كنت أظن أني وصلت، لكن الحقيقة أني بدأت بالفهم، فرحلة الوعي تبدأ ولا تنتهي.
قد يبدو المقال للوهلة الأولى بعد قراءة سطوره أنه غامض وعميق غير واضح، وليس مفهوماً، وكأني أتحدث بطلاسم معقدة، لا بأس، لعلك تدرك ما أعنيه لاحقاً.
في البداية دعني أخبرك أن الوعي الذي أتحدث عنه في مقالي ليس هذا المصطلح المتعارف عليه، والذي يشير إلى العقل أو هو أن تكون شخصاً ناضجاً ومثقفاً وفاهماً لمجريات الأمور والأحداث من حولك، ما أقصده بالوعي هنا هو ذلك الشعور الذي يجعلك شخصاً مختلفاً عن الآخرين، حيث ترى كل الأشياء من منظور آخر، وتصبح رؤيتك للحياة بشكل أعمق، وقدرتك على تحليل كل أمر بفلسفة ومنطق مختلف، فهو شيء داخلي نابع من القلب والروح.
الوعي ذلك الشيء الذي يعود بك إلى أصل الأشياء، إلى فطرتك التي فطرك الله عليها قبل التزييف بفعل الأحداث الخارجية، ويجعلك شخصاً حقيقياً وصادقاً، لكن المرور برحلة الوعي ليس بالأمر السهل، فلا يزال الوعي أمراً محيراً ومثيراً للجدل، كونه أكثر الجوانب أُلفة وأكثرها غموضاً في حياتنا.
منذ صغري لم أعتَدْ على الأمور الروتينية المبتذلة، ولم تستهوني الأشياء العامة التي تعجب الكثيرين، كالاستماع إلى أغنيات من لون معين، ولم تبهرني الشخصيات المشهورة التي كانت تنال إعجاب كثير من فتيات جيلي ذلك الوقت إلى حد الهوس، كنت أراها مجرد تفاهات، وهراءً لا يستحق كل هذا الاهتمام.
حتى في دراستي كانت طريقة تفكيري مختلفة، فلم أقضِ ساعات طويلة في الدراسة، ولم أرهق نفسي للحصول على معدلات عالية، فكنت أكتفي بدرجة النجاح المعقولة، فكانت نظرتي للشهادة العلمية مجرد تحصيل حاصل.
كنت أمارس هوايتي في قراءة الروايات وكتابة النثر والرسم، وكنت أشارك في العديد من مسابقات الرسم، وأحصل على جوائز، وكنت أشارك في فعاليات وأنشطة المدرسة.
فكنت دائماً أشعر بأني مختلفة عن الآخرين في عدة مواضع، أشعر بقيمة نفسي، وأرى أن هناك في هذا العالم أشياء تستحق الانتباه أكثر من الماديات والمظاهر المنتشرة، كنت دائماً على يقين أن هناك شيئاً يلوح في الأفق.
كنت وما زلت أكره الالتزام والنظام والقوانين الصارمة والمنظومة المجتمعية وبعض العادات والتقاليد غير المدروسة عن فهم، فهي مجرد تلقين لا أكثر.
كنت أرفض أن أتلقى أي معلومات دون التفكير والتمحيص، فأنا أفكر كثيراً وأقوم بالتحليل وأدون تساؤلات لأجد بعض الإجابات المنطقية والشافية، فلا أنظر إلى جميع الأمور على أنها مسلَّمات.
رغم ذلك في بداية طريقي عشت حياة طبيعية في الظاهر، التزمت بتحقيق أولويات السلم المجتمعي (دراسة، عمل، زواج، أطفال)، لكني لم أحظَ بحياة اجتماعية سعيدة، فقد قررت الانفصال رغم كل الصعوبات والعقبات التي كانت بانتظاري.
في حقيقة الأمر هذا السلم المجتمعي أحد أنظمة المجتمع السائدة التي سلمنا بها وجزمنا يقينا على أنه أمر مؤكد لا يقبل التغيير، ومن يعجز عن تحقيقه يُصنف على أنه فاشل أو شخص ناقص، أتساءل ماذا لو تغيرت المعادلة وتغير ترتيب الأولويات، ويسعى كل شخص لتحقيق ما يمكن إنجازه بعد علم وتخطيط مسبق حتى لو كان الوقت متأخراً؟!
عموماً، الحديث عن أنظمة وقوانين المجتمع السائدة يحتاج إلى عشرات المقالات، وهذا ليس محور حديثي في هذا المقال.
