"من القمة إلى القاع!".. أربع كلمات تلخّص الحالة الفنية للممثل المصري محمد سعد، الذي تراجعت نجوميته في السنوات الأخيرة بعد أن كانت أفلامه تحقق أعلى الإيرادات في السينما المصرية منذ أن قدم أول بطولة له بفيلم "اللمبي" عام 2002 بعد أن أطل على جمهور السينما بتلك الشخصية عام 2000 في فيلم "الناظر" ونالت إعجاب الجمهور.
وبعدها انطلق محمد سعد في سباق شباك تذاكر السينما بأقصى سرعته بأفلام لم يبتعد بها كثيراً عن شخصية "اللمبي" وحقق نجاحاً تنازلياً أدى به في نهاية المطاف إلى السقوط بعدما هجره الجمهور.
أذكر أن محمد سعد عندما قدم فيلم "اللمبي" تعرض لهجوم شديد طال جمهور السينما الذي أقبل على الفيلم ودعَّم هذه النوعية من الأفلام، فهل كان يستحق فيلم "اللمبي" هذا الهجوم الذي تعرض له؟ وهل كانت نجومية محمد سعد مجرد "فرقعة"؟
"27 مليون جنيه".. كان هذا الرقم- الذي تم تداوله كإيرادات لفيلم "اللمبي"- مخيفاً ومفاجئاً عام 2002 عندما كانت السينما الجديدة في طور التكوين وقبل أن تتشكل ملامحها وتعلن عن نجومها، ولكن المعجزة حدثت على يد المنتج محمد السبكي وشقيقه أحمد اللذين قررا استغلال حب الجمهور لشخصية "اللمبي" التي صنعها المخرج الكبير "شريف عرفة" ومعه المؤلف "أحمد عبدالله" لفيلم "الناظر" عام 2000 عندما شعر شريف عرفة أن سيناريو الفيلم ينقصه شيء ما فطلب من أحمد عبدالله إضافة شخصية "واحد بيصيَّع البطل".
كان المخرج شريف عرفة قد قابل شخصية مشابهة للمبي أثناء تصويره لأحد مشاهد فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" ووصف الشخصية لأحمد عبدالله الذي قال له:"احنا عندنا واحد زيه كده في الجيزة واسمه اللمبي".
وظهرت شخصية "اللمبي" واستثمرها "السبكي" في فيلم جديد، وهي فكرة لا بأس بها وربما تكون السينما المصرية بحاجة إليها وهي السينما الفقيرة التي تقدم عدداً محدوداً من الأفلام كل عام. لكن المشكلة هي أن الاستثناء تحوّل إلى قاعدة، وتزاحم صناع الأفلام على صناعة أفلام كوميدية مشابهة لكوميديا "اللمبي" وهو ما فشل فيه معظمهم وعاد على الكوميديا المصرية بالضرر البالغ الذي نعاينه اليوم.
أحداث "اللمبي"
تدور أحداث فيلم "اللمبي" حول شخصية (اللمبي).. ذلك الشاب البلطجي العاطل الذي يعيش مع والدته فرنسا (عبلة كامل)، ويواجه مشكلة تتعلق بمديونيته لشخص يدعى "نعيم" كان قد أقرضه مبلغ 20 ألف جنيه ويطالبه به ويهدده باللجوء إلى القضاء، فيضطر اللمبي للبحث عن عمل حتى يستطيع تسديد المبلغ، فيذهب مع والدته إلى شرم الشيخ لتأجير دراجات هوائية للسائحين، قبل أن تطاردهما شرطة السياحة ليعودا بخفي حنين وليعمل اللمبي حارس خاص لراقصة ولكنه يفشل فيضطر إلى الانصياع لرغبة والدته والعمل على عربة الكبدة التي كان يمتلكها والده، ولكن الشرطة تمنعه من ممارسة تلك المهنة فيصاب بالإحباط ويشعر بالعجز عن مواجهة تلك الظروف الصعبة ولكن صديقه عم بخ (حسن حسني) يقترح عليه أن يتزوج حبيته نوسة (حلا شيحة) ويقيم فرحاً ضخماً يحصل من خلاله على "نُقطة" ويسدد الدين منها، وهو ما يحدث بالفعل لينتهي الفيلم بنهاية سعيدة، قيل إن منتج الفيلم أصر عليها لكي ينال إعجاب الجمهور.
