تابع العالم -ومعه نحن- بشكل جمّ، العمليات التي تمت مباشرتها لإنقاذ ريان أورام، منذ اليوم الأول. وعليه، فقد اقترنت تراجيديا مأساته بفانتازيا وفاته، وبتكهنات حول ملابسات الوفاة، وموعدها الدقيق.
لكن قصة ريان لم تأخذ بُعداً تراجيدياً وفانتازياً فحسب، ولا حتى بُعداً إنسانياً في الفهم التعاطفي للإنسانية. اقترنت حادثة ريان بما هو أعمق من ذلك، فقد وحَّدت الإنسانية جمعاء في قضية تتخطى كل الأيديولوجيات وكل الإثنيات، وعليه، فهذه جملة من القضايا التي عالجتها مأساة ريان أورام:
– كشف الطفل ريان أورام زيف شعار الإعلام المغربي، سواء الرسمي أو الإلكتروني، في غيابه للموضوعية، وتعامله مع قضية تراجيدية بمحاولة تمجيد السلطة الرسمية. ولنا في تساؤلات الصحفيين المغاربة الموثقة خير مثال على ذلك؛ حيث غابت أدنى مقومات المهنية، مع عدم مراعاة الظرفية، في محاولات لاستغلالها من أجل طرح بروباغندا معينة، لا الوقت وقتها، ولا المكان مكانها.
– لقد بيَّنت حادثة وفاة ريان المأساوية الصورة القاتمة للمخزن، ذلك المخزن الذي عمل على الدخول في تحالفات جيواستراتيجية وسياسية جديدة، إضافة للتكلفة الباهظة التي قدمها للاستثمار في الدمار، وهنا الحديث عن التكلفة التي قدمها للاستثمار في التقنيات العسكرية، مقابل إهماله لحق الفرد في الحياة، عن طريق غياب توفير معدات تتوخى التعامل مع حالات كهذه. هكذا، نطرح تساؤلين مفادهما: ما الوظيفة الفعلية للدولة، كيف ما كانت طبيعة هذه الدولة؟ لو كانت الصدفة التي ألقت بريان في أحضان جبال الريف غيرت موضَعه ووُلد في مدينة الرباط، هل كنا سنعيش نفس المأساة؟
– غياب الوسائل التقنية الملائمة المساعدة في عملية إنقاذ ريان بواسطة الحفر. فرغم حداثة تكوّن سلسلة جبال الريف، أي تكونها خلال نهاية الزمن الجيولوجي الثاني وبداية الزمن الجيولوجي الثالث، فإنه، حسب وجهة نظري، كان الأوْلى في بداية عملية الحفر، استخدام المعدات التقنية المخصصة للحفر، بدل الاعتماد على الجرافات (التراكتور). ومع تقدم عملية الحفر، واقترابها، خلال مرحلة الحفر العمودي من موضع الحفر الأفقي، يمكن مباشرة عملية الحفر باستخدام الجرافات تفادياً لانهيار التربة قرب موضع تواجد الطفل ريان. كانت العملية، لو تمت بالشكل الصحيح، أنجع في اختزال المدة الطويلة التي استغرقتها عملية الإنقاذ.
– قامت حادثة ريان أورام بإصلاحٍ لا واعٍ لما أفسده نظامان فاسدان براغماتيان حاولا، قدر الإمكان، عن طريق تحالفاتهما الجيوسياسية، فصل شعبين يشتركان في وحدة المصير والتاريخ والدين، فضلاً عن اشتراكهما في المقدس الأممي، أي في إنسانيتهما. تم ذلك، بادئ ذي بدء، عن طريق الممارسات التي اقترنت بتغيير التحالفات الجيوسياسية، مقترناً ذلك بالقوى الإقليمية الصاعدة، والقوى الكلاسيكية، إضافة إلى محاولات الكيان الإسرائيلي التوغل بشكل أعمق في إفريقيا، التي اعتبرها المفكر الراحل سمير أمين، في فهمه لطبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي، على ضوء الفهم الألتو سيري لإعادة إنتاج شروط الإنتاج، البذرة التي تحمل بداخلها بوادر انهيار المنظومة الرأسمالية اللاإنسانية القائمة على تشييئ الأفراد.
لقد بلور طرحه ذاك، من خلال نظريته المركز والمحيط. هكذا، إذن، كانت مأساة ريان موحدة لشعبين تم فصلهما، بفعل ما ذُكر سابقاً، عن طريق الإعلام اللامهني، اللذين يتوفران على ترسانة منه، لخدمة أجندة معينة. إضافة إلى الجدل الذي دخلناه مؤخراً، والمتعلق بحرب الراب بين البلدين الشقيقين.
– لقد تم توحيد الدول الناطقة باللسان العربي في قضية أبعد ما تكون عن الفهم الشوفيني للتوحد، داعين -ولو اختلفنا في طبيعة الدعاء- حول الرجاء في إنقاذ الطفل ريان أورام.
– لقد غابت قضية الغرب والشرق في مأساة ريان أورام، فلاحظنا غياباً تاماً للتعالي الغربي في التعاطي مع المآسي المشرقية. فحملة التضامن مع ريان، والتغطية الإعلامية لقضيته، كذلك، انتشرتا كالنار في الهشيم.
أختتم ملاحظاتي بحجم التكافل الذي عرفته قضية ريان، هو تكافل محلي بغياب الفوارق الجهوية، عن طريق دمج جهود أفراد من مختلف أرجاء المغرب، ولنا في حكاية العم علي خير مثال.
مقابل دمج الجهود التقنية والعلمية مع المجهود اليدوي، في محاولة للحفر بأقصى سرعة، حسب الرؤية اللحظية. كما لاحظنا تكاثفاً أممياً، سبق ذكره، مع القضية، فقد تلقت، ربما، جميع الآلهة المعبودة في الأرض دعوات لإنقاذ الطفل ريان أورام.
لذا، لن نكون مزايدين باعتبارنا ريان رسولاً مخلصاً، في زمان كثر فيه الأنبياء والرسل، بين المدعين من العامة، وبين بعض أشباه المثقفين الذين أصابتهم، خلال مراحلهم العمرية المتقدمة، حالة أشبه بالهلاوس الجماعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.