بعد إبراء ذمة المخابرات.. تساؤلات وتحليل في قضية العميلة الصومالية المفقودة إكرام تهليل

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/18 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/18 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو/ الأناضول

أعود لكتابة رأيي في قضية اختفاء ضابطة الاستخبارات إكرام تهليل فارح التي أطاحت قضيتها بمدير جهاز المخابرات وأثارت قضيتها حتى يومنا ضجة في كل الصومال، وأشعلت فتيل أزمة سياسية في وقت دقيق جداً ومهم كانت تستعد فيه الدولة لخوض الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً عقدها في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021. 

مع إعلان الدولة رسمياً أن اختفاء إكرام فارح لا علاقة له بجهاز المخابرات الصومالي واختلاف الرواية الرسمية، وددت بكتابة وجهة نظري والاستنتاجات التي توصلت إليها عبر اطلاعي على المواد الإعلامية الكثيرة بخصوص هذا الموضوع والفيديوهات التي قامت والدتها ببثها عبر القنوات، وكتابة أفكاري بطريقة شفافة أملاً في محاولة لحل هذا اللغز المحير وإرضاء جميع الأرواح الفضولية.

كيف تطورت الأحداث منذ انضمامها إلى وكالة المخابرات؟

عند مراجعة حياة إكرام سنرى أنها من مواليد عام 1996 في أواخر شهر أغسطس/آب، ترعرعت في مدينة مانديرا بكينيا، حيث تلقت تعليماً عالي الجودة، فهي خريجة مدرسة آغا خان الثانوية، ومن ثم جامعة الولايات المتحدة العالمية في نيروبي بتخصص العلاقات الدولية. تم تعيينها بعد ذلك في أحد البنوك الكينية وعملت في قسم المحاسبة والمالية. كانت في أوائل العشرينيات آنذاك. وبلا أسباب معلومة، قررت ترك تلك الوظيفة، ولكنها لم تترك البنك فقط بل تركت كينيا بأكملها لتستقر في الصومال وفي بداية عام 2017.

سيتم بعد ذلك توظيف إكرام في جهاز المخابرات بتوصية للعمل مع مدير المخابرات في ذلك الوقت عبدالله سان بلوشي كسكرتيرة له. وبعد عشرة أشهر فقط من بداية عملها وخمسة أشهر من عملها مع سان بلوشي، تحصل إكرام على منصب أكبر في قسم حقوق الإنسان وشؤون المرأة.

استطاعت إكرام بوعيها الأمني العالي وانضباطها وعملها الدؤوب، كما وصفها سان بلوشي، أن تترك انطباعاً جيداً، وخصوصاً أنها متخصصة في مجال العلاقات الدولية، وقام بترقيتها نظراً لمؤهلاتها رغم صغر سنها.

المهم.. تبدأ إكرام وظيفتها الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017 ويكون لها تعاملات وعلاقات مع السفارة البريطانية وهيئة "أميصوم" في مقديشو، ومن هنا ربما لفتت الأنظار إليها، فهي ذات كفاءة عالية فيما يخص عملها بشؤون الأمن وشؤون حقوق الإنسان والمرأة، فهي ابنة الـ21 فقط، ذكية، متعلمة، لديها منصب مهم في أهم وكالة أمنية في الدولة.

من وجهة نظري، هذه التوليفة مثيرة للاهتمام والإعجاب، ولذلك مع بداية العام التالي ربما حصلت على فرصة عمل أثارت اهتمامها أم ربما وقع سبب آخر مقنع جعلها تترك الوكالة في أبريل/نيسان من عام 2018.
ثم بعد خمسة أشهر من نفس العام غير معروف تظهر بمكتب عمدة مقديشو المغتال على يد حركة "الشباب". الغريب في القصة ليس سبب توظيفها في مكتب العمدة، رغم التساؤلات الكثيرة حول هذه النقطة، وإنما بسبب عودتها السريعة لمكتب المخابرات وحصولها على منصب آخر كبير، مديرة الأمن السيبراني، الذي ليس له علاقة بتخصصها مع وجود ذوي الكفاءات والخبرات في الوكالة طبعاً، وكذلك حصولها على منحة دراسية لاستكمال الماجستير بمجال حقوق الإنسان وليس الأمن السيبراني بما يتناسب مع منصبها الجديد، في جامعة نوتنغهام بلندن التي من المفترض أن تبدأ الدراسة فيها سبتمبر/أيلول من عام 2019.

بمعنى أن كل ذلك حدث تقريباً في غضون شهر أغسطس/آب فقط، فهل كانت مستعدة نفسياً لهذا المنصب، كما أن سرعة تسجيلها بالجامعة وتوليها منصباً ليس ضمن تخصصها في الأساس بعد كارثة اغتيال مديرها السابق، وخصوصاً لصغر سنها أم أنها كانت مدربة على مثل تلك الضغوط، وكما أنها كانت غائبة عن الوكالة فترة تقدر بعام و4 أشهر لتحصل على ذلك، أم أن هناك مسؤولاً في الوكالة بعد تلك الحادثة الأليمة التي كانت ستفقد بها حياتها هي أيضاً أراد إعادة إكرام للوكالة ومساعدتها؟!

