلام والطموحات، وعندما تواجههم الصعوبات والتحديات، شجِّعهم على الاستمرار، وذكِّرهم بأن طريق النجاح وعْر وصعب، فلا يمضي فيه إلا المثابرون أصحاب الهمم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.