فجأة، صار حديث الجميع، معارضون كانوا أم مؤيدون، لم يفت على أحد التعليق، علّق الجميع على تريند "أصحاب.. ولا أعز" سواء شاهدوه أو لا.
حتى مجموعة الأمهات الشهيرة على "فيسبوك" والتي انضممت إليها لتخفيف توتري كأم، لم يعد لعضواتها موضوع سوى الفيلم وقيمه وإمكانية مشاهدته من عدمه.
ما قصة "أصحاب ولا أعز"؟
يدور "أصحاب ولا أعز" -باختصار شديد- حول 7 أصدقاء قرروا أن يلعبوا لعبة، في أمسية نظموها ليلتقوا بعد غياب.
واللعبة هي أن يضع كل منهم هاتفه على الطاولة، ومع كل مكالمة أو رسالة تصل لهاتف أحدهم، تبدأ المجاهرة، فيتوجب أن يسمع المكالمة كل الحاضرين أو أن تقرأ الرسالة على الملأ، وهنا تبدأ الأقنعة في التساقط وتفضح الخيانة والكراهية والخداع وصولاً إلى اعترافات المثلية الجنسية.
"أصحاب ولا أعز" بطولة الممثلة المصرية منى زكي، أكثر من تلقى الانتقادات والاتهامات، وكذا الفنان إياد نصار، والمذيع عادل كرم، ودياموند بو عبود وجورج خباز وهو ملحن موسيقي شهير، والمخرجة نادين لبكي.
تحول "أصحاب ولا أعز" إلى "تريند" يستحق التأمل والتفكير، مع الوضع في الاعتبار أن تلك الأفكار ليست جديدة، وذلك الأداء ليس غريباً على منصة "نتفلكس" التي تقدم هذه الأفكار والرسائل بلا مواربة، وأبطال العمل يؤدون عملهم كما هو مكتوب، والعمل نفسه ليس جديداً، فهو نسخة طبق الأصل، بالعربية، من الفيلم الإيطالي "Perfect Strangers"، لذا يصبح من أين جاء كل ذلك الغضب؟
أسباب واهية!
لاحظت أن أحد أبرز الأسباب المعلنة للغضب هو ذلك المشهد الذي ظهرت فيه منى زكي وهي تخلع قطعة من ملابسها الداخلية وتضعها في حقيبة يدها، ولقطة أخرى توجه فيها لفظ بذيئاً لإياد نصار، كان مبرر الغاضبين:كيف يمكن لممثلة مصرية تنتمي للسينما النظيفة أن تفعل شيئاً مماثلاً؟
من هنا بدأت الثورة وبدأ الغضب الذي وصل إلى درجة الهجوم العارم على حسابات منى زكي وزوجها الفنان أحمد حلمي بمواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن الإعلامي عمرو أديب خرج ليصف ما يجري بحقهم أنه "حرام"، وقال: "أنتم ليه بيّاعين؟ إزاي في ساعتين ثلاثة تجردتم من كل الإنسانية وتقطعوا الناس كده! ده فيلم، ليه يتطلقوا والراجل يتهزق والست تتبهدل كده دول عندهم عيال".
تفاقم الأمر إلى الدرجة التي ثارت من بعدها شائعات عن وقوع الطلاق بين كل من منى ذكي وأحمد حلمي، وهو ما نفاه بعض الأشخاص المقربين بحسب تصريحات صحفية.
"أصحاب.. ولا أعز" لم يقدم أي جديد، "أصحاب ولا أعز" نفسه مجرد إعادة إنتاج لقصة تم إنتاجها من قبل بأكثر من لغة في أكثر من بلد، وأغلب من شاهدوه سبق لهم مشاهدته من قبل بصورة ما.
أما الأفكار المثيرة جميعها فقد سبق تنفيذها، خلع الممثلون، رجال ونساء ملابسهم الداخلية في أعمال سابقة مثل "السادة الرجال" حين كانت معالي زايد المحولة إلى ذكر تعرض إنجاز طبيبها أمام العالم، كذلك ميرفت أمين في "أعظم طفل في العالم"، وتكرر الأمر مع رجال مثل عادل إمام في "الأفوكاتو" وغيرها الكثير من الأفلام.
حسناً، ربما ليست مشاهد منى زكي وحدها هي السبب وإن كانت صاحبة النصيب الأكبر من الانتقادات لجنسيتها، لربما السبب الحقيقي هو تساهل الأب مع ابنته، لكن ذلك تكرر أيضاً من قبل في فيلم "إشاعة حب"، حين قام البطل بتقبيل البطلة أمام والدها، فما كان من الأب (يوسف وهبي) إلا أن ضحك وقال: "خدي بالك.. الواد ابن اخويا بيبوس عال طالعلي".
إذاً هي الألفاظ النابية والسوقية التي تكررت على مدار الفيلم، لكن حتى تلك سبق وتم تقديمها بأكثر من شكل، فالألفاظ الخارجة في الأفلام صارت منهجاً ثابتاً في السنوات الأخيرة، خاصة تلك التي تحظى بترحيب المهرجانات مثل "الماء والخضرة والوجه الحسن"، والذي ظهرت ألفاظه الخارجة من بداية الإعلان الترويجي، أو كتلك غير المسبوقة التي قدمها فيلم "18 يوم" للمخرج يسري نصر الله والذي تم منعه من العرض .
حتى العلاقات المثلية ليست جديدة، لن أذكر "عمارة يعقوبيان"، ولكنني سأشير لما هو أبعد، فيلم الأرض ليوسف شاهين حيث العلاقات المثلية وصلت مداها لتشمل امرأة بالغة مع طفل تارة، وشخص بالغ مع حيوان (حمار) تارة أخرى!
