إن الموازنة المستمرة لإسرائيل بين علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وعلاقتها الاقتصادية مع الصين، ثالث أكبر شريك تجاري لها، من المقرر أن يكون أحد تحديات السياسة الخارجية الرئيسية لدولة الاحتلال في عام 2022.
انخرط مجلس الوزراء الأمني في مناقشات حول الخطوات الإسرائيلية التالية، وسط منافسة متوترة بشكل متزايد بين واشنطن وبكين واستمرار القلق في الولايات المتحدة بشأن التدخل الصيني في الشرق الأوسط.
كما ازداد الضغط الأمريكي لإضعاف وصول الصين إلى التقنيات والبنية التحتية الإسرائيلية الحساسة. والحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد تجري تغييرات معينة، ولكن ربما ليس بالسرعة أو المدى الذي يطلبه الأمريكيون.
وانفجرت هذه القضية خلال اجتماع بينيت في 27 أغسطس/آب مع الرئيس جو بايدن وكذلك أثناء زيارة لابيد لواشنطن في منتصف أكتوبر، على الرغم من أن الموضوع لم يظهر في البيانات الصحفية بعد ذلك.
تعززت العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين بشكل كبير خلال العقد الماضي. وقد حصلت على دفعة من قرار الحكومة الإسرائيلية في عام 2014 بإزالة العديد من العوائق الإدارية وتعزيز اتفاقيات التعاون التكنولوجي مع الصين. والتقى نتنياهو بالرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2017 واستضاف نائب الرئيس الصيني وانغ كيشان في إسرائيل في عام 2018.
وقد شحذت إدارة بايدن نبرتها ضد الصينيين باعتبار بعض كبار المسؤولين عن السياسات الصينية والنفوذ الإقليمي لبكين تهديداً استراتيجياً. واشتدت المعارضة الأمريكية للتدخل الصيني في إسرائيل في السنوات الأخيرة بعد أن سمحت إسرائيل للشركات الصينية بالمشاركة في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك بناء أسس السكك الحديدية الخفيفة في وسط إسرائيل.
وتستعد إسرائيل الآن لعقد مناقصة لبناء ثلاثة خطوط إضافية للقطارات. ومن بين المجموعات التي من المتوقع أن تقدم عطاءات على هذه المناقصة ثلاثة تحالفات تضم شركات صينية. ولا يُسمح لإحدى هذه الشركات بالمشاركة في المناقصات الأمريكية بسبب صلاتها بصناعة الأمن في الصين.
ومثال آخر على الاستثمار الصيني في البنية التحتية الإسرائيلية الحساسة هو الميناء الجديد في حيفا. ففي سبتمبر الماضي، افتتح ميناء خاص في حيفا بنته وتديره شركة صينية.
وأصبح هذا المشروع مثار جدل بين إسرائيل والإدارة الأمريكية. إذ حذرت دراسة أجرتها مؤسسة راند الأمريكية حول العلاقات الإسرائيلية الصينية من أن الوجود الصيني الدائم في الميناء سيوفر للصين فرصًا لجمع المعلومات الاستخبارية.
الاستثمارات الصينية تشكل أقل قليلاً من 10% من إجمالي رأس المال الأجنبي المستثمر في إسرائيل، وهو أقل بكثير من الاستثمارات الأمريكية والأوروبية. ومع ذلك، يبدو أن الأمريكيين قلقون للغاية بشأن الاستثمارات الصينية في التقنيات الأمنية الحساسة بغض النظر عن حجم الصفقات أو الأموال المعنية.
وتدعو الإدارة في واشنطن إسرائيل إلى تغيير الطريقة التي تراقب بها الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل. وبسبب ضعف الآلية القديمة، تم تشكيل لجنة بناءً على مطالب أمريكية، لكنها عملياً بلا أسنان. وتدرس إسرائيل الآن ما إذا كانت ستنقل مهام تلك اللجنة إلى مجلس الأمن القومي.
وتواجه إسرائيل تحديات في علاقتها مع الصين، ليس فقط على مستوى التجارة الأمنية، ولكن أيضا في المجال الدبلوماسي. ففي خطوة نادرة في يونيو/حزيران الماضي، وبعد ضغوط أمريكية على ما ورد، انضمت إسرائيل إلى حوالي 40 دولة في حث الصين على السماح لمراقبين مستقلين بالوصول إلى منطقة شينجيانغ الغربية، حيث تتهم بكين بقمع وحشي لأقلية الإيغور المسلمة.
وفي مناقشات في وزارة الخارجية الإسرائيلية قبل هذه الخطوة، أعرب بعض الدبلوماسيين عن مخاوفهم من رد فعل الصين. ثم تم تصعيد القضية إلى وزير الخارجية يائير لابيد، الذي قرر متابعة الأمريكيين وإدانة الصين، على الرغم من أن وزارة الخارجية ظلت بعيدة عن الأنظار ولم تعلن عن موقف إسرائيل من هذه القضية. وبعد أن أخطرت إسرائيل الصين بقرارها دعم البيان، أصدرت بكين بياناً دبلوماسياً للاحتجاج.
ومن ناحية أخرى، امتنعت إسرائيل عن التوقيع على بيان مشترك في 24 أكتوبر/تشرين الأول في الأمم المتحدة، بمبادرة من فرنسا، يعبر عن القلق بشأن معاملة بكين لأقلية الإيغور. وتتشكل الدبلوماسية الإسرائيلية بشأن الصين بأكثر من الضغط الأمريكي ضد الاستثمارات الصينية ورغبة القدس في تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وهناك أيضاً سياسات بكين تجاه إيران والصراع الإسرائيلي الفلسطيني التي يجب مراعاتها، بالإضافة إلى النظرة العالمية للصين بشأن حقوق الإنسان. وفي مارس من هذا العام، وقعت بكين اتفاقية اقتصادية استراتيجية مع طهران، ولطالما عارضت بكين فرض عقوبات عليها. وفي مايو الماضي، خلال جولة قتال ضد حماس في قطاع غزة، تحدث وزير الخارجية الصيني وانغ يي ضد إسرائيل مستخدماً لغة قاسية بشكل غير عادي.
ومن الواضح أن هناك توتراً بين إسرائيل والولايات المتحدة حول النفوذ الصيني، ولكن إسرائيل تتمتع بتحالف أقوى بكثير مع الولايات المتحدة يشمل الجوانب الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية. وإذا اضطرت إسرائيل للاختيار بين الاثنين، فمن الواضح أنها ستختار الولايات المتحدة، الآن على الأقل.المستقبل يحمل في طياته الكثير من المجهول!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.