ما زال كثير من المصريين يتذكرون مقولة الفنان عبد العظيم كامل في عدة أدوار كطبيب، وهو ينصح الزوج -بعد فحص الزوجة- بقوله "المدام أعصابها تعبانة شوية، يا ريت تسفروها العزبة تهدي أعصابها".
لكني كلما أشاهد عملاً درامياً مصرياً الآن أشعر بأن الرسالة الموجهة للرجل المصري هي "المدام تعبانة وعشان تستريح لازم تطلّقها". فهل مصر بحاجة لفيضان الأعمال الدرامية التي تشجع على الطلاق؟ وهل هذه هي رسالة الفن؟ وما الواجب على المشاهد أن يفعله إزاء هذه الأعمال الدرامية التي تحث على الطلاق؟
شبح الطلاق
لا يخفى على أحد أن مصر الآن بها واحدة من أكبر نسب الطلاق في العالم العربي، كما تشهد بهذا إحصائيات رسمية، ولا يخفى على أحد كذلك أن نسب العنوسة في مصر صارت هي الأخرى من أعلى النسب في العالم العربي. وواضح للجميع أن العلاقة بين نسب الطلاق والعنوسة علاقة طردية؛ أي أنه كلما زادت نسب الطلاق زادت نسب العنوسة. والسبب في هذا يرجع لخوف الشباب من الجنسين من الدخول في علاقة قد تؤول إلى حد كبير -بحكم ما يشاهدونه من حالات طلاق لم يكن أحد يتخيلها- إلى الطلاق.
وبالرغم من كل هذه الأجواء التي تُنَفِّر من الزواج يأتي عدد كبير من الأعمال الدرامية ليشجع على الطلاق بين الأزواج حديثي العهد بالزواج، ممن ليس لديهم أطفال، وبين الأزواج في أواسط عمرهم ممن لديهم أبناء وبنات في سن خطيرة ويحتاجون رعاية أبويهم، وحتى بين الأزواج الذين كاد أن يصل بهم قطار العمر لمحطته الأخيرة دونما اعتبار للعِشرة والأولاد وربما الأحفاد.
والأدهى من ذلك هو أن الطلاق في كل هذه الأعمال الدرامية لا يُصَوَّر على أنه خراب للبيوت وانفصام عروة الأسرة وضياع الأولاد (وهو في الحقيقة كل ذلك)؛ بل يُصَوَّر على أنه انتصار للمرأة ونيلٌ لحريتها واستقلالٌ لذاتها؛ ولهذا غالباً ما توجد مشاهد احتفالية بالطلاق مع توجيه عبارات مثل "مبروك عليكي حريتك"، و"كفارة" للمطلقات، وكأن زواجهن كان سجناً حُرِمْنَ فيه الحرية، وذُقْنَ فيه ألوانَ العذاب. ومع اعترافنا بأن بعض الزيجات سجن حقيقي، إلا أن نسبتها في المجتمع المصري ضئيلة، لا تستحق كل هذا الضوء المسلط عليها في كل هذه الأعمال الدرامية.
ولكن لماذا ننزعج من هذه الأعمال الدرامية وتصوير الطلاق بها بهذه الطريقة؟ ننزعج لأن كثيراً من النساء يتأثرن بالفعل بما تقدمه هذه الأعمال، فتَهُون فكرة الطلاق في عيونهن، وربما يتصورن أن أولادهن لن يتأثروا كثيراً جراء طلاقهن كما يشاهدن على الشاشات، لكن الحقيقة غير ذلك، وتُسألُ عن ذلك المطلقات، وهن بالألوف، على أبواب محاكم الأسرة يلهثن وراء المحامين ومساعديهم الذين يبتزوهن وربما يتحرشون بهن.
وسبب آخر للانزعاج قد نجده في رفض كثير من الشباب لفكرة الزواج، لأنهم يعتقدون أن ما يشاهدونه على الشاشات سيحصل لا محالة، وأن زواجهم -إن تمَّ- سيؤول للطلاق. ونتيجة لهذا يستمر هؤلاء في العيش مع آبائهم كأطفال لا يتحملون -في الغالب- مسؤولية أنفسهم، ويستمرون بالضغط المادي والنفسي على آباء طال بهم التعب، ويرغبون في نيل بعض الراحة، ولكن هيهات!
ماذا نفعل؟
ينبغي على من يشاهد عملاً درامياً أن يشاهده كعمل خيالي لا حقيقة على الأرض، وأن يدرك أنه مهما كان العمل انعكاساً أو تصويراً للواقع فإن حياته تختلف عن حياة أبطال العمل من وجوه عدة، وأن يفيد من أخطاء الشخصيات، لا أن يرتكبها. وهذه النقطة الأخيرة هي الأهم، فكثير من أسباب الطلاق التي نشاهدها على الشاشات تتصل في الأساس بسببين، هما المتطلبات المادية التي لا تتوقف، وعدم الاهتمام.
فالمتطلبات المادية لا تقل أبداً رغم ظروف الغلاء والتضخم المتزايد، وتحقيقها لا يأتي إلا من خلال عمل الأب أو الأم أو كليهما لأطول فترة ممكنة، مع غياب شبه تام عن البيت وعدم متابعة الأولاد وغياب التواصل الجسدي والنفسي بين الأب والأم كزوج وزوجة يُصابان بالخرس حين يلتقيان، لما يلاقيانه من إرهاق بدني ونفسي في العمل. يعني هذا أن الاهتمام المطلوب بين الزوجين لا يتحقق بسبب طول عمل كل منهما أو أحدهما. وإذا أضفنا لهذين السببين سبباً آخر وهو تربية الأبناء "على الدلع"، وعدم تحملهم المسؤولية، وتحمل الزوج والزوجة هذه المسؤولية عن أبنائهما، فمن أين يأتي الوقت للزوج والزوجة ليُظهر كلٌّ منهما اهتمامه بالآخر؟ وما المتوقع -بعد هذا الإهمال- غير الطلاق؟
فلو أفاد كل مشاهد من أسباب الطلاق في هذه الأعمال الدرامية لاكتفى بقليل من المادة، ولأعطى بدنه حقه، ولعَلَّم أبناءه المسؤولية ليُبقي لنفسه جزءاً من الوقت يعطيه لزوجه/لزوجته. عندئذ تصير الحياة أبسط، وتُمسي الأسرة أكثر تماسكاً وانسجاماً وتعاطفاً ومشاركة وحباً، ويصير شبح الطلاق إلى زوال. فهل نفعل؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.