"فيلم سيئ بكل المقاييس السينمائية، مفيش حبكة ولا قصة ولا نهاية مقنعة ولا دراما ولا تشويق، حتى التمثيل كله شتايم وكذب فقط".
بهذا التصريح أعلنت الصفحة التابعة لموقع "إيجي بيست" الشهير لقرصنة الأفلام، على فيسبوك، موقفها من الفيلم وأبطاله، معتبرين أنه نقطة سوداء في تاريخهم.
"إيجي بيست" ليس وحده الذي أعلن غضبه، إذ بدأت الدعاوى القضائية تنهال من أجل وقف الفيلم في مصر، دعوات خلت من المنطق كتلك التي قام المحامي بالنقض، أيمن محفوظ، برفعها ضد الفيلم وضد وزارة الثقافة والمصنفات الفنية مطالباً بعدم عرض الفيلم جماهيرياً!
"أصحاب ولا أعز" صناعة لبنانية بالكامل ومن إنتاج "نتفلكس"، بحسب تصريحات خالد عبد الجليل، رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وبالتالي الفيلم ليس له علاقة بالدولة المصرية من قريب أو بعيد، ولم يعرض في مصر!
اختبار قوي!
بالتدريج تحول "أصحاب ولا أعز" إلى اختبار للمبادئ والأفكار وحتى المنطق، فعلى سبيل المثال الفيلم اختبر المبادئ الشخصية، وطرق التفكير المختلفة، لن أنسى ذلك التعليق لإحدى الأمهات التي كتبت عبر إحدى المجموعات المغلقة: "أنا بدأت أخاف على بنتي إنها هتكبر في مجتمع نسي ربنا والصح والغلط، وكل حاجة زي شذوذ وجهر بالمعصية بقت عادي، ومش بس كده لا دا احنا بنقول don't judge وحوار صاحبي يا ماما أسافر معاه عادي.. بجد خايفة عليها وعلى دماغها إنها تتشكل بالمنظر ده ربنا يحمي ولادنا".
وجهة نظر قوبلت بالرد بأن "أصحاب ولا أعز" معروض على "نتفليكس" وهو تطبيق يتطلب اشتراكاً شهرياً، أي أنه ليس من أموال دافعي الضرائب ولا سيدخل البيوت عنوة ويتسلل إلى أخلاق الأطفال الأبرياء، المسألة بالكامل عرض وطلب واختيار حر من الألف للياء وللمرء الحرية في غضّ الطرف أو التورط، كل حسبما يريد.
اختبار صار أعنف شيئاً فشيئاً مع نوعية الغضب التي وجهت للفيلم، لماذا غضب البعض من تصرف منى ذكي بينما لم يبدُ تصرف زوجها في الفيلم إياد نصار مثيراً للغضب بالقدر ذاته؟
مسألة بددت مستفزة للكثيرين الذين ربطوا نوع الغضب بطريقة التفكير، قل لي ما الذي أغضبك في "أصحاب ولا أعز" أقل لك من أنت.
ما المستفز حقاً؟
المستفز في الأمر حقاً أنه فيلم أجنبي، حين كتبه مؤلفه الأصلي كان في مخيلته شعب آخر له نمط حياة وعادات وتقاليد مختلفة، مجتمع بعينه لذا بات تعريبه أشبه بإجبار سائح أجنبي على ارتداء الجلباب والعمة الصعيدي، فمهما تشبّه وأتقن اللهجة سيخذله شكله الأجنبي في النهاية، يشاركني وجهة النظر ذاتها الروائي المصري عزت القمحاوي الذي كتب عبر صفحته الشخصية يتساءل عن قيمة النسخ الحرفي لعمل السيناريست والمخرج والممثل وحتى اختيار الممثلين بمواصفات جسدية مطابقة للممثلين الأصليين.
غضب الناس بسبب التناقض الفج الذي تم فرضه في تفاصيل عديدة، بداية من اختيار منى زكي التي حملت لواء السينما النظيفة من قبل أن تقرر تغيير مسارها وكذلك الصورة الذهنية عنها، لكن هذا لم يعد مقبولاً، الكل لا يراها أكثر من "فرح" في الضوء الشارد وشفيقة بفيلم "تيمور وشفيقة".
صحيح أن ثمة أصوات تساندها، ليس فقط من زملاء ولكن بعضها لسياسيين كالمحامي الشهير، والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، لكن هذا لم ولن يشفع لمنى التي أغضبت المشاهدين ليس فقط لأنها جريئة ولكن لأنها استنفدت مخزون الجرأة في مناقشة أمر ليس على الدرجة الكافية من الأهمية، أرى ذلك الآن، ربما كان سر غضبي أنا نفسي أن السيدات في مصر لا تتلخص همومهن في تلك التي قدمتها منى باعتبارها مأساة!
يمكن فهم الأمر بصورة أكبر إذا ما تمت مقارنة "أصحاب ولا أعز" بالفيلم المعروض حالياً "ويسترهام"، مقارنة سريعة بين المشاكل والأزمات المطروحة بين العملين، تعطي فكرة جيدة عن سر الإحباط والغضب.
صحيح أنه مترجم بالنص، لكنه يفتقد روح وعمق النسخة الأصلية، رفض الناس "أصحاب ولا أعز" لأنه وضعهم في مواجهة قاسية مع أنفسهم والآخرين، وربما السبب الأقوى هو فرض فكرة "أوبن مايند" على المشاهد، عبر طرح أفكار ومواقف وألفاظ غير مقبولة وبلا مبرر حقيقي سوى فرض الأمر عنوة هكذا يجعلك واحداً من فريقين لا ثالث لهما، إما مؤيد متفتح العقل والمدارك أو معارض ضيق الأفق!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.