الدول أم الأغنياء أم الفقراء أنفسهم.. من يتحمل مسؤولية الفقر في المجتمع؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/06 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/06 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش

يتم تناول مفهوم الفقر في المجال الاقتصادي على أنه حالة اجتماعية يعجز فيها الإنسان فرداً كان أو مجتمعاً عن تلبية مختلف حاجاته الضرورية التي لا تستقيم حياته إلا بها، يأتي في مقدمتها حاجاته البيولوجية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وجنس وما إلى ذلك، وسرعان ما ينعكس هذا الحرمان الذي يعيشه على سائر جوانبه الفكرية والنفسية والاجتماعية.

 ولتفسير هذا العجز الإنساني والكشف عن عوامله وأسبابه ظهرت عدة مقاربات وتفسيرات نسوقها كالآتي:

1- التفسير السوسيو ديموغرافي: ينسب هذا التفسير للعالم الاقتصادي والسياسي الشهير توماس مالتوس، حيث يربط وجود الفقر في أي مجتمع بفائض السكان الذي يتجاوز بكثير وسائل البقاء من الموارد الطبيعية والاقتصادية، فاعتبر أن عدد السكان يزيد وفق متتالية هندسية (1، 2، 4، 8، 16)،  بينما يزيد الإِنتاج الزراعي وفق متتالية حسابية (1، 2، 3، 4، 5، 6)، فاستخلص أن الموارد البشرية غير متناهية والموارد الطبيعية متناهية، وبالتالي إذا أردنا أن نحد من الفقر أو نقلص من مظاهره، فينبغي أن نحد من النمو السكاني ما أمكن، لأجل أن يتحقق التكافؤ والتوازن بين الموارد الطبيعية والبشرية.

غير أن هذا التفسير قد اعتبر من طرف كثير من النقاد تفسيراً عنصرياً يسعى إلى خدمة مصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة على حساب مصالح الطبقات المستضعفة، لدرجة أن الفقراء ليس لهم الحق في التكاثر والتوالد لأنهم لا يملكون الوسائل الكافية للحياة الكريمة كالأغنياء، بل ربما ليس لهم الحق حتى في الاستمتاع بممارسة علاقات عاطفية وجنسية مشروعة إذا ما اعتبرنا أن هذه الأخيرة -كما هو الشأن في السياق العربي الإسلامي- لا تتم إلا داخل إطار الأسرة التي تتطلب لتأسيسها والعمل على إنجاحها مؤهلات اقتصادية كافية.

ونحن إذا علمنا أن مالتوس ينتمي للطبقة البورجوازية، فلا نستبعد في حقه أن ينسج نظرية متكاملة في السكان تخدم مصالح طبقته، لأن الإنسان في النهاية يبقى ابن بيئته.

2- التفسير الرأسمالي الليبرالي: يعتبر هذا التفسير أن الفقر ظاهرة طبيعية في المجتمع، لأن كلاً من الفقر والغنى مرتبط بسوق العمل الذي تحكمه قاعدة العرض والطلب، ومبادئ الكفاءة والجودة والمنافسة، فإذا كان منطق السوق يرفض استيعاب جميع أفراد المجتمع في مختلف مجالات الشغل المتاحة، فالأشخاص الذين لم يتمكنوا من الاندماج في هذا السوق هم من يقعون ضحية للفقر والهشاشة، وعدم قدرتهم على هذا الاندماج أمر راجع لافتقادهم الكفاءة المطلوبة وعجزهم عن المنافسة، وبالتالي فالفقر حسب هذا الاتجاه هو مشكلة شخصية سببها فشل فردي، ومن ثم على الفرد أن يتحمل مسؤولية فقره وألا يبرره بظروفه الاجتماعية الخارجية.

3- التفسير الاشتراكي الماركسي: كل أسباب الفقر ترجع حسب هذا التفسير إلى سوء التوزيع لخيرات البلاد الذي تقوم به الدولة اعتماداً على النظام الاقتصادي الذي تتبناه، فإذا كان كل أفراد الشعب متساوين في انتمائهم لنفس الوطن، فمن الضروري أن يكونوا متساوين أيضاً فيما يجود به هذا الوطن من ثروات أرضية وبحرية وجوية وغيرها، لأن معيار التوزيع في نظر هذا الاتجاه هو صفة الوطنية لا شيء آخر، فبمجرد أن يثبت لك الانتماء للوط تصبح شريكاً في خيراته، بغض النظر عن كونك تقدم خدمات لوطنك أو لا، وكون مجتمعك يستفيد منك أو لا. هكذا يخلص هذا الاتجاه إلى أن الفقر مشكلة اجتماعية مرتبطة بالنظام الاقتصادي السائد في المجتمع وليس مشكلة فردية.

