الأول كان لمحاربي الريف والثاني كان لأمازيغ الأندلس.. ما لا تعرفه عن اللباس الشعبي لرجال المغرب

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/19 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/19 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش

صباح مشرق يحمل في سماه ألف أمنية، صباح أستعيذ ربي من كل ضر، وسألت ربي التوفيق والنجاح في عملي الجديد وأنا متجه إليه.

اتجهت إلى عملي وبدأت بالعمل المحاسبي، وبعد أن انتهيت من العمل المكتبي اتجهت إلى الصحفية لأتكلم معها عن طبيعة عملي في المجلة، وجَّهتني إلى الخط التحريري وحدثتني قائلة: "هذه مجلة للفن والمرأة تكتب عن قضايا المرأة والفنون والاحتفالات والجمال ومسابقات الجمال" جاوبتها: "سأكون عند حسن ظنك"، بالفعل عملت معها شهرين ولكن لم أستطع أن أكمل لضعف الراتب، لكني حاولت وكانت محاولة جيدة جعلتني أرى سوق العمل على أرض الواقع، ومنها انتقلت إلى جريدة المساء الورقية.

جريدة المساء وقتها كانت الجريدة الورقية الأولى بالمغرب أحسست وقتها أن الحياة ليست مظلمة كما يراها البعض، بل هو ظلام يقابله النور ولكن لابد أن تسعى لترى النور، ولو كان سعيك بطيئاً المهم أنك لا تتوقف.

استطعت في وقت اشتغالي بجريدة المساء أن أقوم بعدة تحقيقات حول مشاكل الأطباء ومشاكل وزارة الصحة، كان لهذه التحقيقات صدى بالمملكة المغربية.

بعد عملي بالمساء على عدة تقارير وتغطيات إخبارية، طلب مني رئيس التحرير عدة تحقيقات حول الأطباء ومحاولة معرفة المشاكل الحقيقية للمستشفيات المغربية.

كان قلبي يمتلئ بالسعادة والفرح عند معرفتي باعتماد رئيس التحرير عليّ في هذه المهمة التي قد تكون تحمل صعوبة الحصول على المعلومة، فكانت مشكلة التحقيق أنه يريد مني تحقيقاً يحمل المعلومات والصور من داخل المستشفيات.

هبطت لشوارع المدينة العتيقة بالرباط والأفكار تتقاذف بعقلي ولا أعرف من أين البداية؟.

أخذتني قدماي إلى شارع بسوق المدينة العتيقة لم يكن فيه إلا خياطو اللباس المغربي التقليدي الذي كثيراً ما لفت انتباهي، ولكني لم أعرف متى ظهر هذا اللباس؟ وأين نشأ؟ وما هي حكايته؟.

اللباس التقليدي المغربي:

تجولت بالسوق حتى وقعت عيناي على محل يظهر عليه عبق التاريخ ويعرض الكثير من اللباس المغربي بأشكاله وأنواعه.

دخلت المحل وبدأت بالنظر إلى الأشياء المعروضة وأنا أسأل الرجل: ما هذا وما ذاك؟ يجاوبني الصغير بكل احترام وفجأة أتاني رجل كبير وقال لي أنت لست بمغربي! قلت له نعم، قال لي أنا الحاج لحسن أقدم خياط بالمنطقة، قلت له جذب انتباهي هذا اللباس ولكني لا أعرف عنه أي شي، قال لي هذا المحل عمره أكثر من مائة عام ورثته عن جدي الكبير.

"الحاج لحسن رجل يبلغ من العمر حوالي 80 عاماً يحمل الكثير من الوقار والحكمة في حديثه، قلت له أريدك أن تعرفني باللباس المغربي فأنا أعيش بالمغرب ولكني لا أعرف عنه شيئاً، قال لي اجلس، وبدأ حديثه بحبه للشعب المصري وقال لي: "الزي المغربي يشكل خاصية متميزة يحافظ عليها المغاربة كباراً وصغاراً، كشكل من أشكال صيانة رموز الثقافة والحفاظ على أصالة التاريخ".

الجلابة المغربية:

اللباس الشعبي لرجال المغرب

فالجلباب المغربي: ظهر قبل آلاف السنين، فهو زي قديم جداً يعود لأصول أمازيغية، حيث يعتبر الجلباب من الزي الرسمي للمملكة المغربية يتم ارتداؤه في العديد من المحافل والمناسبات.

في البداية، كان الجلباب عبارة عن توب بسيط أبيض أو أسود اللون مزين بـ"البرشمان" الذي يعتبر من أقدم التقنيات التي اكتشفها المغاربة القدامى لخياطة الجلباب قبل أن تتطور ليتم استعمال أشكال متعددة من أنواع الخياطة.

