لعنة الجغرافيا.. كيف تدفع موريتانيا ثمن وقوعها بين الجزائر والمغرب؟

عدد القراءات
598
تم النشر: 2022/01/19 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/19 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش

تعاني موريتانيا من لعنة الجغرافيا التي جعلتها محاذية للعملاقين المتصارعين في المنطقة المغاربية، المغرب والجزائر، وهو ما يحتم عليها إتقان فن الرقص على رؤوس الأفاعي، وأي خطوة غير مدروسة قد تكلفها كثيراً، وتعرضها لإغضاب أحد الجارين اللدودين.

 لم توفق موريتانيا تاريخياً -إلا قليلاً- في الجمع بين علاقات طيبة بين الطرفين، ذلك أنه مع إرهاصات الاستقلال طالب المغرب بضم موريتانيا، وشنَّ في سبيل تحقيق ذلك حملة دبلوماسية شكلت سداً منيعاً ضد اعتراف معظم الدول العربية باستقلال موريتانيا، وذلك قبل أن يغير من أولوياته ويقتنع بعبثية مطالبه، ويعترف باستقلال موريتانيا سنة 1969، ويدعو الرئيس المختار ولد داداه لزيارة الرباط. 

ولئن كانت الجزائر عشية استقلال موريتانيا مشغولة بثورة تحريرها، فإنها سرعان ما وقفت بعد استقلالها إلى جانب موريتانيا ضد المغرب، وقدمت لها خدمات في سبيل التغلب على دبلوماسيته النشطة ضد الاعتراف الإقليمي باستقلالها.

وبالتزامن مع التحولات الكبرى في إسبانيا، واستعدادها للخروج من الصحراء الغربية، جنح المغرب إلى الواقعية السياسية، ودخل إلى جانب موريتانيا في مفاوضات مع الدولة المحتلة من أجل خروجها من الصحراء الغربية، وهي المفاوضات التي انتهت باتفاق مدريد الثلاثي، والذي يقضي باستحداث إدارة ثلاثية للإقليم تنتهي بخروج إسبانيا منه، وتنظيم استفتاء لتقرير مصيره، وهو ما باركته الأمم المتحدة، بينما اعتبرته الجزائر احتلالاً جديداً للإقليم، وأشعلت حرباً في المنطقة سنة 1975، والغريب أن الجزائر التي أشعلت تلك الحرب، لم تطلق رصاصة واحدة عبر وكلائها ضد الاحتلال الإسباني الذي كان قائماً في الإقليم، بينما وجهتهم لضرب الجارين الشقيقين.

شكلت تلك الحرب قطيعة بين موريتانيا والجزائر، وأدت في الوقت ذاته إلى تحالف استراتيجي بين موريتانيا والمغرب، وهو ما استمر إلى أن أطاحت مجموعة من الضباط بنظام الرئيس المختار ولد داداه في العاشر من يوليو/تموز 1978، وبررت ذلك بالعمل على إنهاء الحرب.

دخل العسكر في مفاوضات مع جبهة البوليساريو برعاية الجزائر التي كانت الخصم والحكم معاً، مفاوضات انتهت بإجبار العسكر على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، والانسحاب من إقليم وادي الذهب سنة 1979، دون أن تستطيع الجزائر ولا صنيعتها ملء الفراغ الذي خلفه خروج موريتانيا، وهو ما استغله المغرب لضم كامل الإقليم.

منذ ذلك الوقت وموريتانيا تعلن الحياد، غير أن الواقع يكذبها، فحدودها الشمالية مع الإقليم يسيطر عليها المغرب، وتضطر للتعامل معه بواقعية، وفي المقابل تستقبل المسؤولين الصحراويين، وتغض الطرف عن دخول وعبور مقاتلي البوليساريو، وإن كانوا يتسترون على وضعيتهم العسكرية.

تميزت الأنظمة العسكرية المتعاقبة بعلاقات شد وجذب مع المملكة المغربية، توجت بقيام نظام الرئيس محمد خونه ولد هيدالة بقطع العلاقات الدبلوماسية معها بعد فشل محاولة انقلابية ضده يوم 16 مارس/آذار 1981، وهي المحاولة التي اتهم المغرب بتدبيرها، واستمرت القطيعة إلى ما بعد الإطاحة بولد هيدالة في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول 1984، على يد العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي حكم البلاد طيلة عقدين من الزمن، وشهدت فترة حكمه تقلبات في العلاقة مع البلدين، إذ سارع في البداية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة، وزيارتها سنة 1985.

لكن اندلاع أحداث العنف بين موريتانيا والسنغال سنة 1989، أعاد العلاقات الموريتانية المغربية إلى المربع الأول، فموقف المغرب الضبابي من الأحداث جعل نظام الرئيس ولد الطايع يتهمه بالتمالؤ مع السنغال، الشيء الذي جعله يشيح بوجهه عن المغرب، ويُيمّم وجهه صوب الجزائر، ويستقبل رئيسها الشاذلي بن جديد في نفس العام، ليتواصل الفتور في العلاقات مع المملكة إلى غاية تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم فيها سنة 1999، والذي تزامن مع ضعف الجزائر بسبب العشرية السوداء، فعاد الدفء إلى العلاقات، وتوج ذلك بتبادل الزيارات بين الملك والعقيد.

لاحقاً شهدت موريتانيا فترة من عدم الاستقرار السياسي انتهت بانقلاب قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز سنة 2008، ولم يستغرق ولد عبد العزيز وقتاً طويلاً حتى أبان عن وجهته المفضلة المتمثلة في الجزائر والبوليساريو، وأدار ظهره للمغرب الذي تلقى فيه تكوينه العسكري. 

ولئن كان المراقبون -من قبل- يربطون الفتور في العلاقة مع المغرب بكون أغلب الرؤساء العسكر ينحدرون من الشمال المتعاطف مع البوليساريو بحكم العلاقات القبلية والجغرافية؛ فإن الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، والقادم من المؤسسة العسكرية، ينتمي للمنطقة الشرقية، ومع ذلك لم يبدِ كبيرَ ود للمغرب، بل إنه قام بزيارة إلى الجزائر، وهي الزيارة التي أولاها الطرفان أهمية بالغة، وأرفقاها بهالة إعلامية كبيرة، وهو ما يعني أن العسكر الحاكمين في موريتانيا يرتاحون أكثر لنظرائهم من عسكر الجزائر الذين يحكمون من وراء حجاب، وهذا ما يؤكد أن ما فشلت فيه موريتانيا الوليدة من توازن في العلاقات، فشلت فيه أيضا موريتانيا الراشدة.

إن الحياد الحقيقي هو الحل السحري لعلاقات متوازنة بين البلدين، والحياد الحقيقي يعني سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، ويعني أيضاً عدم الاعتراف بالأمر الواقع على الحدود الشمالية، وتأجيل الاعتراف بشرعية أي من الطرفين إلى ما بعد التوصل إلى اتفاق نهائي ينهي الصراع، وفي هذا الصدد لا بد من القيام بشرح الموقف للدولتين، وإقناعهم بأن أي علاقات ثنائية معهما يجب أن تسمو على مشكلة الصحراء، فالقضية بيد الأمم المتحدة، وعلاقات موريتانيا بكل منهما لا ينبغي لها أن تتأثر بصراع ليست طرفاً فيه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سالم ولد مولاي أحمد
كاتب موريتاني
مدون وكاتب موريتاني
تحميل المزيد