جلسات النميمة والحساسية المفرطة والتباهي الزائد.. نبذة عن الأمراض الاجتماعية في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/02 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/02 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
iStock

جلسة عائلية ليلة صيف، سألت إحدى قريباتي البعيدات عن عملها، أجابت: "أخصائية نفسية بالمدرسة".
ادعيتُ المعرفة لكن أمارات الجهل أبت إلا الظهور على وجهي، ردت: "يبدو عليكِ الجهل"، وأخذت تشرح طبيعة عملها، ما زلت أتعجب من وجود هذه المهنة بمدرسة حكومية للفتيات، ومن عدم تفعيلها في سائر المدارس والمصالح الحكومية والخاصة، شأنها شأن الأخصائي الاجتماعي بل وأشد خطورة، تفاصيل تلك الليلة لم تُمحَ من ذاكرتي رغم مرور ما يقارب من 10 سنوات، ما زلت أفكر في الأخصائي النفسي وفكرة التوجيه النفسي في مصر بشكل عام، معضلة نعيش عواقب تركها مُعلقة يومياً.

الدول العربية لا ينتشر الوعي النفسي بها بدرجة كبيرة، إما للظن بأن الدين يحل محله ويغني عنه، أو افتراض أن من يلجأون لطبيب أو معالج نفسي إما مجانين أو مختلون، أو الجهل بمرض النفس وتوعكاتها وتأثير ذلك على تعاملات الناس مع بعضهم البعض بوجه عام.

نتيجة لقلة التوعية النفسية أصبحنا نعاني من قصور النضج النفسي، ممارسات خاطئة منتشرة، سوء استخدام السلطة، قلة تقدير للآخر وخلافه، أبرز معالمها نسردها هنا:

آسف 

الكلمة الأكثر ثقلاً على ألسن المصريين خصوصاً والعرب عموماً، عكس الثقافة الغربية المُعتذرة وقت الغضب والضرر والسوء -وإن لم يكن صادراً من المعتذر نفسه- خليط الإحساس المبالغ به بالقيمة، وقلة التقدير للآخرين، وضعف الثقة بالنفس، وعدم الوقوف على أرض صلبة يجعل الاعتذار مُذل مُهين، الحياة ليست معركة ولا صراعاً لكن الفساد السياسي والخلل المجتمعي يجعل منها كذلك، الكل يسعى لفرض السيطرة حتى لو زائفة، والاعتذار يزعزع عروشهم المتخيلة.

مأساة الاعتذار الأكبر ليست في الخجل منه بل الجهل بالخطأ نفسه، في محيط العمل والحياة الأسرية الأغلب يسعى لتبرئة ساحته، مثل: لعبة الكراسي الموسيقية، المهم أن أجلس وليحترق الواقفون، حضرت اجتماع عمل مرة وأخذ أحد الحضور يكيل الاتهامات لي على خطأ مُتوهم، أخذت أحضر الأدلة للرد، وأطالبه بإثبات، لكن هيهات العبرة بمن تحدث لا بمن فعل، بالطبع لم يخطر له الاعتذار بعدما ثَبُت خطؤه، ولا يزال هذا ديدنهم، لا يهم أن تكون صحيحاً بل المهم أن تعرف كيف تُخطّئ غيرك.

أمر آخر يؤدي لمشاكل جمّة بالتعاملات ألا وهو الشعور بالاستحقاق. 

الشعور المفرط بالاستحقاق

مزيج من الأنانية والمبالغة بتقدير الذات وضيق الأفق، نظرية أخرجت دعوات "سيستجيب" بصفحات فيسبوك، قول على الله بغير حق، وافتراض حقوق، والحياة بكل ما فيها فضل ومنة من الله لا أكثر، الأمر يصل هنا لمداه الأعلى، أما الأدنى فيظهر باستغلال الناس وفرض النفس عليهم وافتراض انسياقهم وراء رغبات المُستغل، إما لافتراضه الذكاء في نفسه أو السذاجة بهم، لا يوجد تقدير حقيقي للحدود النفسية والاجتماعية -أنا وأنت- الحدود ليست حواجز بل أمر أساسي لا تستقيم حياة من دونه.

