غالبًا يُنظر إلى النمو في عالم التقنية على أنه علامة على التطور المجتمعي، حيث نجد بين كل فترة والأخرى تقنية جديدة يتم تطويرها، وفي سنوات معدودة تجد انتشاراً كبيراً، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو مثيراً للغاية فإنها تجلب معها مخاوف جديدة أيضاً.
شغلت العالم في الآونة الأخيرة تكنولوجيا (الميتافيرس) metaverse والتي بالرغم من أنها موجودة منذ فترة طويلة نسبياً فإن تركيز شركة ميتا Meta -فيسبوك سابقاً- جعلتها تتصدر العناوين حيث تعدنا هذه التقنية بتغيير طريقة استخدامنا للإنترنت بشكل كُلي.
ومع ذلك قبل أن تتحمس كثيراً يجب أن تعرف هذه التقنية لها العديد من الجوانب التي يجب مراعاتها بعناية، خاصة أن شركة ميتا العملاقة تبدو مركزة للغاية في تطوير عوالم الميتافيرس لأخذ السبق والريادة من شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى.
لماذا يركز مارك زوكربيرغ كثيراً على تطوير عالم الميتافيرس وأدواته؟
يعرف مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة ميتا أنه عندما يتعلق الأمر بالتقنيات الرائدة فيجب أن تأتي أولاً، حيث يدين رائد الأعمال الشهير بالكثير من النجاح الذي هو فيه الآن إلى شبكة فيسبوك التي سبق بها الجميع والتي أصبحت رائدة في سوق أدوات التواصل الاجتماعي.
حيث تمكن نتيجةً لخلو السوق من المنافسين لفترة طويلة من نشر جذور هيمنة شبكته الاجتماعية عبر الإنترنت والتي أصبحت العمود الفقري لشركة ميتا الآن وتُساهم بشكل كبير في الحصول على أرباحها السنوية، والتي تتراكم بمعدل تصاعدي جعله ضيفاً دائماً على قوائم أغنى أغنياء العالم في كل عام.
والآن يريد مارك التركيز على عالم الميتافيرس على أمل تكرار نجاح شركته التي قام بتغيير اسمها كشركة رائدة في الثورة التكنولوجية القادمة. وبالتالي إذا نجحت شركة ميتا في هذا المجال فستكون لها قدم السبق الرابح في فضاء تقني قد يبتلع حياتنا قريباً.
وعلى الرغم من أن عالم الميتافيرس لا يزال في أيامه الأولى وقد تظهر العديد من التطورات حوله في السنين القليلة القادمة، فإنه من المهم للغاية تسليط الضوء على المشكلات التي قد تطرأ إذا تحكمت شركة ميتا بشكل كامل في هذا التكنولوجيا القادمة.
ففي نهاية المطاف من المتوقع أن تصبح هذه التقنية منتشرة للغاية مع بحث المستهلكين عن وسائل جديدة باستمرار للتواصل واستهلاك الإنترنت ويبدو عالم الميتافيرس هي التكنولوجيا الكبيرة القادمة والتي من الممكن أن تجعل حياة المستهلكين الافتراضية والواقعية مرتبطة ببعضها البعض بطريقة لا يمكن تخيلها.
وإذا حدث هذا فمن يتحكم في عالم الميتافيرس وأدواته يمكنه التحكم في جزء كبير من هذا الواقع. وهذه بعض الأسباب التي تجعل قيادة شركة ميتا لهذا الأمر مخيفاً ويجب أن نقلق بشأنه:
تاريخ شركة ميتا مع انتهاكات الخصوصية
بالطبع نجد أن ممارسات الخصوصية التي مرت بها شركة فيسبوك – ميتا حالياً- موضع قلق للمستهلكين والمشرعين، وعلى الرغم من أن معظم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون وجوجل ينتهكون بطريقة أو أخرى خصوصية مستخدميهم، فإن الخوف من شركة ميتا يبرز في أنه يمكنها جميع بيانات المستخدمين بطرق عديدة وأدوات متنوعة كلها تصب في صالحها، وهنا نقصد منتجاتها الأخرى مثل تطبيقي واتساب وإنستغرام التي جعلت الشركة بالفعل تمتلك واحدة من أكبر قواعد البيانات التعريفية الشخصية مقارنة بأي شركة أخرى.