المهم.. تسافر إكرام إلى لندن لتبدأ دراسة الماجستير وتغيب عن الصومال فترة تقدر بسنة و6 أشهر قضت منها سنة و3 أشهر في بريطانيا، حيث عند انتهائها من درجة الماجستير قامت إكرام بالالتحاق بجامعة كينجز لدراسة مقرر آخر لمدة سنة، ويبدو أنها التحقت فور انتهائها من الماجستير، أي في بداية السنة الدراسية؛ السؤال هنا لماذا قامت بالتسجيل على الفور؟

هل ذلك بسبب عدم رغبتها في العودة إلى الصومال، هل كان ذلك ضمن المنحة الدراسية التي وفرتها لها المخابرات، ولماذا لم تعد لمنصبها الجديد الذي يبدو إلى الآن شكلياً حيث إنها لم تمارس عملها بشكل رسمي إلى الآن؟
لكن وبسبب فرض الحجر الصحي وانتشار وباء كورونا تقرر إكرام الخروج من لندن، ولكنها لا تعود إلى الصومال وإنما تذهب إلى تركيا لتقضي أول 3 أشهر مع عائلتها وتعود إلى مقديشو بتاريخ 27/03/2021.

هذه مجرد فرضية أولى حسب المتداول، ولكن هناك فرضية أخرى أن إكرام لم تقم بإنهاء الماجستير في لندن، حيث عادت إلى الصومال في شهر يونيو/حزيران 2020 وذلك لنفس السبب، الحجر الصحي هناك، لتقوم بإنهاء دراستها عبر الإنترنت، وكذلك تبدأ المقرر الآخر عبره، وتبدأ مهام منصبها الذي تقلدته منذ 2019 لأول مرة لمدة 6 أشهر الباقية من عام 2020. 

ثم تقضي إكرام 3 أشهر الأولى من عام 2020 في تركيا مع عائلتها هل كانت في إجازة أم دورة تدريبية من قبل الوكالة  لأن 3 أشهر فترة طويلة للغياب عن مهامها التي بدأتها للتو؟ 

بعد 3 أشهر بالضبط من هذا التاريخ ستختفي الضابطة ولن يوجد لا أثر لها لتبدأ رحلة البحث عنها من قبل عائلتها، وتصل قصتها إلى رئيس الوزراء تقريباً بعد 3 أشهر أخرى لتحدث الأزمة السياسية في البلاد التي كانت نتائجها معروفة ومعلنة للجميع.

إكرام اليوم مفقودة لمدة 7 أشهر من تاريخ اختفائها، ويرجح الكثير أنها قتلت بسبب ما يشاع عن حوزتها لسجل القوات الصومالية المرسلة للتدريب في إريتريا، وبسبب المعلومات التي بحوزتها عن طريقة اغتيال عمدة مقديشو عبد الرحمن ريسو.

يحيط الكثير من الغموض طبيعة عمل الضابطة إكرام، وهناك الكثير من التساؤلات للمساعدة على إيجاد المفقودة واستيعاب أسباب اختفائها، وكذلك أسباب الإطاحة بمدير المخابرات والأزمة السياسية في البلاد وتحول القضية لقضية سياسية تؤثر بشكل كبير على الرأي العام .

تساؤلات مشروعة

لذلك سأضيف بعض التساؤلات الأخرى المهمة ولها علاقة بقصة اختفاء ضابطة الاستخبارات إكرام تهليل فارح:

 ● مع إعلان نتيجة التحقيق بأن جهاز المخابرات "نيسا" ليس له علاقة باختفاء الضابطة، من هم الأشخاص أو الدول (نظراً للتدخلات الأجنبية العديدة بالصومال) الذين قاموا باختطاف إكرام واستغلوا قضيتها لإحداث خلل داخل الحكومة، فجوات في البلاد وإثارة حالة من الغضب الشعبي ضد الحكومة والإخلال بمصداقية وكالاتها؟

● هل إكرام ضحية مفقودة وضابطة استخبارات وطنية أم أنها كما يشاع عميلة مزدوجة؟ 

● مدير المخابرات كان الهدف الأساسي وسبب إثارة الأزمة، فلماذا الإطاحة به بهذه السرعة دون انتظار نتائج التحقيقات؟

● أين هي إكرام الآن، هل هي ميتة أم حية، هل يمكن أن تم اختطافها على يد حركة "الشباب" التي نفت ذلك مراراً؟

أنا كجميع الشعب الصومالي متضامن مع عائلة إكرام، وأشعر بالألم الذي يشعرون به لفقدانهم ابنتهم ورغبتهم في تحقيق العدالة لها ولهم ولنا جميعاً بشكل عام، وأتمنى أن يقدم الجميع المساعدة من أجل إيجادها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ليلى جامع
كاتبة وباحثة صومالية
كاتبة وباحثة صومالية
تحميل المزيد