ومما يزيد الطين بلة، أن يتزامن الشعور المفرط بالاستحقاق مع الحساسية النفسية. 

الحساسية المفرطة 

الصورة الداخلية للشخص غير مستقرة، يكونها من آراء الآخرين ونظرتهم، نظرة تكتسي بطبعهم ومصالحهم وموقفهم منه -والحياة ليست على وتيرة واحدة- الحساسية المفرطة عواقبها وخيمة، من شد وجذب وتأثر وتأثر مُفرط، أبلغ الأمر أن نقتضي بقول الإمام علي كرّم الله وجهه:" لا تدع جهل الناس بك يغلب علمك بنفسك"، أنت من أنت؟ بعيداً عن الناس دون مؤثرات، لا أحد يسمع حوارك الداخلي سواك، إن لم تصدق نفسك لن تصدق أحد.

ما مدى تأثير الثقة بالنفس على العلاقات
الصحة النفسية ضرورية من أجل الإبقاء على علاقات شخصية سوية – iStock

والأدهى عندما يجتمع الشعور المفرط بالاستحقاق مع الحساسية المفرطة تجد شخصية الطفل المدلل واهم، يرى الحياة غرفته والناس خدامه، ينتظر حماية الأب وعطف الأم، والحياة ليست أباً ولا أماً والناس ليسوا مجبرين حقيقةً.

هذا الطفل حينما يخترق سوق العمل يصبح خارج السياق.

خارج السياق 

من لم يحسن المقال ومعرفة المقام، يمرح وقت العزاء، يضحك وقت الشدائد، ويسخر من الجدية، الحياة عنده مهزلة مستمرة، المهم أن يكون سعيداً وليحترق العالم، كثيراً ما وُصف الشعب المصري بـ"ابن نكتة"، وقالوا: "شر البلية ما يُضحك"، أمر مشين، لا تستوي الحياة هكذا، للجدية وقتها وللهزل وقته، والجمع بينهما لا يصلح دوماً، الخفة مؤذية مُعطلة.

وأكثر ما يؤذيني على المستوى الشخصي هو.. 

التهويل وأهله

السعي الحثيث لحيازة الانتباه مع قلة الخبرة وضعف الشخصية العوامل الأساسية للتهويل، لا أساس سوياً ولا ميزان منضبطاً للأشياء، القلق يكون من نصيب العاقلين، من يأخذوا كلام المهولين بجدية، يحرقوا وقتاً وجهداً بلا طائل حرفياً، وللأسف المهولون ينجحون عادةً في اجتذاب الانتباه، ونأمل أن تفسد طرقهم مع الوقت.

التباهي

جلسات النميمة وحسابات الإنستغرام وإخوانه فرضت التباهي فرضاً على المجتمع العالمي، تباهٍ في المأكل والملبس وأماكن السفر وخلافه، مباهاة من يتاجروا بحياتهم الخاصة على من باعوا أعمارهم وانساقوا وراء التريند بلا وعي، إحجامك عن التباهي من أقوى مجاهدات الذات، ألم يقل الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من خردلٍ من كبرٍ ولا يدخلُ النَّارَ من كانَ في قلبِه مثقالُ حبَّةٍ من خردلٍ من إيمانٍ"، وما التباهي إلا وليد الكبر -عافانا الله وإياكم- وما هو إلا نتاج طفولة نفسية.

وهذا غيض من فيض ما ورد علينا من معضلات النضج النفسي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

روان إدريس
مهندسة مصرية
تخرجت في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا قسم الهندسة المدنية عام ٢٠١٩، شاركت في العديد من الأنشطة والفعاليات العلمية والثقافية، منها: مؤتمر الـACI بالولايات المتحدة الأمريكية
تحميل المزيد