لطالما صحوت على مظهر اللون الثلجي وهو يطغى على كل شيء حولي، التلال.. والأزقة.. أوراق الشجر.. نوافذ المنازل كلها قد ارْتَدَت اللون الأبيض.
ما زلت أذكر شاشة التلفزة وهي تعرض مشاهد الثلوج من أنحاء المُدن مع أغنية فيروز "ثلج ثلج عم بتشتي الدنيي ثلج" وكان ذلك قبل زمن.. قبل الحرب.. قبل النكبة.. قبل الخيام وقبل الألم.
أما وأن الكارثة قد حدثت، فبات كل شيء مُختلفاً!
فعذراً يا فيروز.. فأغنيتك لم تعد تُطربنا، واللون الأبيض المريح بات في عيوننا لوناً يدل على المأساة، يدل على صوت امرأة تستغيث، وطفل يرتجف، يدل على خيمة أسقطتها عاصفة ثلجية.
عذراً يا فيروز.. فالدب الثلجي صاحب الابتسامة والأنف الطويلة البرتقالية، أصبح وحشاً يأكل منّا بشكل مفترس.
عذراً يا فيروز.. فالشاشات مشغولة بصور الخيام التي أسقطتها الثلوج، ومشغولة أيضاً بصوت لا يشبه صوتك الجميل، لكنّه نكأ فينا كل الجروح، وهيّج كل الأشجان، صوت مُسنّة تقول: "انقلوني على بيت مشان الله".
عذراً يا فيروز.. هذا الصباح لم يستطع أحدٌ الخروج ليلعب بالثلج، الجميع كان منهكاً من أثر ليلة لم ترحم كهلاً ولا طفلاً ولا مريضاً ولا حتى صحيحاً.
عذراً يا فيروز.. لأنني لم أستطع تأمُّل الثلوج مع صوتك، كنت أتأمل وجوه العابرين المتعبة من شدة الكارثة، وجوه العابرين المنهكة من شدة التعب، وجوه العابرين التي تحمل رسائل عتب كبيرة على الأيام.
عذراً يا فيروز.. عذراً على هذه الصراحة التي أعلم يقيناً أنك لن تقرأيها ولن تصلك حتى، لكن الراحة قد تكون أحياناً على هيئة كلام.
عذراً يا فيروز.. فإن رياح الأيام المريرة تلفحنا من كل جانب، حتى بات كل شيء رماديّاً في عيوننا، ولم تعد تسعدنا التفاصيل القديمة، بل إنها في بعض الأحيان تتحول إلى غصّة تخنقنا، وتحبِس أنفاسنا.
عذراً يا فيروز.. فإن الأيام الجميلة مرّت سريعاً كأنها مشهد قصير أُخذ من فيلم حكايته حزينة.
عذراً يا فيروز.. فأغنيتك لم تعد تُطربنا.
عذراً يا فيروز.. إلى هنا يكون قد طُفئ ضوء الشمعة، وسأقوم لأفتح باب خيمتي لأنظر هل ذاب الثلج أم أن الكارثة لا تزال مستمرة.
عذراً يا فيروز..
رسالة عُذر من أحد سُكان الخيام إليك يا فيروز
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.