بدأها كاتب فرنسي يعتدي على الأطفال، وطبَّقها الحكام بقسوة وتلذُّذ.. تاريخ السادية والجلاد

عدد القراءات
596
عربي بوست
تم النشر: 2022/01/19 الساعة 14:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/19 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش

وقف الجلاد في ساحة السجن الحربي وهتف: "اعلموا أنني هنا الجزار! أنا القانون، أنا الدولة، أنا أحيي وأميت، أنا الحانوتي. أنا لا أتسلم المسجون بإيصال، أستطيع أن أقتل مئة سجين كل يوم ولن يسألني أحد عن ذلك، أنتم باقون هنا تحت سلطتي ورحمتي، لن يخرج منكم أحد حياً، أنا إله السجن الحربي!".

وكان يقول لجلاديه: "عندما يصدر لك الأمر بأن تضرب المسجون خمسين سوطاً فمعنى ذلك أن تضربه مئة سوط، وعندما يصدر لك الأمر بأن تضربه مئة سوط فمعنى ذلك بأن تضربه مئتي سوط لا تخف إذا مات المسجون بين يديك، لو حدث ذلك فسوف أعطيك ترقية استثنائية"! وطبعاً كان ينفذ تهديده ووعيده الإلهي ويعذب ويقتل من يشاء!

ولم يكتفِ بذلك، بل جمع المسجونين السياسيين وأقام لهم حفلة راقصة، وكانت الراقصة ترفع ملابس الرقص لتكشف عن ساقيها والجمهور يصيح (ارفع ارفع)، وجُن جنون الجلاد وهتف (ارفع ارفع)، ولما تملكت منه الشهوة أكمل الحفلة في الخفاء مع تلك الراقصة، وأثناء ذلك قام الجلادون بتعذيب هؤلاء المسجونين السياسيين ليتألق في شهوته أثناء سماع أنين المعذبين وصرخاتهم!

انظر إلى ما قاله الكاتب الكبير الراحل مصطفى أمين (1914-1997) في كتابه "سنة أولى سجن" ص 34- 35.

فما حكاية هذا الجلاد وأضرابه؟ ولماذا يتلذذ بالشهوة الجنسية أثناء تعذيب ضحاياه؟

الحكاية تخبرنا بأن هذا الجلاد يتلذذ جنسياً بتعب الطرف الآخر الذي يمارس معه الجنس، أو يتلذذ جنسياً بتعذيب الآخرين وسماع أنينهم أثناء ممارسة الجنس، وهذه الظاهرة تعرف في علم النفس بالسادية. والسادية هي الوصول للمتعة واللذة الجنسية عن طريق معاناة الآخرين بأذيتهم بدنيًّا أو حتى نفسيًّا.

وإذا كان الجلاد سادياً وظهر لنا بهذه الصورة البشعة في قهر المسجونين وتعذيبهم وتحطيمهم وتدميرهم، فما حال البلد الذي يحكمه سادي؟ وما حال هذا الشعب المقهور بهذا الحاكم السادي؟

طبعاً لا يتفق كل الساديين في درجة العنف وأذى الآخرين؛ فمنهم من يكتفي بإيذاء الطرف الآخر نفسياً ولو بالسباب، ومنهم منْ يكتفي بقرص أو وخز الطرف الآخر، ومنهم من لا يصل إلى اللذة الجنسية والنشوة إلا بتحقيق ألم عنيف بالطرف الآخر، وربما يصل إلى قتله، وبما يتخيل السادي هذا الأذى للطرف الآخر للوصول إلى اللذة الجنسية.

أبو السادية

تنسب السادية إلى الكاتب الفرنسي ماركيز دي ساد (1740– 1814)، الذي يتصف أدبه وخاصة رواياته بهذه السادية. وكانت ممارساته الشخصية بها الكثير من السادية مثل أذيته لخدمه بدنياً وجنسياً، وحتى اعتدائه جنسياً على الأطفال، وسُجن بسبب ذلك كثيراً. وحتى أدبه به الكثير من السادية مثل روايته "أيام سدوم المئة والعشرين"، وهي تحكي عن أربعة أشخاص يسجنون ضحاياهم ويمارسون عليهم السادية أو التعذيب الجنسي.

وفي روايته "جوستين"، نجد شخصيات الرواية تمارس السادية والتعذيب والقهر على بطلة الرواية جوستين مثال الفضيلة والطهر، والتي نتعاطف معها في البداية، وفي نهاية الرواية نجدنا وقد تشبعنا كرهاً وبغضاً ومقتاً لجوستين الضعيفة الساذجة، وفي الوقت ذاته، ما فتئ ماركيز يدلف بدهاء تحبب صفات السادية والقوة والغلبة لأنفسنا أثناء القراءة لهذه الرواية. إن ماركيز ما انفك يسخر من الدين والتدين والأخلاق والفضيلة ويعد كل هذا ورعاً كاذباً، وما برح يخبرنا بأن الحقيقة الباهرة للبشرية كلها وفي تاريخها كله، هي البقاء للأقوى والذي يمارس كل القهر الجنسي وغير الجنسي على ضحاياه الضعفاء المقهورين.

