بشهادة المؤرخين الأقباط.. لهذا كان دخول عمرو بن العاص مصر فتحاً إسلامياً وليس غزواً عربياً

تم النشر: 2022/01/20 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/20 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
القاهرة - Istock

في كتابه "سير الآباء البطاركة"، يصف الأسقف المؤرخ ساويرس بن المقفع فرحة الأقباط بحكم عمرو بن العاص بقوله: "كانت الشعوب فرحين مثل العجول الصغار إذا حل رباطهم وأُطلقوا على ألبان أمهاتهم".

والأنبا بنيامين الذي اختفى ثلاثة عشر عاماً بسبب الاضطهاد الذي لاقاه في عصر هيرقل الفارسي، قال حين رجع الإسكندرية بعد دخول عمرو بن العاص: "لقد وجدتُ في مدينة الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون".

وكتب لكل الأقطار المصرية -بحسب كتاب تاريخ الأمة القبطية– يقول: "الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلام، فليحضر آمناً مطمئناً (ليدبِّرَ) شعبه وكنائسه". و(يدبِّر) تعني يدير إدارة تامة.

وحين وصل الإسكندرية وسط احتفاء واحتفال الناس يلبس إكليلاً من الورود قال له سيدنا عمرو: "جميع بيعتك ورجالك اضبطهم ودبر أحوالهم".

ويُذكَر -بحسب ما ورد في كتاب تاريخ مصر في العصور الوسطى- أنه من ضمن الوثائق التي تم العثور عليها مكتوبة إبان الفتح كانت وثيقتان اكتشفهما بروفيسور يدعى (جروهمان) من سيدنا عبد الله بن سعد بن أبي السرح يقول فيها: "باسم الله، أنا الأمير عبد الله أكتب إليكم يا أمناء تجار مدينة "بسوفتس" وأرجو أن تبيعوا إلى عمر بن أصلع لفرقة القوطة علفاً بثلاثة دراهم ذهبية، كل واحد منها "بعرورين" وإلى كل جندي غذاء من ثلاثة أصناف".

والثانية يقول فيها: "باسم الله، أنا الأمير عبد الله أكتب إليكما أنتما، خريستوفوروس وتيودوراكس، باجارك هيرا كليوبولس، قد أخذت منكما خمساً وستين نعجة لأطعم الجند الذين معي، أعيد ما قلته: خمساً وستين نعجة لا أكثر، وليعلم الجميع ما فعلت، كتبت الإقرار هذا وحرَّره الشمَّاس يوحنا، مسجل العقود، في اليوم الثلاثين من شهر برمودا من التوقيت الأول".

وعلى ظهر الوثيقة كتب (شهادة بتسليم النعاج للمحاربين ولغيرهم ممن قدموا البلاد، وهذا خصم عن جزية التوقيت الأول).

جروهمان علَّق على هذا كله بقوله: "إن هذه المعاملة إزاء شعب مغلوب قلَّما نراها من شعب منتصر".

وقال يعقوب نخلة روفيلة (كاتب قبطي توفي سنة ١٩٠٥) في كتابه تاريخ الأمة القبطية: "ولما ثبت قدم العرب في مصر، شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين واستمالة قلوبهم إليه، واكتساب ثقتهم به، وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه، وإجابة طلباتهم".

وذكر في موضع آخر من الكتاب: "استعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم على تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي، فقسم البلاد إلى أقسام يرأس كلاً منها حاكمٌ قبطي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم، ورتَّب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة، وعيَّن نواباً من القبط ومنحهم حق التداخل في القضايا المختصة بالأقباط والحكم فيها بمقتضي شرائعهم الدينية والأهلية، وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني، وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية".

وضرب عمرو بن العاص الخراج على البلاد بطريقة عادلة، وجعله أقساطاً في آجالٍ معينة حتى لا يتضايق أهل البلاد.

وبالجملة، فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان.

هذا فيما يتعلق بالناحية الدينية، أما في الناحية الاقتصادية مثلاً فقد ربط عمرو بن العاص الضرائب بفيضان النيل وإنتاجية الأرض، بل وكانت تجمع على أقساط بحيث يكون بمقدور الفلاحين السداد، وكان رؤساء القرى (الأقباط) هم من يقومون بحساب إنتاجية الأرض وجمع الضرائب وتسديدها للدولة، وذكر يعقوب نخلة أن الأموال المجموعة هذه التي كان يزيد منها عن احتياجات الدولة من رواتب وإصلاحات طرق وقنوات وغيره كان يُستخدم في إصلاح وترميم دور العبادة المسيحية.

أما فيما يخص القضاء وفض النزاعات؛ فقد قسَّم البلاد إلى عدد من الدوائر وعيَّن في كل دائرة منها قاضياً قبطيّاً كلفه بفض الخلافات المدنية والدينية لغير المسلمين، أما إذا كان الخلاف بين قبطي ومسلم، رُفع الأمر إلى مجلس مكون من قضاة الطرفين.

توماس أرنولد صاحب كتاب الدعوة إلى الإسلام قال: "إن النجاح السريع الذي أحرزه العرب يعود قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي لما عرف به من الإدارة الظالمة، وما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت. فاليعاقبة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم من السكان المسيحيين، عوملوا معاملة مجحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسي التابعين للبلاط".

كما تلاحظون فكلّ ما ذكرتُه هو منقولٌ عن شهاداتٍ وكتاباتٍ لكُتَّابٍ ومؤرِّخين وأساقفة من أهل الديانة المسيحية. لم أشَأْ أن أذكرَ سياسة المسلمين وإصلاحاتهم الإنشائية ومظاهر الحضارة الإسلامية التي تملأ كل ركن من أركان القاهرة وكثيراً من مدن مصر، رداً على من يتهمون المسلمين بأنهم عاشوا أعمارهم في البداوة، ليس هذا مكانه، إنما فقط ذكرتُ ما يخص معاملاتهم للشعب المغلوب.

هذا بعضٌ يسيرٌ مما فعله "الاحتلال العربي" على حد وصف من يصنفون أنفسهم "تنويريين"، هؤلاء الذين أتابع مواقفهم منذ سنواتٍ ولم أرَ لأحدهم كلمةً واحدةً عن الاحتلال الفرنسي والإنجليزي وما فعلوه من جرائم قتل ونهب واغتصاب وسرقة موارد، لكنهم إذا أتوا على الفتوحات الإسلامية، وضمنها الفتح الإسلامي لمصر على يد سيدنا عمرو بن العاص- قالوا إنها كانت غزواً!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إبراهيم إسماعيل
صيدلاني وكاتب روائي
صيدلاني ولي ثلاثُ رواياتٍ، منها اثنتان مطبوعتان بعنواني "سرباز" و"أبو جامع"، ورواية منشورة إلكترونياً بعنوان "مدينة العتمة"، بالإضافة لبعض المساهمات الأدبية المختلفة في الشعر والمقال والقصة والخاطرة. اهتماماتي تنصَبُّ في كلِّ ما له علاقةٌ بالأدبِ العربيِّ، خاصةً التراثي منه، ثم تليه كتاباتُ العصرِ الحديثِ في القرن العشرين حتى منتصفه، خاصةً المتعلقة بفن المقال وروَّاده الرافعي وأحمد حسن الزيات وأحمد أمين والمنفلوطي والعقاد.
تحميل المزيد