صراع الأجهزة لا يعني سقوط الرئيس.. كيف نفهم الخلافات داخل النظام المصري؟

عدد القراءات
683
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/09 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/09 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - رويترز

شاعت في الآونة الأخيرة، أنباء عن وجود خلافات بين عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية. مصدر هذه الأخبار إعلاميون وناشطون مصريون محسوبون على المعارضة المصرية بالخارج، وفي تلك المقاطع المصورة ينقل الإعلاميون معلومات يقال إنها مسربة من داخل الجيش المصري.

ليست هذه المرة الأولى التي تذاع فيها مثل هذه الأنباء، بل منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري، الذي وقع في الثالث من يوليو/تموز عام ٢٠١٣، كانت تشاع وبكثرة مثل هذه الأخبار ومستمرة حتى وقتنا هذا، وكان ينتهي الحال عادة إما بعدم صدق تلك الأخبار أو أنها على أقصى تقدير غير دقيقة.

حتمية الخلاف داخل المؤسسة العسكرية

كانت تلك الأخبار سبباً رئيسياً في حالة الإحباط داخل الفريق الكبير المعارض للنظام العسكري، حيث كانت تتحول لجذوة من الأمل بأن يقع انقلاب على الانقلاب وتنتهي فصول المأساة التي تعيشها مصر ما بعد الانقلاب العسكري.  ولكن دائماً، ما كان يحدث العكس بل وتزداد سطوة النظام العسكري وبطشه بالمعارضين بعد هذه الموجات التي تصاحبها أخبار الصراعات الداخلية بالنظام الديكتاتوري.

لذا أود أن أناقش الطرح المنتشر في هذه الأيامـ وجود خلافات بين المؤسسة العسكرية والسيسيـ لأقوم بطرح بعض الفرضيات والأسئلة التي تجعلنا نحكم بشكل سليم على هذه الأنباء دون تهوين أو تهويل، فربما يكون ما يُذكر صحيحاً وربما يكون خطأً.

لكن من الضرورة بمكان أن نشير إلى نقطتين تأسيسيتين نبني عليهما معالجة مثل هذا الموضوع:

أولاً: التنبيه على حتمية الخلاف داخل جميع المؤسسات والتجمعات والتنظيمات السياسية، سواء كانت هذه المؤسسات في ظل نظام استبدادي ديكتاتوري أو في ظل نظام ديمقراطي مدني. فالقوى الديمقراطية التي تحظى بنظام سياسي ديمقراطي تختلف حتماً فيما بينها حتى داخل الحزب الواحد والجماعة الواحدة، ومن ثم فالخلاف والنزاعات داخل النظم السلطوية موجود وحتمي وواقعي وإن أرادوا التمظهر بخلاف ذلك.

ثانياً: إذا سلمنا بضرورة وحتمية وجود اختلاف داخل الأنظمة الديكتاتورية، فيجب أن نركز على طبيعة هذا الخلاف والنزاع، هل هو خلاف بين رأس النظام وبعض قادته ومؤسساته؟ أم هو نزاع بين بعض مؤسساته دون الاختلاف مع رأس النظام؟

وهل هدف الخلاف الصراع على مراكز القوى وتوسيع النفوذ داخل المؤسسات؟ أم هو خلاف يهدف إلى الإطاحة برأس النظام وبعض داعميه الكبار؟

هاتان النقطتان تدفعاننا إلى طرح بعض الأسئلة والفرضيات وهي:

ما الفائدة التي ستجنيها المؤسسة العسكرية من تسريب بعض هذه المعلومات إلى أحد الإعلاميين المحسوبين على المعارضة؟

هل الغرض منها تحشيد المعارضين في مواجهة النظام واستعمالهم كأداة في حسم الصراع لصالح المؤسسة العسكرية؟

وربما تكون معلومات غير دقيقة ومكذوبة، لكن ما الفائدة التي ستجنيها المؤسسة العسكرية إن تعمدت تسريب معلومات مغلوطة؟… ربما يقول قائل إنها لغرض الإلهاء واختلاق صورة غير صحيحة عما يدور داخل النظام؟

