كيف تم تدمير الجهود التي بُذلت لتطوير قطاع النفط والغاز في السودان؟

تم النشر: 2022/02/02 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/02 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لخقل نفط / رويترز


بُذل جهد وطني مخلص لتطوير قطاعي النفط والغاز والطاقة عموماً من قبل كوادر سودانية مؤهلة في الداخل والخارج، تطوعت بعد الثورة مباشرة لتطوير واحد من أهم قطاعات التنمية في السودان وذات الأهمية القصوى، لخلق نقلة اقتصادية في البلد، من خلال دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة، والصناعة، والبنية التحتية، والتعدين وغيرها. هذه الجهود التي تبلورت في شكل منظومة عمل جماعي ومتفرد بمثل عظمة ثورة ديسمبر المجيدة لتكون دعماً لإعادة بناء القطاع على أسس عالمية، كجزء من المساهمة في دعم الفترة الانتقالية، وقفت أمامها العديد من المعوقات، سيتم سردها بالتفصيل في هذا المقال. 

بيروقراطية موروثة 

العائق الأساسي أمام هذه الجهود تمثَّل في بيروقراطية الدولة المورثة من منظومة الإنقاذ الفاسدة، التي كانت تعتبر هذا القطاع ملكاً خاصاً لها ولعضويتها. ايضاً الوزراء الثلاثة الذين تولوا المسؤولية في الحكومات التي شكلها الدكتور عبد الله حمدوك (التكنوقراط الأولى والثانية التي شُكلت بناءً على المحاصصة الحزبية، ومع الحركات المسلحة الموقِّعة على سلام جوبا) لم يتمكنوا من الاستفادة المثلى من هذه الطاقات، من خبراء وفرق عمل كاملة قدمت لهم أطروحات في شكل تطوعي بالكامل، تحدثت عن حلول جذرية، بنت خططاً كانت لتُحدث تغييراً منهجياً وجذرياً في سبيل تطوير هذا القطاع الحيوي إن تم استيعابها وتطبيقها. 

الطامة الكبرى 

هذا الفشل نتج من عدة عوامل سنتطرق إليها بالتفصيل لاحقاً، لكن الطامة الكبرى هي الإفشال الكامل لجهود الإصلاح والردة الكاملة، عن كل محاولات الإصلاح على شحها أتت مباشرة بعد الانقلاب العسكري، في 25 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أوكل قائده عبد الفتاح البرهان أمر قيادة الوزارة وشركاتها لطاقم عوض الجاز القديم، في اتساق مع ما شهدته البلاد بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول من ردة كبيرة، وإرجاع العديد من كوادر النظام القديم لتتحكم من جديد في مفاصل الدولة، وهم قد سعوا مباشرة إلى تدمير كل الجهود التي بُذلت سابقاً لإصلاح القطاع، بدءاً بالتخلص من القيادات ومجالس إدارة الشركات التي أتت بها الثورة.

 أيضاً تعيينات حمدوك بعد اتفاقه مع البرهان، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني أتت بكوادر غير مؤهلة لقيادة القطاع، حيث استخدم أعضاء مكتب حمدوك أسساً لا تمت للمؤسسية ولا الكفاءة بصلة، في تعيين وكيل مكلف أصبح لاحقاً وزيراً لحكومة الانقلاب، فقد سبق أن خدم هذا الوكيل المكلف كمدير لمكتب الوزير السابق جادين أحمد العبيد قادماً من خارج القطاع (قطاع التعدين)، وللأسف عمل هذا الوكيل المكلف حينها والوزير لحكومة الانقلاب على تنفيذ خطة تمكين مبنية على أسس لا صلة لها البتة بالأهداف التي سعت إليها مجموعات العمل المختلفة، الداعمة لتطوير قطاع الطاقة والنفط خلال المرحلة الانتقالية، وهذه المساعي بدأت من فترة عمله كمدير مكتب للوزير السابق جادين.

 أيضاً من أسباب الفشل في الاستفادة من هذه المبادرات وتطوير قطاع الطاقة والنفط الحيوي للدولة هو نتاج نتج عن ضعف متابعة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك لأداء الوزارات بشكل مباشر، وتوكيل الأمر إلى مستشاريه، ما أثر سلباً على توفير الدعم المناسب لخطط الوزارة وتقويم أنشطتها وربطها بالقطاعات والوزارات ذات الصلة المباشرة بأدائها. 

ايضاً فشلت الحاضنة السياسية ممثلة في قوى الحرية والتغيير في توفير غطاء سياسي لتطوير أداء الوزراء، بل لفترة لم تتحمس وتدعم فكرة المجالس الاستشارية التي كان يمكن أن تطور من أداء الحكومة الأولى وترفدها بكوادر بشرية مؤهلة لدعم قطاع الخدمة المدنية المدمر.

 تمت عملية الرفض والمماطلة بدون تقديم تبريرات، ما أتاح لمستشاري حمدوك الاستفادة القصوى من هذا الرفض، والسيطرة الكاملة على القرارات والأداء الحكومي، وعند إقرارها المتاخر بها للأسف لم تُسهم قوى الحرية والتغيير في تنفيذها، وأتاحت لوزراء المحاصصة من الحركات المسلحة والأحزاب حرية الحراك بافتراض أن الوزارات حق حزبي أو للجهات التي أتى منها الوزراء، ما أضر بالأداء الاستراتيجي للحكومة، وفي العديد من الوزارات، وبالأخص وزارة الطاقة والنفط.

في النهاية يمكننا أن نسرد أسباب الفشل على هذا الشكل:

1- استعانة الانقلاب بكوادر النظام القديم طامة كبرى. 

2- اعتبار منظومة الإنقاذ الفاسدة قطاع النفط ملكاً لعضويتها.

3- وزراء الثورة لم ينفذوا تغييراً منهجياً ولم يستفيدوا من الخبراء. 

4- متابعة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كانت ضعيفة جداً، ولم تتحمس للمجالس الاستشارية في البدء ولم تدعمها.

5- الوكيل المنوط به تنفيذ خطة التمكين كان من خارج القطاع والتعيينات أتت بغير المؤهلين.

6- إهدار الجهد الذي قامت به الكوادر المؤهلة والمتطوعة، والتي بذلت جهوداً مخلصة لتطوير النفط والغاز والطاقة.

 في المقال القادم سأتحدث عن تجربة الغاز الطبيعي وتوسعة استخداماته، حيث إن هذا الجانب هو الذي عملت عليه شخصياً كمستشار للشركة الوطنية للبترول (سودابت)، وللوزارة كمتطوع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نمر عثمان البشير
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر. مدير مختبر توصيف الوقود الذي يدعم البحث وتقديم الخدمات في مجال الوقود الاصطناعي والمواد الكيميائية التي يتم استخلاصها من الغاز الطبيعي. ويتعاون الدكتور البشير مع كبرى الشركات العالمية مثل توتال وشل وجنرال إلكتريك (النفط والغاز) وأوريكس جي تي إل وشركة قطر للإضافات البترولية المحدودة (كفاك) والخطوط الجوية القطرية وغيرها.
تحميل المزيد