لكن ما علاقة هذا برحلة الوعي التي بدأتها؟
إن التجارب القاسية والظروف الصعبة التي نمر بها في حياتنا من أقوى الدوافع التي تجعلنا نقوم برحلة الوعي.
فاللحظة التي لا تستسلم بها للحزن والضعف هي تلك اللحظة التي يقودك عقلك فيها للقيام برحلتك دون أن تشعر، فربما تردد على مسامعك أنا قوي أنا قادر على المواصلة والتحدي، فأنت بذلك تبني نفسك من جديد.
ولكن هذا ليس كل شيء، وليس كل شخص قادراً على فعل هذه الأمور، فهناك من يصاب بالإحباط والاكتئاب ويحتاج إلى وقت طويل للتعافي.
وهناك أشخاص آخرون لا يستقر الحزن والضعف معهم سوى أيام، ومن هنا يكون شعورك بالاختلاف، فربما إحساسك بداخلك منذ صغرك بالقوة والتميز والاختلاف هو ما يجعلك دائماً في حالة رفض لكل شيء غير متناغم مع روحك، ويجعلك في حالة تمرد لكل شيء يهدد أمنك وسلامك الداخلي.
شعورك بالاختلاف يجعلك في بحث دائم عن نفسك وكينونتك الداخلية، لتبقى على اتصال دائم معها، لأنها مصدر قوتك تجاه العالم الخارجي.
ومن هنا بدأت عملية البحث والانطلاق في رحلة الوعي، فلقد بحثت طويلاً وقرأت بنهم كطفل تائه يبحث عن شيء فقده أو شخص ضال يبحث عن طريقه، أبحرت في مواقع ومنصات إلكترونية كثيرة، وقرأت كتباً عديدة منها كتاب (كن أنت) للدكتور إيهاب حمارنة، أحد أكبر معلمي الوعي والروحانيات حول العالم، وكتاب (قوّة الآن) دليل التنوير الروحي للكاتب إيكهارت تول، وكتاب (تجاوز مستويات الوعي) للدكتور ديفيد هاوكينز، معلم الوعي المتقدم، ويدعو إلى استكشاف تعابير الأنا وكتاب (السر) للكاتبة روندا بايرن، ومجموعة مقالات وعشرات مقاطع الفيديو لبوب بروكتور، مؤلف ومتحدث تحفيزي، وتحدث عن قوة قانون الجذب، وشاركت بحضور العديد من الكورسات أونلاين لأشخاص لهم تجارب سابقة في رحلة الوعي، كانت بمثابة عصارة سنوات من رحلتهم المثيرة.
كنت على اطّلاع مستمر على علوم الطاقة وعلوم التكوين والوجود والأنطولوجيا وقوانين الكون والميتافيزيقيا وأبعاد الكون، والحضارات القديمة وعلومها السرية إلى جانب السيكولوجية الحديثة والتصوف والزهد وقمة الأداء والريادة، ترددتْ على مسامعي الكثير من المصطلحات، مثل: المانترا، التوكيدات، الإيجو، الخيميائيات. ولم يكن البحث لمساً سطحياً، بل غوصاً مستمراً، مارست اليوغا والتأمل والعزلة، واتّبعت تقنيات التنفس، فأنفعل لقوى وطاقات جديدة، وأتبحر في كل التفاصيل، وأفهمها بوضوح، وأنتزع منها القدرة على الإدراك والوعي وتكشف الحقائق.
رحلة الوعي ليست فقط هي اكتشاف ذاتك وأن تكون على سجيتك، رحلة الوعي هي رحلة التعافي من الماضي، هي رحلة التشافي والتسامح والغفران والتخاطر والسلام الذاتي، هي رحلة التحرر من المعتقدات المتأصلة في دواخلنا، هي رحلة تجعلك على اتصال دائم مع الله والاستشعار بوجوده، وهي رحلة الاتصال مع الطبيعة، رحلة الوعي تجعلك ترفض التعلق، وتُمكنك من التخلي عن كل الأشياء والأشخاص التي قد تؤذي قلبك، رحلة الوعي تجعلك في إدراك تام حول قيمة الكنز الدفين وقوتك الداخلية الساحرة في تحقيق جميع أهدافك، فهي تفتح أمامك بوابات من النور، تشعر وكأنك منفتح على عوالم أخرى، وتشعر وكأن الكون كله مسخر لأجلك.
رحلة الوعي هي البداية حين تظن أنك قد وصلت.. قرِّر الآن لتبدأ!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.