تم تقديم الفيلم في صورة "اسكتشات"، فرِحلة اللمبي مع والدته فرنسا إلى شرم الشيخ لتأجير الدراجات الهوائية تعتبر اسكتش، وعمل اللمبي كحارس خاص للراقصة اسكتش آخر، وعمل اللمبي على عربة الكبدة اسكتش ثالث جاء قبله اسكتش لجلوس اللمبي مع نوسة في كازينو على النيل ثم اسكتش لامتحان اللمبي في فصول محو الأمية، وهما اسكتشان يمكن حذفهما من الفيلم دون أن يؤثرا على باقي الأحداث التي يصعب على من يشاهد الفيلم بعد مرور فترة قصيرة- وربما فور الانتهاء من مشاهدته- تذكر ترتيب الأحداث، هل عمل اللمبي كحارس للراقصة أولاً، أم سافر إلى شرم الشيخ، أم عمل على عربة الكبدة، أم تقدم لامتحان محو الأمية؟
وبخصوص ترتيب أحداث الفيلم، يمكن أن نطرح سؤالاً آخر: هل يمكن تغيير ترتيب الأحداث؟ بمعنى ماذا لو عمل اللمبي كحارس للراقصة أولاً ثم عمل على عربة الكبدة ثم سافر إلى شرم الشيخ، هل سيؤثر ترتيب الأحداث على فهم حكاية اللمبي؟
والإجابة بسيطة: لا، لن يؤثر ترتيب تلك الأحداث على الفيلم، وهو ما يعني ببساطة أن السيناريو حبكته ضعيفة وغير متماسك، فالأحداث لا تترتب على بعضها، بل هي مجموعة اسكتشات- كما ذكرت- يمكن مشاهدة كل منها بشكل منفصل وسيكون لها نفس التأثير (الضحك).
سيناريو ضعيف وإخراج محدود
يعترض البعض كثيراً على وصف سيناريو الفيلم بأنه ضعيف وغير متماسك، ويدافعون عنه باعتباره فيلماً كوميدياً جعلهم يضحكون. ولكن جودة سيناريو أي فيلم لا تُحسب بقدرته على إضحاك الجمهور، بل هناك عوامل أخرى فنية، فالأراجوز يمتلك قدرة على الإضحاك، والبلياتشو كذلك، والمونولوجست أيضاً، وكل منهم له احترامه، مع التأكيد على أن الفيلم السينمائي أكبر من كونه فقرة يقدمها أراجوز أو بلياتشو أو مونولوجست.
وإذا كان سيناريو الفيلم ضعيفاً وغير متماسك، فإن الإخراج لم يكن أفضل حالاً، فالمخرج وائل إحسان لم يراع أنه يقدم فيلماً كوميدياً يحتاج إلى إيقاع سريع يمكن الوصول إليه عن طريق حركة الكاميرا والتنوع في اللقطات.
فعن حركة الكاميرا فقد اعتمد المخرج بشكل كبير على حركة الكاميرا، فالكثير من المشاهد يبدأ بلقطة واسعة "long shot" ثم تتحرك الكاميرا "close in" لتقترب من الممثلين.
وتلك الطريقة لم تكن كافية لظهور الفيلم بإيقاع سريع، فعدد اللقطات كان قليلاً جداً وبعض المشاهد تم تصويرها بطريقة اللقطة الواحدة، ربما لجأ المخرج لتلك الطريقة بسبب ضعف خبرته وهو الذي يقدم أول أفلامه، وربما أجبره المنتج على الاعتماد على تلك الطريقة لكي يوفر في النفقات ويختصر في وقت التصوير، وفي كل الأحوال فالنتيجة واحدة: فيلم كان بحاجة إلى بذل المزيد من المجهود وتصوير عدد أكبر من اللقطات بدلاً من الاعتماد على حركة الكاميرا بتلك الطريقة التي ذكرتني بالأفلام الكلاسيكية التي أحبها كثيراً وإن كنت أرى أن طريقة صنعها لا تناسب عام 2000.
وإذا كان سيناريو الفيلم وإخراجه بهذا المستوى، فلا يوجد عنصر آخر من عناصر الفيلم يمكن التحدث عنه، حتى في وجود الممثلة الكبيرة عبلة كامل التي لم يكن عليها أن تقبل تقديم فيلم بهذا المستوى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.