تمتلك السعودية ثاني أكبر قوات مسلحة بمنطقة الخليج بعد إيران، حيث يبلغ تعداد قواتها المسلحة العاملة 227 ألف عنصر، وفقاً لتقرير التوازن العسكري لعام 2021، كما شغلت السعودية المركز السادس عالمياً في حجم الإنفاق العسكري لعام 2020 بمبلغ 57.5 مليار دولار، حسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، لتتفوق على دول من الوزن الثقيل مثل فرنسا وألمانيا.
ورغم تلك الأرقام الضخمة فإن السعودية تعاني من عجز خطير في التسليح المناسب لطبيعة الحرب التي تخوضها في اليمن، وهو ما دفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طلب المساعدة خلال القمة الخليجية المنعقدة مؤخراً بحسب ما كشفه تقرير للفايننشيال تايمز، نُشر في 8 يناير/كانون الثاني 2022. التقرير المذكور يعضد تقريراً آخر نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استندت فيه إلى مسؤولين أمريكيين وسعوديين، وخلص إلى أن قوات الدفاع الجوي السعودية باتت تعاني نقصاً حاداً في صواريخ الدفاع الصاروخي، في ظل تواصل القصف الباليستي والهجمات الجوية بطائرات مسيرة، التي ينفذها الحوثيون انطلاقاً من اليمن، وهي الهجمات التي تصاعدت في ظل سحب الجيش الأمريكي للعديد من منظوماته الدفاعية من السعودية، ضمن عملية إعادة الانتشار العسكري التي تنفذها إدارة بايدن بهدف مواجهة الصين.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أطلق الحوثيون 11 صاروخاً باليستياً تجاه الأراضي السعودية، كما شنوا 29 هجوماً بطائرات مسيرة، بينما في أكتوبر/تشرين الأول، أطلقوا 10 صواريخ باليستية بالتزامن مع شن 25 هجوماً بطائرات مسيرة، وفي المجمل قال المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيم ليندر كينغ، إن الحوثيين نفَّذوا على الأقل نحو 375 هجوماً على السعودية في عام 2021. وقد أنهكت تلك الهجمات المكثفة مخزون الصواريخ الاعتراضية السعودية من طراز باتريوت.
وفق التصريحات السعودية والأمريكية، فقد تمكن الجيش السعودي من التصدي لتسعة من أصل كل عشر هجمات صاروخية أو بطائرات بدون طيار يشنها الحوثيون، لكن الأزمة تتمثل في عدم تماثل تكلفة الهجوم مع تكلفة التصدي له، فبعض أنواع صواريخ الباتريوت تتكلف مليون دولار للصاروخ الواحد، في حين يبلغ متوسط تكلفة الطائرة المسيرة الواحدة التي يطلقها الحوثيون قرابة 10 آلاف دولار، حيث تتسم تلك الطائرات بصغر الحجم وقلة التكلفة.
وكذلك فإن بعض الأنواع الحديثة من الباتريوت مثل طراز (PAC-3) الذي تمتلكه 13 دولة فقط حول العالم، يبلغ سعر الصاروخ الواحد منه 3 ملايين دولار على الأقل، ويُعتبر الأغلى ثمناً ضمن منظومات الدفاع الصاروخي، وقد أشار الجنرال ديفيد بيركنز، قائد مركز التدريب والعقيدة القتالية بالجيش الأمريكي، في محاضرة له في عام 2017، إلى أن الرياض استخدمت صاروخ باتريوت بتكلفة 3 ملايين دولار في إسقاط طائرة مسيّرة حوثية صغيرة تبلغ تكلفتها 200 دولار.
وبالإضافة إلى كلفة استخدام صواريخ باتريوت في التصدي للطائرات المسيرة، فهو صاروخ اعتراضي مصمم بالأساس لمواجهة الصواريخ الباليستية، ولا يتسم بالفاعلية في التصدي للأهداف منخفضة الارتفاعات مثل الطائرات المسيرة، في ظلّ عدم تمكن بطاريته من الدوران 360 درجة، وهو ما أدى إلى تمكّن طائرة مسيرة حوثية من تدمير بطارية باتريوت في السعودية في حادث نادر من نوعه.
