المعايير الغربية لا تنطبق على الجميع.. هكذا جمعت الصين بين الاستبداد والتقدم الاقتصادي

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/02 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/02 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ/رويترز

أنظمة الحكم هي تلك القواعد والقوانين السياسية والاجتماعية والقانونية التي تعمل على تسيير شؤون الدولة والمواطنين بشكل ثابت، أو هي مجموعة الأحكام التي اصطَلَحَ واتفق شعبٌ ما على أنها واجبةُ الاحترام وواجبةُ التنفيذ؛ لتنظيم الحياة المُشتَرَكة.

تعمل الأنظمة على خلق توازن بين المدخلات والمخرجات وبين أعلى الهرم وأسفله، ولا وجود لنظام بدون دولة، فالدولة في تعريفها التقليدي هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معين، وبالتالي الدولة هي كيان ثابت لا يتغير، ولكن النظام السياسي متغير.

وتتحكم في تحديد نوع النظام النخب السياسية، أي يختلف باختلاف المجتمع ومقوماته، وحتى تاريخه، وتعتبر الأنظمة الشمولية شكلاً من أشكال الحكومات أو الأنظمة، وفي تعريف لها هو النظام الذي لا يسمح نظرياً بالحرية الفردية، ويسعى إلى إخضاع جميع جوانب الحياة الفردية لسلطة الدولة.

ويقول مؤسس الحزب الإيطالي الفاشي، بينيتو موسوليني، الذي صاغ مصطلح "توتاليتاريو" في أوائل عشرينيات القرن العشرين، والذي يعبر عن الشمولية، وصاغه لوصف الدولة الفاشية في إيطاليا، ملخِّصاً الشمولية "كل شيء داخل الدولة، لا يوجد خارج الدولة، ولا شيء ضد الدولة".

كل شيء داخل الدولة، أي وحدها الدولة قادرة على صياغة السياسات والقرارات وفق معطياتها الداخلية، ولا تحتاج لمقترحات نابعة من خارج إطار الدولة، وبالتالي الدولة هي المتحكمة في جميع المسائل الاقتصادية والسياسية.

 لا يوجد ما هو خارج الدولة، لأن هذه الأخيرة صندوق مغلق لا يتأثر، ولا يؤثر في الخارج، ولا يتلقى أفكاراً من الخارج. 

وبـ"لا شيء ضد الدولة" يقصد غياب أية معارضة داخلية للنظام أو للدولة، ويُصبح واجب المواطن تجاه الدولة هو مركز تفكير المجتمع. بالتالي الأنظمة الشمولية تمنع أية معارضة، سواء من طرف المواطنين أو السياسيين، وهذا ما ينتج عنه غياب أحزاب معارضة وغياب المجتمع المدني.

بذور الشمولية

يمكننا القول إنه مع بداية الحرب العالمية الثانية أصبحت الشمولية مرادفاً لحكومة الحزب الواحد المطلقة والقمعية. ومن الأمثلة الحديثة الأخرى للدول الشمولية الاتحاد السوفييتي تحت حكم جوزيف ستالين، وألمانيا النازية في ظل أدولف هتلر، وجمهورية الصين الشعبية تحت حكم ماو تسي تونغ، وكوريا الشمالية في عهد أسرة كيم.
أغلب الكتابات الأوروبية الغربية تنظر إلى الحكم الشمولي على أنه نقيض الديمقراطية، وتعتبره أحد أشكال الديكتاتورية. كما يصف المفكرون الغربيون الأنظمة الشمولية بالأنظمة الفاشلة وأنظمة قابلة للسقوط وللزوال بسرعة.

لكن ألا توجد أنظمة شمولية ناجحة؟ 

يعتبر النظام السياسي الصيني من أشهر الأنظمة الشمولية وأقدمها، حيث يحكم الحزب الشيوعي الصيني منذ أكثر من 63 عاماً، ويتجاوز عدد أعضاء الحزب الشيوعي 70 مليوناً، وهو ما يجعله أكبر حزب سياسي في العالم.

ورغم وجود أحزاب أخرى أو أطراف مختلفة، لكن في الحقيقة الحزب الشيوعي الصيني هو الذي يقود البلاد، وبالتعاون مع ثمانية أطراف أخرى فقط لمناقشة وإدارة شؤون الدولة.

إن النظام الحزبي الصيني مختلف عن باقي الأنظمة في الدول الأخرى، ولكنه يعبر بشكل صارخ عن نظام سياسي شمولي، ولكن بخصائص صينية.

ومن المقومات الأخرى التي تُميز نصف النظام الصيني الأيديولوجية، فوجود طريقة تفكير معينة تتحكم في جميع جوانب الحياة من الخصائص الأساسية للأنظمة الشمولية.
وتعتبر الأيديولوجية الصينية، وخاصة السياسية، ثابتة بشكل كبير منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وتعتبر أهم أهداف وأسس أيديولوجية الصين قائمة على تطبيق نظام اجتماعي شيوعي، وقيادة وتوحيد أبناء مختلف القوميات في البلاد، والاهتمام بالبناء الاقتصادي بشكل مركزي، والإصلاح والانفتاح، والاعتماد على الذات والعمل الشاق، والكفاح في سبيل بناء دولة اشتراكية حديثة قوية غنية وديمقراطية ومتحضرة. 