4- التفسير السوسيولوجي: يرتبط هذا التفسير بالتصور المنهجي الذي يتم به دراسة الظواهر الاجتماعية، بمعنى هل ننطلق من الفردي لفهم وتحليل الاجتماعي، ما يسمى في أدبيات علم الاجتماع بالمنهج الماكروسوسيولوجي؟ أم ننطلق من الاجتماعي لفهم الاجتماعي ما يسمى بالمنهج الماكروسوسيولوجي؟ أم نزاوج بين المنهجين في آن واحد، وهو ما يصطلح عليه بالمنهج الميزو سوسيولوجي؟ وطبعاً فإن النتائج البحثية تختلف حسب كل منهج.

فبناء على المنهج الأول فإن الدارس لمشكلة الفقر يركز على الناحية الفردية للإنسان، وعليه يتم التمييز بين صنفين من الفقراء:

أ) صنف لا يتحمل مسؤولية فقره: ذلك أن هذا الفقر جاء نتاجاً لأمور خارجة عن إرادتهم، مثل المعاقين جسدياً أو ذهنياً أو مَن وُلدوا في أسر فقيرة.

ب) صنف يتحمل مسؤولية فقره: ذلك لأن فقرهم ناتج عن سمات ذاتية فيهم، اكتسبوها بمحض إرادتهم، مثل الكسل، وافتقاد الطموح أو غياب الرغبة في تنمية الذات بشكل عام.

وبناء على المنهج الثاني فإن الفقر يتم ربطه بالعامل الثقافي والاجتماعي للفرد، فهناك فقر حيث تسود ثقافة الفقر وليس العكس، وتتسم ثقافة الفقر بسمات أهمها:

– الإحساس الدائم بالإقصاء والتهميش وعدم الانتماء لأي شيء.

– تدني مستوى الطموحات والتطلعات.

– الاستسلام للمشاكل وعدم البحث عن حلول.

– المكوث على كل ما هو قديم ومقاومة كل ما هو جديد.

أما المنهج الثالث فيتم من خلاله ربط الفقر بالسياق الاجتماعي للأفراد وظروفهم التي يعيشونها، فتارة يتم تفسير الفقر بعدم وجود فرص شغل كافية للجميع، وتارة بضعف المستوى التعليمي والتكوين المهني المطلوب، وتارة بغياب التضامن الأسري والاجتماعي، وغير ذلك من العوامل التي لها أبعاد فردية واجتماعية في الآن نفسه. 

في الأخير يمكن أن نختم بنص مهم لعالم الاجتماع أنتوني غدنز، يلخص كل هذه التفسيرات التي قدمت بصدد تحليل ظاهرة الفقر، يقول في كتابه علم الاجتماع: 

"يمكن تقسيم التفسيرات المختلفة للفقر بصفة عامة إلى مجموعتين من النظريات، ترى أولاهما أن الأفراد الفقراء هم المسؤولون عن فقرهم بالدرجة الأولى، بينما تعتقد المجموعة الأخرى أن القوى الهيكلية والعوامل البنيوية في المجتمع هي التي تنتج الفقر وتعيد إنتاجه". وينبغي أن نبين هنا أن الاختلاف الحاصل بين هاتين المجموعتين ليس اختلاف تناقض وتضاد بقدر ما هو اختلاف تنوع وتكامل، لأنه في حالات كثيرة يكون الفرد فعلاً هو المسؤول عن فقره، بينما في حالات كثيرة أخرى يكون المسؤول هو المجتمع أو الدولة التي تحكمه، وربما في حالات أخرى يكونان مسؤولَيْن معاً، وهكذا الأمر بحسب كل حالة فقر على حدة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى بن خجو
طالب وكاتب مغربي
طالب وكاتب مغربي
تحميل المزيد