لو تصفحت وسائل التواصل هذه الأيام لرأيت حنق كثير من المصريين على منتخبهم لكرة القدم بسبب أدائه المتواضع في كأس الأمم الإفريقية الذي يعزونه لضعف مستوى المدير الفني للمنتخب كارلوس كيروش الذي يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ ما يقارب مليون ومئتي ألف جنيه.
يقارن كثير من المصريين هذا الراتب الخيالي بالرواتب التي يتقاضاها الأطباء والمدرسون وأساتذة الجامعات، وينتهون إلى أن راتب المدير الفني للمنتخب يساوي رواتب المئات من هذه الفئات رغم جهودهم الواضحة في التنمية.
بالطبع، هذه المقارنة موجودة في أغلب بلاد العالم المتقدمة والمتخلفة على السواء، لكن هذا لا يمنع أن نسأل ونتساءل عن أهمية الرياضة في مصر مقارنة بالتربية البدنية، وهو ما نعرضه في السطور الآتية.
ما الفرق بين الرياضة والتربية البدنية في مصر؟
قد يبدو السؤال ساذجاً إن كان سؤالاً عاماً عن الفرق بين الرياضة والتربية البدنية، غير أن تقييده بالمجتمع المصري قد يخرجه عن هذه السذاجة وقد يدخله في دائرة الوجاهة.
الرياضة في مصر نشاط بدني، محكوم بقوانين (مثل قوانين لعب كرة القدم أو السلة)، وتمارسه أندية مسجلة، ويشرف عليه اتحاد قومي (مثل الاتحاد المصري لكرة القدم)، غير أن الأندية في مصر لا تمارس سلطاتها في اختيار اللاعبين بأمانة، وغالباً ما تعتمد في عملها على الواسطة لا المهارات، والأمر ذاته يتم في اختيار الطواقم الفنية والطبية والإدارية على مستوى المنتخب في جل الرياضات إن لم تكن جميعها. ونتيجة هذه الوساطة وتغليبها على المهارات – وهي كثيرة في ربوع مصر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً – ظهرت للوجود مافيا رياضية في الملاعب وتمددت لتشمل الإعلام الرياضي المقروء والمسموع والمرئي والإلكتروني، وبات هذا الإعلام الرياضي مُسمماً للروح الرياضية ومرتعاً لتنمية النعرات وتغذية المشاحنات وتسفيه المتنافسين ونشر البذاءات.
وفوق كل هذا، تضيع على هذه الرياضات مليارات الجنيهات في صورة رواتب ومكافآت بالملايين للاعبين ومدربين وإداريين فاقدي المهارة بل الأخلاق، وتحرم منها كثير من المؤسسات التعليمية والصحية التي قد تصلح من شؤونها هذه الأموال الضخمة.
أما التربية البدنية فهي تربية البدن سواء مُورست من خلال رياضة مثل كرة القدم أو تدريبات تركز على إنقاص الوزن وتحسين التنفس ومعالجة آلام العظام وتحسين التوازن ومعالجة السلوك، إلخ. ورغم أهمية التربية البدنية، تغيب في مصر وسائل ممارستها وتخصيص وقت كافٍ لها في المدارس والجامعات والمستشفيات والمصانع والشركات على مستوى الجموع ولا تحضر إلا على مستوى عينات مختارة تمثل فرقاً صغيرة تلعب باسم الجموع الغفيرة التي تكتفي بالمشاهدة والتصفيق.
أيهما الأهم؟
بالطبع، التربية البدنية هي الأهم؛ فلو أوليت التربية البدنية الاهتمام الكافي وخصصت لها الميزانية المحترمة المخصصة للأندية والمنتخبات في مختلف اللعبات لتكون نواة نوادٍ رياضية محترمة في المدن والأرياف وخاصة المعدمة والفقيرة، ستظهر النتيجة في نقص أمراض متعددة مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل وتصلب الشرايين، ولهذا نتائج متعددة منها تخفيف الضغط على المستشفيات وتعزيز الصحة العامة للشعب وزيادة الإنتاج وتحسين الاقتصاد. والنقطة الأخيرة مهمة للغاية؛ لأنها حجة من يهتمون بالرياضة ويخصصون لها ميزانية تقدر بمليارات الجنيهات، لأن انتشار التربية البدنية بالشكل المقترح سيؤدي لانتعاش اقتصادي في قطاعات الأجهزة والأدوات والملابس الرياضية وخلق فرص عمل بأعداد ضخمة في مجالات التربية البدنية كالتدريب وطب إصابات الملاعب وإنشاء البنية التحتية مثل إنشاء ملاعب وصالات رياضية، إلخ. وهذا يعني أن الميزانية التي كانت تضيع في شكل رواتب ومكافآت وحجوزات فنادق ورحلات طيران ستنفق بشكل أفضل على ملايين المستفيدين من المصريين وستؤدي لنتائج صحية رائعة ستؤدي بضرورة الحال لنتائج اقتصادية ممتازة.
ولكن ماذا عن الرياضة؟ هل يمكن أن تؤدي التربية البدنية المجتمعية للمساهمة في الرياضة بعد ذلك؟ نعم. ولكن، لنوقف الرياضة لمدة خمس سنوات فقط ونفسح المجال للتربية البدنية المجتمعية، وستظهر بعد ذلك آلاف المواهب في كل اللعبات يمكن على أساسها تشكيل أندية ومنتخبات محترمة تشكلها قيادات رياضية نزيهة (وهذه تترك لحوار رياضي مجتمعي قبل تحديد أسماء هذه القيادات) على أن تتقاضى مكافآت تتناسب مع جهودها لا مكافآت مليونية تتسبب في احتقان مجتمعي، وحتى تكفي الميزانية المخصصة – دون زيادتها – الرياضة والتربية البدنية على السواء.
وعندئذ نقول "نعم للتربية البدنية، نعم للرياضة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.