يكاد الجميع يتفق وهو ينعى المخرج السوري المعروف بسام الملا على "صيغة موحدة" في عنوان ومضمون خبر الرحيل، وهو ضرورة الإشارة إلى مسلسل "باب الحارة"، وكأن سيرة الرجل لم تعرف سوى هذا العمل وما رافقه طوال سنوات إشراف الملا وشركته "ميسلون" عليه.
وطبعاً لا بد من ذكر هذا التفصيل "المهم" كي لا يقع اللَّبس بين نسخة "باب الحارة" الكلاسيكية والنسخة الأخرى التي كسبتها شركة إنتاج سورية ما زالت مصرة على "استباحة" ما بقي من شخصيات وأسماء ذلك العمل، الذي إن شئنا أو أبينا لا بد أن نقر بأن أجزاءه الأولى كانت محكمة وحصدت نجاحاً مذهلاً قبل أن يتحول للدجاجة التي تبيض ذهباً، ليس لبسام الملا وأبطاله فحسب، بل لشبكة إم بي سي السعودية، التي ظلت حريصة على "ابنها المدلل"، سواء من حيث توقيت العرض/الذروة "المقدس" حينها، والذي حرمت منه أسماء عربية لامعة نذكر منها "الزعيم" عادل إمام حين كان متعاقداً معها آنذاك، وأيضاً السعودي ناصر القصبي.
وهنا لا بد أن نشير إلى "تغاضي" النقاد ومهاجمي "باب الحارة" حينها عن تلك النقطة، سواء عن قصد أو غير قصد؛ فالمسلسل كان يحظى بعناية "خاصة" حتى في أحلك الفترات التي مرت بها الدراما السورية، ومنع بث مسلسلاتها عربياً، وشخصياً كنت من أوائل الذين تساءلوا حينها: لماذا "باب الحارة" بالذات يستثنى من بين الجميع؟
قد يرد البعض بأن للأمر علاقة بالعائد المادي، لا سيما أن الشبكة السعودية حصدت من ورائه أرقاماً غير مسبوقة من حيث الإعلانات؛ لكن العلاقة بين شركة "ميسلون" تحديداً التي يملكها بسام الملا وإم بي سي ظلت متينة، حتى بعيداً عن "باب الحارة"، والدليل أنها أشرفت وعرضت مسلسل "سوق الحرير" بجزئيه الأول والثاني مؤخراً في توقيت مميز جداً، رغم أن أحداثه بطيئة للغاية، والحبكة الدرامية بدت غير متماسكة وبعيدة عن التشويق كما عوّدنا بسام الملا، سواء كمخرج أو حتى مشرف فني.
أعمال مبهرة غير "باب الحارة"
ودعونا نتوقف عند نقطة "الحبكة الدرامية" والحكاية المشوقة التي امتاز بها المخرج، الذي يحمل لقباً معبراً في الوسط الفني السوري وهو "الأغا"، نعم استحق ذلك بالتدقيق في مشواره الذي بدأ بمسلسل "الخشخاش" سنة 1991، عن نص فؤاد شربجي، وبمشاركة الفنانين عباس النوري وأيمن زيدان وسلوم حداد وغيرهم، ثم مر بعدها بتجربة خاصة موجهة للأطفال في مسلسل "كان يا ما كان" في جزئين.
والغرض الرئيسي من النبش في مسار "الأغا" هو أننا أمام مخرج له تجارب أخرى مهمة، ومن الإجحاف أن نختصر مشواره الفني في "باب الحارة"؛ ولعل من الأعمال المميزة كذلك، والتي ضمّت نخبة من ألمع الفنانين السوريين وتصدى الملا لإخراجها مسلسل "العبابيد"، الذي جسدت من خلاله الفنانة رغدة شخصية "زنوبيا"، بالإضافة إلى مشاركة القديرة منى واصف، والراحل عبد الرحمن آل رشي، ورشيد عساف، وأسعد فضة، وسلوم حداد، والمخرج الرائع حاتم علي، وغيرهم الكثير، في عمل ملحمي اجتاح الفضائيات العربية خلال فترة عرضه سنة 1997.
وبالموازاة مع ذلك لا يمكن الحديث عن مشوار "الأغا" دون ذكر مسلسل "أيام شامية"، الذي شكَّل علامة فارقة في بداية ما يُطلق عليه دراما "البيئة الشامية" التي تُنسب للملا، ويصنف عراباً لها رغم حالتها المزرية اليوم، وشتان بين تلك الحقبة وبين ما أضحت عليه من تجنٍّ على التاريخ وتشويه وتكرار وإسفاف، فقط من أجل إرضاء بعض القنوات التلفزيونية التي تصر على "اختزال" الدراما السورية في ذلك النوع.
المهم كان مسلسل "أيام شامية" الذي أبصر النور سنة 1992 بمشاركة المبدعين خالد تاجا ورفيق سبيعي وناجي جبر وعدنان بركات وسامية جزائري وآخرين نقطة تحول كبرى، ومنه بدأ بسام الملا يخطو بثبات نحو التميز في سرد الحكاية الشعبية في قالب سلس ومشوق، يجذب الجمهور ومعه الفضائيات العربية التي بدأت تلتف لنوع جديد ومختلف يشد الأنظار إليه.
وعاد ليكرر التجربة وبصياغة جديدة في مسلسل "الخوالي"، الذي غزا الشاشات وصار الكل يبكي ويفرح لبطولات "نصار ابن عريبي"، الشخصية التي أبدع فيها النجم بسام كوسا.
وبعدها جاءت ثنائية عباس النوري وبسام كوسا لتحصد الإعجاب في مسلسل "ليالي الصالحية"، وبزغ نجم كاريس بشار في دور "سعدية" هي أيضاً؛ ليواصل "الأغا" حصد الأخضر واليابس، ويكرس اسمه ملكاً متوجاً في هذا المضمار؛ ليدشن "باب الحارة " في 2006 ويبدأ مساراً مختلفاً ودرباً جديداً سيرافق اسمه إلى الأبد.
رحم الله بسام الملا، الذي ترك بصمةً لا تُمحى في سجلات الدراما السورية والعربية.
فكان من الضروري أن نأخذكم في هذه الجولة لإنصاف مسار هذا المبدع، بعيداً عن خناجر العكيد "أبو شهاب"، ووصفات "الحكيم أبو عصام"، وشقاوة "النمس"، وعصبية "معتز".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.