ولهذا نلاحظ براغماتية الصين في تعاملاتها الخارجية وتقديسها للعمل الشاق الذي سهّل مهمة صعودها الاقتصادي الكبير كأقوى الدول المصنعة والمنتجة.

إن الطرق الاستبدادية التي تمارسها الصين لم تتغير، ولكن تطوّرت على مر السنين، وتغيرت لتصبح مختلفة ومواكبة للرقمنة والتطورات التكنولوجية، ونقلاً عن موقع "سبوتنيك" تقول إحدى المسنات التي تدعى جيانغ هونغ، وتبلغ من العمر 75، إنها عاصرت فترة الستينات، وإن الأشهر الماضية التي عايشوها في الصين كانت مثل الحياة في عصر الزعيم ماو تسي تونغ، حيث كان يتم الاعتناء بكل شيء، لكن لم يكن هناك الكثير من الخيارات، وأضافت أن المسؤولين استخدموا الهواتف الذكية بدلاً من مكبرات الصوت لتوصيل رسالتهم. لكن لم يعد الناس يعتمدون على قسائم الطعام المستخدمة على نطاق واسع في الصين خلال الستينات لشراء الضروريات.
إن هذا النموذج الحالي ما هو إلا نسخة حديثة من الضوابط الاستبدادية المركزية التي تم وضعها في الصين منذ عهد أسرة تشينغ، وبالتالي فإن النظام الشمولي في الصين لم يتغير، بل فقط تغيرت الطرق والأساليب.

هل أعاق هذا النظام الاستبدادي تقدم وتطور الصين؟ 

إن المرحلة البارزة في تاريخ الصين التي شهدت فشل النظام الشمولي كانت بداية من خمسينات القرن الماضي، حيث شهدت الصين على واحدة من أكبر الكوارث التي مرت على البشرية في القرن العشرين، والتي تجسدت في محاولة من جانب الزعيم ماو تسي دونغ، لتصنيع الاقتصاد الصيني، الذي كان يعتمد على الزراعة، ولكن المشروع فشل وأدى إلى موت من 10 إلى 40 مليوناً في الفترة المحصورة بين عامي 1959 و1961، فيما تعتبر واحدة من أسوأ المجاعات في التاريخ الإنساني. ولكن بعد وفاة ماو في عام 1976، بدأت الإصلاحات التي قادها الزعيم دنغ شياو بينغ.

لكن هذا التغيير لم يكن شاملاً فلقد حافظت الصين على نظامها السياسي كما هو، ولم يتطلب الأمر إلا أقل من 70 عاماً، لتحول الصين من دولة معزولة إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم، حيث تم فتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية وتغيّر النظام الاقتصادي الصيني وأصبح أكثر انفتاحاً، وأدت الإصلاحات الاقتصادية إلى تحسين مستوى المعيشة للملايين من الصينيين.

يقول البنك الدولي إن أكثر من 850 مليوناً من الصينيين تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر، وإن البلاد تسير حثيثاً للتخلص من الفقر بشكل كلي، وخلال 2018 تراجع معدل البطالة في الصين إلى 3.8% مقابل 3.9% في 2017.

ووفرت الصين حوالي 13.61 مليون فرصة عمل جديدة في 2018، ومن ناحية أخرى تسارعت مستويات التعليم بشكل هائل. ويتوقع بنك "ستاندارد تشارترد" أن 27% من القوة العاملة في الصين ستحظى بتعليم عالٍ جامعي بحلول عام 2030.
وبحسب إحصاءات أخرى نشرتها شبكة "بي بي سي" البريطانية فإن الصين استطاعت أن تتفوق على اليابان وبريطانيا في نسبة الناتج المحلي الإجمالي، حيث أصبحت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من 2010 إلى 2019.

أما من الناحية العسكرية، فلقد تخطت ميزانية الصين العسكرية 170 مليار دولار عام 2018 بعدما بلغت 77 ملياراً فقط عام 2007. وارتبط بالزيادة العسكرية زيادة أعداد الجنود ليتخطى المليونين، بالإضافة إلى تأسيس الصين أول قاعدة عسكرية بالخارج ومقرها جيبوتي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وحسب تقرير نشرته وزارة الدفاع الأمريكية تسعى الصين لتطوير قاذفات "ستيلث" متوسطة وطويلة المدى قادرة على ضرب أهداف إقليمية وعالمية، وقد تدخل حيز الوجود بحلول عام 2025 تقريباً.

كل هذه المؤشرات السابقة تثبت أن النظام الصيني الشمولي لم يكن فاشلاً، بل كان سبباً في الخروج من عدة أزمات أهمها أزمة وباء كورونا الحالية، والتي أبرزت فيها الصين قدرة كبيرة في السيطرة على انتشار الفيروس. 

تجربة ناجحة

الشمولية الصينية تعتبر تجربة ناجحة نسبياً، ومن الممكن أن نعتبرها سبباً في تقديم دفعة قوية للدولة، فرغم السلبيات الكثيرة للأنظمة الشمولية بصفة عامة، فإن هذه الأخيرة تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شروق مستور
كاتبة وباحثة جزائرية
طالبة جزائرية بكلية العلوم السياسية ومتخصصة في العلاقات الدولية
تحميل المزيد