حيث بدأت شركة ميتا في ضخ مليارات الدولارات في تطوير تقنيات وأدوات عالم الميتافيرس مثل نظارات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) وصولاً إلى دمجهما معاً في الواقع المختلط MR والتي تعتبر العمود الفقري للدخول إلى هذا العالم.
وبالتالي، بالإضافة إلى البيانات التي تمتلكها شركة ميتا بالفعل ستحصل على المزيد من المعلومات عن المستخدمين من خلال أجهزة MR والتي يُمكنها من تقدير خصائصك الجسدية وكيف تمشي وتتحدث، وتفكر، وغيرها من التفاصيل الشخصية المتعلقة بالمستخدمين.
والأمر الأكثر إثارة للرعب هو حقيقة أن شركة ميتا بالفعل لديها تاريخ كبير في مشاركة هذا النوع من البيانات مع الشركات الأخرى. وبالتالي من حيث المبدأ هذا يعني أن بياناتك التي تحصل عليها الشركة قد يتم مشاركتها عبر الإنترنت في أي مكان تقريباً.
مرحلة جديدة من الإدمان الرقمي لجيل الشباب
أثبتت الكثير من الدراسات أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي أصبح أمراً خطيراً وخاصة للمراهقين والشباب، حيث يمكنها أن تضر الصحة العقلية للمستخدم مع زيادة انغماسه في العالم الرقمي والذي يؤدى إلى أن يصبح أكثر انفصالاً عن العالم المادي.
وتعد شركة ميتا السبب الرئيسي في السماح بحدوث ذلك، حيث أظهرت ملفات فيسبوك المسربة أن نسبة كبيرة من مستخدمي فيسبوك المراهقين يعرفون أنهم أصبحوا مدمنين لمنتجات الشركة لكنهم يشعرون بأنهم محاصرون وغير قادرين على تقليل استخدام هذه المنتجات.
وبالتالي للنجاح أكثر فإن شركة ميتا تحرص على أن يظل هؤلاء المستخدمين على اتصال دائم بمنتجاتها لتحقيق الأرباح، حيث أثبتت الشركة مراراً وتكراراً أنها طالما تجني المال فإن كل شيء يسير على ما يرام حتى لو كان ذلك يعني التضحية بالصحة العقلية للمراهقين والشباب.
ومع أن عالم الميتافيرس من المتوقع له أن يكون أكثر إثارة وإدماناً، فإن شركة ميتا أصبحت تستهدف الشباب والمراهقين بشكل خاص لجذبهم لهذا العالم، من خلال تجنيد المؤثرين في شبكات التواصل الأخرى للترويج لأحلامها في عالم الميتافيرس، حيث ذكر مارك زوكربيرج صراحة أن الهدف الرئيسي للشركة هو جذب الشباب إلى منصتها.
خطورة احتكار شركة ميتا لعالم الميتافيرس
تقوم شركة ميتا بالفعل بالتحكم واحتكار الكثير من أدوات التواصل الاجتماعي. حيث نجد من الصعب أن يكون لديك حضور اجتماعي رقمي دون استخدام أي من منتجات الشركة، وبالتالي يمكن أن يؤدي احتكار الشركة للتكنولوجيا الناشئة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى قتل الإبداع والابتكار في تصميم العوالم من قِبل الآخرين.
حيث إن شركة ميتا لديها تاريخ حافل في إقصاء المنافسين أو إيذائهم بصورة مباشرة، مثل شرائها لخدمتي واتساب وإنستغرام بعد تشكيلهما تهديداً لمنصة فيسبوك، ونسخ ميزات تطبيق سناب شات بعد الفشل في شرائه وإطلاق ميزة المقاطع القصيرة Reels للتنافس مع تطبيق TikTok.
وبالتالي إذا لم يكن المنافس في عالم الميتافيرس بحجم شركات مثل مايكروسوفت أو جوجل أو آبل فقد يكون الابتكار داخل عوالم الميتافيرس تجربة محفوفة بالمخاطر ومرشحاً للفشل بشكل كبير، فشركة ميتا بكل تأكيد سوف تنظر إلى عالم الميتافيرس على أنه منتج لا يحتمل مشاركته مع الآخرين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.