كان يستخدمه محاربو الريف "الريافة بالعامية المغربية" عند محاربتهم للاستعمار الفرنسي؛ لذلك لبس الجلباب يعطي قيمة وطنية.

ويتخذ الكثيرون الجلابة زياً رسمياً أثناء الصلاة في المسجد أو في المنزل، أو حتى خلال زيارة الأهل والأحباب.

والكثير من المدن المغربية والقرى تشتهر بخياطة الجلابة التقليدية بطريقة يدوية تقليدية، ومنها فاس ومراكش والرباط وسلا ووزان وبني ملال وأولاد عياد والجديدة وأبي الجعد، لكن مدينة وادي زم من أبرز المدن المغربية العريقة التي لا تزال تحافظ على خياطة الجلابة بطريقة يدوية وتقليدية.

تصنع أقمشة الجلابة التقليدية عادة من صوف الضأن، يصنع قماش الصوف على منسج خشبي تقليدي، من خلال نساء بارعات وكبيرات في السن، يتواجدن في البوادي والقرى والأرياف النائية، وورثن هذه الحرفة وعملن بها، ثم يبعن منتوجهن في الأسواق الأسبوعية.

فالجلباب هو عبارة عن لباس طويل وفضفاض يتصل به غطاء كبير للرأس يسمى "القُب"، ويتم اختيار نوع القماش المستعمل في خياطة الجلباب حسب الفصل أو المناسبة المراد ارتداؤه بها، فمثلا يتم استعمال الألوان الداكنة والقماش من الصوف أو الوبر في فصل الشتاء، أما في فصل الصيف فيتم اختيار القطن أو الكتان وألوان فاتحة لتعكس أشعة الشمس.

وتختلف الجلابة باختلاف ثوبها، فالجلابة الخفيفة تسمى "جلابة السوسدي"، وتبرع في صناعتها النساء من حيث اللون والزخرفة، ويضاف إليها الحرير لتبدو أنيقة ولامعة وأكثر جمالاً، ويقبل عليها علية القوم الأغنياء.

أما الثقيلة فتسمي "خيدوسة"، ويفضلها الكثيرون من سكان البوادي والأرياف، وتكون مفضلة لهم في فصل الشتاء، لأنها تقيهم من البرد القارس والصقيع، وتكون لهم حشمة ووقاراً بالإضافة إلى محافظتهم على تراث الأجداد أثناء الصلاة.

وفي البوادي والأرياف يلبسون الجلابة مع قلنسوة بألوان مختلفة يطلق عليها اسم "الطاقية"، وهناك آخرون يلبسونها مع العمامة "الرزة".

السلهام: 

اللباس الشعبي لرجال المغرب

أما السلهام "رداء النخوة وزينة رجال أيام زمان"، فهو لباس مغربي أمازيغي قديم انتشر بكثرة أثناء تواجد الأمازيغ المغاربة في الأندلس وأثناء حكم المرابطين والموحدين والمرينيين.

 فعند ظهور السلهام كان خاصاً فقط بالرجال، ويشكل  اللباس الأساسي لهم، حيث يزيد الرجل المغربي مفخرة، فلا يخرج إلا وهو يرتدي سلهامه الذي يختلف لونه والتوب المستعمل في حياكته باختلاف المناسبات والفصول.

ففي بداية ظهوره، كان السلهام المغربي، يُصنع من شعر الماعز ووبر الجمال وصوف الأغنام، وبعد هجرة المورسكيين من الأندلس إلى شمال إفريقيا أدخلت صناعة النسيج الحرير والقطن، وأصبح السلهام أكثر جودة وأناقة.

 وكان يشكل السلهام زياً أساسياً للفرسان وأمراء الجيش والحكام، وبقى كذلك حتى اليوم، حيث حرص ملوك المغرب وخاصة العلويين على إظهاره في العديد من المناسبات الوطنية وتجديد البيعة، فدائماً ما يحرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس مثلما كان يفعل والده المغفور له الحسن الثاني على إبراز قيمة الأزياء التقليدية المغربية، في العديد من الزيارات لحضور احتفالات البلدان الأوروبية والأمريكية والعربية، إضافة إلى ذلك يحرص رجال الدولة في الحكومة والبرلمان على ارتداء السلهام في الأعياد الوطنية، مع ارتداء البُلغة والطربوش الأحمر.

الطربوش الفاسي الأحمر: 

اللباس الشعبي لرجال المغرب

هو عبارة عن غطاء للرأس يستعمله الرجال المغاربة منذ القدم، يتميز بلونه الموحد وتتدلى من جانبه مجموعة من الخيوط الحريرية السوداء.