الفرضيتان قائمتان ولا أنفي أياً منهما، لكن إذا سلَّمنا جدلاً بأن هناك نزاعاً حقيقياً بين المؤسسة العسكرية والرئيس عبدالفتاح السيسي، وأن الغرض من تسريب المعلومات هو الحشد الشعبي ضد السيسي للتخلص منه بما يشبه ثورة شعبية، فما هي مصلحة المؤسسة العسكرية في التخلص من السيسي؟

لقد قدم السيسي امتيازات مالية ضخمة لقيادة القوات المسلحة، سواء أثناء خدمتهم أو بعد الإطاحة بهم، وأضف إلى ذلك أن كل هؤلاء القادة السابقين والحاليين جاؤوا إلى قيادة المؤسسة العسكرية باختيار السيسي شخصياً، إذا وعلى ما يبدو لهم موقف سلبي من قيام تحول ديمقراطي في مصر ولديهم رغبة في استمرار النظام العسكري الذي يقدم لهم كل هذه الامتيازات، فضلاً عن أن أغلبهم متهم بالتورط في انتهاكات نظام السيسي. على سبيل المثال، فوزير الدفاع الحالي محمد زكي كان هو من تولى القبض على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو من شهد ضده في قضية التخابر مع قطر، كما أن رئيس أركان الجيش الحالي أسامة عسكر كان قائداً للجيش الثالث الميداني والذي تخضع له محافظة سيناء، وغير بعيد عننا حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتُكبت في سيناء من قبل القوات المسلحة التابعة له.

قيادة متورطة مع السيسي

إذاً نحن أمام قيادة عسكرية متورطة وشريكة لعبد الفتاح السيسي في انتهاكاته التي ترصدها الهيئات الحقوقية منذ وصوله للسلطة. لكن هذا لا يمنع وجود اختلاف بين بعض أركان المؤسسة العسكرية والسيسي؛ وذلك لأسباب متعلقة بالنفوذ أو السيطرة المُحكمة للسيسي على القوات المسلحة، كما أشيع ونشر في جريدة "العربي الجديد" أن وزير الدفاع السابق صدقي صبحي كان ينقم على السيسي وصهره رئيس الأركان الأسبق محمود حجازي السيطرة والتحكم في الجيش، وأن صبحي شعر بارتياح كبير إثر عزل السيسي لحجازي بعد هجوم طريق الواحات.

إذاً فأسباب الخلاف قائمة دوماً وتتعدد وفيها من التفاصيل الدقيقة.

الجيش المصري السيسي أسامة عسكر
الرئيس المصري إلى جانب قيادات سابقة في الجيش المصري – رويترز

وإذا كان الخلاف بهدف الإطاحة بالسيسي وقتئذ سيحاولون تثوير الناس ضد السيسي خاصة أن من سلوك الجيش المصري عدم الانقلاب بشكل مباشر إلا بغطاء شعبي ولو مزيف، وليس كما تفعل الجيوش في القارة الإفريقية من الانقلاب بشكل مباشر على الحكومة دون غطاء شعبي، فالجيش المصري يهتم بصورته كثيراً في أذهان المصريين والمجتمع الدولي.

وثمة سؤال مطروح وهو: لماذا لا يقوم السيسي بإقالة وزير الدفاع الحالي رغم أن من عادته عدم الإبقاء على مسؤول عسكري في منصبه لمدة طويلة، فسابقه صدقي صبحي، الذي امتلك نفوذاً أقوى منه، قام بإقالته في خطوة لم تكن متوقعة في ذلك الوقت، فما الذي يجعله يُبقي على محمد زكي؟

والإجابة إما أن محمد زكي ما زال رجل السيسي الوفي والملتزم بقراراته وتوجيهات نظامه أو أنه يتمتع بنفوذ قوي داخل الجيش يجعل السيسي غير قادر على الإطاحة به، خاصة أنه لا يستطيع الإطاحة به إلا بعد موافقة المجلس العسكري طبقاً للدستور المصري.

أي إجابة فيهما أرجح… لا أعلم، فحسم مثل هذه التوقعات من الصعوبة بقدر كبير وتحتاج إلى بعض المعلومات مع خبرة كبيرة بواقع المؤسسة العسكرية.