مظاهر حكم الساديين

من المتوقع أن يستعين الطغاة الساديون وغير الساديين على مر العصور بالشخصيات السادية لممارسة قهر المعارضين وتعذيبهم وتدميرهم، وخير مثال ما نعرفه عما يقوم به أفراد أجهزة أمن الدولة والمخابرات المختلفة في العالم على المعارضين السياسيين؛ انظر إلى ما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي في قتل عبد الله بن الزبير وكثير من أهل مكة، وتمثيله بجثة ابن الزبير، وبعثه برأسه الشريف إلى عبد الملك بن مروان، وانظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية العريقة في الديمقراطية وما فعلته بالمعتقلين السياسيين في سجن أبي غريب بالعراق ومعتقل غوانتانامو في كوبا.

وإذا عدنا لبداية المقال نجد صورة بينة للساديين وخاصة اللواء حمزة البسيوني، قائد السجن الحربي إبان حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (1918-1970)، ، بالإضافة إلى إدمانه على قهر السجناء السياسيين وتعذيبهم وخاصة أثناء ممارسته للجنس كما ذكر الأستاذ مصطفى أمين في كتابه السابق "سنة أولى سجن".

وعندما يحكم السادي، لا يألو جهداً في نشر ثقافة الخوف والرعب في ربوع البلد؛ لتثبيت كرسي العرش كما يفعل كل الطغاة، ولتلذذه وغبطته وهو يرى الشعب وهو يكاد أن ينخلع قلبه من الضلوع من الرعب الرهيب!

ولا نندهش عندما نجد هذا الحاكم السادي وهو يخرج القوانين والضرائب الباهظة ورفع الأسعار وكل أصناف القهر لمحكوميه، وربما ينغص عليهم بقوانينه الجائرة في الأعياد والإجازات وليلة يوم العطلة الأسبوعية؛ ليبث النكد والضيق والقرف والمعاناة في نفوسهم، ولا تأخذنا الدهشة أيضاً عندما يحكم السادي حينما يقوم بمجازر جماعية لمعارضيه؛ فهو يتلذذ بهذه الصور البشعة والتي ينفر منها ويشمئز كل إنسان سوي صاحب خلق قويم؛ انظر إلى رئيس كوريا الشمالية، كيم يونغ أون (1983)، وهو يعدم وزير الدفاع، هيون يونغ تشول (1956-2015)، بواسطة صاروخ مضاد للطائرات! وما سبب هذا الإعدام أو تفتيت الجسد؟ السبب هو غفوة وزير الدفاع أثناء عرض عسكري حضره كيم!

إن دول العالم المحكومة بحكم الفرد، لا تجد فيها حاكماً عادلاً مستبدًاً مثلاً، إنما يحكمها عادة حاكم طاغية ومعه بعض نرجسية، أو جنون عظمة، أو سادية، وسيكوباتية، أو خليط من كل ما سبق!

وعادة نجد هذا الحاكم السادي يكاد أن ينفجر من الحقد والضغينة والبغضاء التي تجوس في قلبه ضد مخالفيه في الرأي، وضد معارضيه، وضد شعبه، وضد الناس أجمعين. ومن المتوقع أن ينفس حقده وغله على شعبه في صور خيانة للبلد التي يحكمها، ولا نندهش عندما يفرط في ثروات وأراضي الدولة برضاه أو بدون رضاه؛ فالهدف واحد بالنسبة له!

بيد أن الشخصيات المرشحة لمنصب رئيس الدولة يجب أن تُعرض على طبيب أمراض نفسية وأخصائي سيكولوجي لمعرفة ودراسة شخصيته قبل أن يتولى بلداً حتى لا يأخذ بيدها إلى الهلاك؛ هذا في الدول العريقة في الديمقراطية، أما في دول العالم المتخلف فشعوبها مغلوبون على أمرهم حتى يستطيعوا أن يقوموا بثورة تخلع حاكمها الطاغية المتخلف إن استطاعوا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود خليفة
كاتب وطبيب بشري
محمود خليفة، طبيب بشري أخصائي جلدية، من مواليد 1963. كاتب وأديب وله رواية "أرض الجمل" مطبوعة. وله عدة قصص قصيرة منشورة في مجلة "أنهار" الأدبية وموقع "قاب قوسين" وغيرهما. وله مقالات سياسية منشورة في موقع "عربي بوست" و"ساسة بوست" وغيرهما.
تحميل المزيد