أكثر المتفائلين في مصر لم يكن يتوقع بلوغ المنتخب المصري نهائي كأس أمم إفريقيا 2022 وهو الذي خرج في ثمن نهائي البطولة السابقة التي احتضنتها ودخل مرحلة تجديد وتغيير حتى على مستوى الإدارة الفنية، وأكثر المتشائمين في السنغال كان يتوقع تكرار رفقاء ساديو ماني لسيناريو سنة 2019 وبلوغ المباراة النهائية على الأقل رفقة الجزائر، المغرب، الكاميرون ، ونيجيريا وحتى تونس وكوت ديفوار، وهي المنتخبات التي كانت مرشحة للمنافسة على اللقب قبل البطولة، ليكون التتويج سنغالياً لأول مرة في التاريخ بجدارة واستحقاق، ويكون التقدير والاحترام لمنتخب مصر الذي أزاح عن طريقه أكبر المرشحين في أدوار خروج المغلوب وهم كوت ديفوار، المغرب والكاميرون بعد الأشواط الإضافية التي أرهقته في النهائي أمام منتخب لم يبدأ البطولة بشكل جيد لكن أنهاها بمستويات أفضل فنياً وبدنياً، جعلته اليوم أفضل بسيكولوجياً تحسباً للمواجهة الثانية الفاصلة المؤهلة لكأس العالم المرتقبة نهاية شهر مارس/آذار القادم.
تتويج مستحق للسنغال
كل المتتبعين بما في ذلك في مصر أجمعوا على أحقية المنتخب السنغالي في التتويج رغم بدايته الصعبة في دور المجموعات التي لم يسجل فيها سوى هدف واحد عند فوزه الصعب في مباراته الأولى أمام زمبابوي، قبل أن يتعادل سلبياً ضد غينيا و مالاوي، لكن في دور خروج المغلوب تحول السنغال إلى منتخب آخر بعد أن عاد اللاعبون المصابون بكورونا، فسجل ثمانية أهداف في ثلاث مباريات أمام الرأس الأخضر، غينيا الاستوائية وبوركينا فاسو ، مقابل تلقيه لهدفين في كل مباريات البطولة، وهي أرقام لبطل حقيقي نال نجمه ساديو ماني لقب أفضل لاعب، وحارسه ماندي لقب أفضل حارس، وتوج بركلات الترجيح باللقب القاري لأول مرة في التاريخ بعد خسارتين في نهائيين سابقين منذ بداية الألفية دون أن يسجل فيهم هدفاً واحداً ليصبح البلد الخامس عشر الذي يتوج باللقب القاري بجدارة واستحقاق هذه المرة بعد أن فشل سنة 2019 رغم قوته وتوفره على كل أسباب التتويج مثله مثل المنتخب الجزائري آنذاك.
فوز مصر رغم الخسارة!
بلوغ منتخب مصر المباراة النهائية كان في حد ذاته إنجازاً كبيراً في نظر المحللين والمتتبعين في مصر وخارجها وهو الذي لم يكن يتوقعه أحد بعد الخسارة في الخرجة الأولى أمام منتخب نيجيريا في دوري المجموعات، والتي دفعت غالبية وسائل الإعلام المصرية لضرورة ترحيل المدرب كيروش رغم فوزه بعد ذلك على غينيا بيساو والسودان وبلوغه ثمن النهائي دون أن يقدم مستويات كبيرة مكتفياً بتسجيل هدفين في ثلاث مباريات، وهدفين فقط في دور خروج المغلوب أمام المغرب في ربع النهائي ليصل للمرة العاشرة إلى النهائي ويخسر لثالث مرة في تاريخه ويبقى صاحب أكبر عدد من التتويجات بسبعة ألقاب تحصلت عليها أجيال متعاقبة في ظروف متباينة توارثت ثقافة الانتصارات القارية على مستوى المنتخبات والأندية لدرجة جعلت المصريين يطمحون للفوز في كل مناسبة مهما كانت مستويات منتخبهم ونواديهم، ومهما كانت قيمة المنافسين، وجعلت الجميع يعتز ويفتخر بالفوز كما بالأداء والروح عند الخسارة.
لغة الأرقام في صالح السنغال
بعيداً عن المشاعر والعواطف، فإن لغة الأرقام تشير كلها إلى أحقية المنتخب السنغالي في الفوز رغم الحسرة والأسف في الأوساط المصرية الجماهيرية والإعلامية والفنية بعد خسارة النهائي، حيث سجل هجومه تسعة أهداف مقابل تلقيه هدفين فقط في سبع مباريات محققاً خمسة انتصارات وتعادلين، بينما اكتفى المنتخب المصري بتسجيل خمسة أهداف، انتصر بها في ثلاث مباريات من أصل سبع في الوقتين الرسمي والإضافي الذي بلغه في كل مبارياته الأربع في دور خروج المغلوب، مما أرهق لاعبيه الذين بلغوا النهائي مرهقين أمام منتخب سنغالي اكتفى بلعب تسعين دقيقة كل مرة لضمان التأهل على حساب جزر الرأس الأخضر، غينيا الاستوائية، ثم بوركينا فاسو، ويتوج بركلات الترجيح التي خسرها منتخب مصر هذه المرة رغم براعة حارسة الذي تصدى لخمس ضربات، وأخرى سادسة في بداية الشوط الأول من اللقاء النهائي كانت دافعاً معنوياً كبيراً لرفقائه الذين أنهكتهم المباريات والأعباء النفسية الثقيلة على بعض اللاعبين الذين كانوا يفتقدون خبرة المباريات الكبيرة مع المنتخب.
فرصة الثأر في المباراة الفاصلة لكأس العالم!
بالنظر لكل المعطيات والأرقام فإن بلوغ مصر المباراة النهائية يعتبر إنجازاً كبيراً، وتتويجه باللقب كان سيعتبر معجزة للجيل الجديد بمدربه البرتغالي الذي يشرف عليه منذ بضعة أشهر فقط، خاصة أمام منتخب سنغالي مستقر ومتطور ومنسجم على مدى السنوات الماضية بقيادة مدربه أليو سيسي، بلغ النهائي القاري للمرة الثانية على التوالي.
وصار اليوم هو المرشح معنوياً للتأهل إلى نهائيات كأس العالم على حساب منتخب مصر الذي يسعى إلى التعويض نهاية مارس/آذار المقبل وتجاوز التأثيرات النفسية لخسارته في النهائي قبل كل العوامل الفنية والبدنية والتكتيكية التي عادة ما تصنع الفارق في كرة القدم الحديثة، لتبقى كل الاحتمالات واردة وممكنة، خاصة إذا سكن الغرور نفوس اللاعبين السنغاليين واعتقدوا أن تتويجهم باللقب القاري يمنحهم الأسبقية والأولوية دون الحفاظ على تركيزهم وتواضعهم أمام منتخب مصري عنيد كبر بسنوات في ظرف أيام، يسعى للتعويض والتأكيد.
كابتن مصر محمد أبو تريكة قال لي قبل اللقاء النهائي إن المتوج بالكأس سيفوز بورقة الترشح إلى المونديال، لأنه سيكون أفضل من الناحية المعنوية، وقلت له إن الفائز باللقب لن يتأهل إلى مونديال قطر، لأن الخاسر سيعوض ويثأر لنفسه، لتبقى كل الاحتمالات واردة في مواجهتين تكونان الأصعب والأقوى على الإطلاق في تصفيات كأس العالم الخاصة بمنطقة إفريقيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.