وثَمة فرضية ثالثة وهي لماذا دوماً نفترض أن المؤسسة العسكرية على قلب رجل واحد في خلافها مع السيسي، لماذا لا نفترض من البداية أن هناك خلافاً داخل المجلس العسكري ذاته، ولماذا لا نفترض أن الجيش ينقسم في ولائه للسيسي، خاصة أن السيسي هو من يقوم بإقالة وترقية رؤساء الأفرع وقيادات وزارة الدفاع كل سنة تقريباً. ربما تعيش المؤسسة العسكرية حالة من الاضطراب بفعل سيطرة السيسي وتحكمه في مقاليد القرار وربما يكون من الصعوبة أن تتوحد المؤسسة في وجه السيسي.   

إذاً نحن أمام أسئلة متشابكة ومتداخلة ومعقدة بشكل كبير، والإجابة عنها تحتاج لتمهّل كبير ودراسات عميقة ومعلومات دقيقة؛ لذا ينبغي على الإعلاميين إدراك أن الأوضاع داخل النظام المصري العسكري بقيادة السيسي ليست سهلة بل هي معقدة؛ لذا ينبغي التريث في نشر المعلومات للناس حتى التأكد من دقتها وصدقيتها بل وتوافقها مع العقل أحياناً.

ليس هناك ما يدعم فرضية الخلاف بين السيسي والمؤسسة العسكرية سوى معلومات شخصية وتحليلات لدى هؤلاء الإعلاميين، والمعلومات الشخصية لا ينبغي أن تكون للإذاعة والانتشار بين الناس، بل ينبغي أن تبقى طي الكتمان حتى تكتمل الصورة أو يظهر ما يعضدها بعد ذلك بحيث تكون المعلومات ملموسة لدى الناس.

ولا أنفي أهمية تحليل سلوك المؤسسة العسكرية والنظام في الفترة الأخيرة في استنتاج تصورات عن الوضع داخلهما، فهذا التحليل يكون ذا فائدة إذا أضيفت إليه معلومات موثقة حتى وإن كان وزنها ليس ثقيلاً في ميزان المعلومات، وهذا ما يفتقر إليه الإعلاميون المعارضون فهم يتسرعون إلى استنتاجات وتحليلات ربما تُحمل على غير وجه.

في النهاية ربما يسقط السيسي قريباً وربما لا يسقط أبداً، وإن كان يمضي بسرعة غير عادية إلى نهاية نظامه، كما أرى.

التغيير الجماهيري لا العسكري

التعويل ينبغي أن يكون على التحرك الشعبي والمعارضة المصرية لقيادة التحول الديمقراطي دون انتظار تحرك من المؤسسة العسكرية. المؤسسة العسكرية بقيادتها الحالية إن تحركت فستتحرك لمصالحها الخاصة، والدفع باتجاه تغيير جماهيري سيدفع المؤسسة العسكرية إلى التنازل بل والاقتناع بأن الحكم العسكري لمصر لم يكن مجدياً وأن الأليق بالجيش أن يكون في معسكراته.

سقوط نظام مبارك
صورة أرشيفية من ثورة 25 يناير

وإن ترسخ في نفوس التواقين للتحرر بأن الجيش بيده الأمور كلها مع إخراج التحرك الشعبي من المعادلة، فإن هذا يطيل من أمد الحكم العسكري حتى وإن تم تغيير السيسي، وستستمر الأوضاع على هذا الحال- وإن بوطأة أقل- حتى تنشأ طبقة شابة داخل الجيش تقتنع بالديمقراطية والحكم المدني يساندها تحرك مدني لإنهاء الحكم العسكري، وذلك يستغرق وقتاً أطول.

لذا على محبي التحرر والتحول الديمقراطي وداعميه أن يعيدوا ترتيب أوضاعهم وأن يولوا وجوههم شطر شعبهم والفرص تأتي مع الأيام. المهم حين تباغتنا الفرص أن نكون على استعداد لها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد السيوفي
كاتب مصري
تحميل المزيد