يُعد الطربوش من أقدم الموروثات المغربية القديمة، والتي يعود أصلها إلى مدينة فاس، ويعتبر الطربوش الفاسي من الاكسسوارات التقليدية الضرورية التي يستعين بها غالبية الشعب المغربي خاصة الأغنياء في المناسبات والأعياد.

البلغة أو الشربيل المغربي:

اللباس الشعبي لرجال المغرب

هو حذاء تقليدي، يتميز بالسلاسة والمرونة عند الارتداء، يُصنع من الجلد ويرافق الجلابة المغربية حيث يزيدها رونقاً و جمالاً.

عادة ما يكون لون البلغة أصفر أو أبيض، وهي طقوس ترافق لبس الجلابة التقليدية للذهاب إلى صلاة الجمعة وزيارة الأهل والأحباب خلال المناسبات الدينية، وكذلك الحفلات والأعراس.

تشتهر مدينة فاس العريقة بصناعة هذا النعل الذي يصنع من جلود الأبقار بألوان مختلفة.

الدراعة الصحراوية:

اللباس الشعبي لرجال المغرب

"الدراعة الصحراوية.. رمز متجذر صامد في وجه التحديات وزي الرجل الصحراوي الأول"، وهي عبارة عن ثوب فضفاض له فتحتان واسعتان على الجانبين وله جيب على مستوى الصدر، وتتميز الدراعة الصحراوية دائماً بلونين فقط، هما الأبيض والأزرق، وتمكن هذه المواصفات التي تتميز بها الدراعة من القدرة على امتصاص العرق والسماح بدخول الهواء إلى الجسد.

ورغم التطور الحاصل في مختلف تصاميم الأزياء، تبقى الدراعة هي الطاغية على الملابس الرجالية في الصحراء، حيث يستلزم الطقم الواحد منها حوالي 10 أمتار من الثوب، كما تتميز بنقوش ورسومات وتطريز يدوي يقتصر على فتحات العنق والجيب.

استمتعت كثيراً مع لحاج لحسن بالحديث عن أصالة الزي المغرب وماذا يعني الزي المغربي بالنسبة لهم، وجلس يسأل عني وعن أحوالي بالمغرب، قائلا إننا في زمن قليلاً ما تجد فيه النخوة، ونصحني قائلا أنتم جيل لا يعلم به إلا الله، دائما ما تشتكون مع أن استمرار الشكوى والتذمر لن يؤدي إلى تغيير أي شيء، غالباً ما تطاردون شيئاً جديداً وتسعون للحصول عليه لتغيير أوضاعكم، رغم أن لديكم أشياء كثيرة يمكن أن تستمتعوا بها ولا تدركون قيمتها حقاً، إلا إذا انتبهتم إلى وجودها.

وقتها قصصت على لحاج لحسن ما هو مطلوب مني في عملي، ولكي أعرف الحقيقة كاملة لابد من دخولي المستشفى بلا معرفة أحد، جاوبني بكل سهولة وما الذي يمنعك من الدخول؟ ادخل لعلها تجربة جديدة.

مر على رأسي طبيب تعرفت عليه في المقهى، فاتصلت به وقصصت عليه ما هو مطلوب مني وقلت له أريد أن أدخل المستشفى بدون أن يعرف أحد بأني صحفي، جاوبني قائلاً "لا أعرف كيف أدخلك المستشفى" قلت له "أحتاج إلى بالطو أبيض؛ وسأقابلك مع السابعة صباحاً أمام المستشفى".

أشرقت شمس صباح جديد واتجهت إلى المستشفى، قابلت الطبيب وأخذت منه البالطو وقلت له "أنا الطبيب المتدرب محمود" ضحك قائلاً "مرحبا بك بالمغرب أيها الطبيب المصري، هيا بنا لترى ما تعانيه المستشفيات بالمغرب" مررت على جميع الأقسام الطبية وقسم الطوارئ والتقطت الكثير من الصور وقضيت داخل المستشفى 8 ساعات رأيت فيها الحقيقة الموجودة على أرض الواقع.

رجعت إلى بيتي لأكتب ما شاهدته وما سمعته من شكاوى المواطنين، وبعد أن انتهيت من التحقيق أرسلته للجريدة فرحاً بإنجاز أول تحقيق صحفي، لكن الفرحة الأكبر كانت بعد عام عندما دخلت المستشفى ورأيت التغيير والتطور الذي حدث بمستشفى ابن سينا بالرباط، أحسست وقتها بأهمية وقيمة العمل الذي أنجزته، فمن الإمكان مواكبة العالم بالعمل لا بالتأمل، فاليد هي الذراع اليمني للعقل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود حجازي
صحفي مصري
صحفي مصري
تحميل المزيد