الرياض تطلب صواريخ جديدة
في ظل تلك الأزمة طلبت الحكومة السعودية من واشنطن تزويدها بمئات من صواريخ باتريوت الاعتراضية التي تصنعها شركة رايثون، وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت وكالة التعاون الدفاعي الأمريكي موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة لبيع صواريخ متوسطة المدى طراز "إمرام"، بتكلفة 650 مليون دولار، تتضمن 280 صاروخاً، فضلاً عن 596 منصة إطلاق صواريخ للمساعدة في التصدي للهجمات التي تتعرض لها السعودية.
الاحتياج الآني السعودي لا يتحمل الفترات الطويلة التي تستغرقها عمليات الموافقة على عقود التسليح الأمريكية، في ظل الإجراءات البيروقراطية التي تتطلب موافقة وزارة الخارجية على أن المعدات العسكرية المباعة لا تغير التوازن العسكري الأساسي في الشرق الأوسط، فضلاً عن ضرورة إخطار الكونغرس بتفاصيل الصفقة، بهدف الحصول على موافقته، مروراً بخطوات متعددة تجعل بعض العقود تستغرق عدة سنوات لحين إتمامها عملياً، ومن ثم فقد تواصلت الرياض مع دول خليجية أخرى من ضمنها قطر للحصول على صواريخ باتريوت من مخزونها العسكري كما طلبت الرياض من اليونان إرسال صواريخ باتريوت فاستجابت أثينا، وأعلن رئيس هيئة الأركان اليونانية كونستيندينوس فلوروس إرسال بلاده منظومة صواريخ باتريوت إلى السعودية، في سبتمبر/أيلول 2021.
كما كشف موقع "بريكنج ديفينس" المتخصص في الشؤون العسكرية، في سبتمبر/أيلول الماضي، أن الرياض تقارن بين شراء منظومة القبة الحديدية التي تنتجها شركة رافائي الإسرائيلية، حيث تُعتبر من أفضل منظومات الاعتراض ضد الصواريخ قصيرة المدى، أو شراء منظومة "باراك" التي تنتجها شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، والمصممة لاعتراض صواريخ كروز. فيما لمح "موشيه باتيل" رئيس منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية بإمكانية موافقة إسرائيل على بيع الصواريخ للرياض قائلاً "نظراً لأن لدينا نفس الأعداء، فربما تكون لدينا بعض المصالح المشتركة".
مكمن الخلل
مع اندلاع حرب اليمن وصل الإنفاق العسكري السعودي ذروته في عام 2015، حيث احتلت السعودية المركز الثالث عالمياً بعد أمريكا وروسيا بحجم إنفاق بلغ 87.2 مليار دولار وفق تقديرات معهد "سيبري"، وبما يعادل 12% من إجمالي الدخل القومي السعودي، وهو رقم مهول تظهر دلالته عند مقارنته بطلب واشنطن من حلفائها الأوروبيين بحلف الناتو رفع مستوى إنفاقهم العسكري إلى نسبة 2% من إجمالي دخلهم القومي في ظل انخفاضه عن تلك النسبة.
تُعزى الأسباب التقليدية لزيادة الإنفاق العسكري السعودي بوجه عام إلى عمليات التحديث للأسلحة والمعدات، والتزود بالذخائر، وتعزيز قدرات الدفاع الصاروخي، والانخراط في حرب اليمن، لكن الباحث الأمريكي بمركز الدراسات الدولية الاستراتيجية "أنتوني كوردسمان"، والذي عمل مستشاراً مع البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية، خلص في دراسة نشرها عام 2018، بعنوان "الإنفاق العسكري: الجانب الآخر من الأمن السعودي" إلى أن الرياض لديها ولع بشراء منظومات الأسلحة الأكثر تطوراً، بغض النظر عن الحاجة الفعلية لها، فضلاً عن الافتقار إلى الشفافية في برامج استيراد الأسلحة وتحديثها، ومن ثم دعا إلى مراجعة صفقات التسليح السعودية، بحيث تتوافق مع احتياجات الرياض العملية.
كذلك لم تنجح الرياض في تحقيق إنجازات استخبارية جوهرية تمكنها من اكتشاف واستهداف أماكن تصنيع وإطلاق المسيرات التي يستخدمها الحوثيون، وهو ما تحاول التركيز عليه خلال الشهور الماضية دون أن تحقق إنجازات ملموسة فيه.
وكذلك لم تعمل الرياض خلال الأعوام الماضية على امتلاك دفاعات صاروخية تتصدى للأهداف المنخفضة، رغم الاحتياج الشديد لهذا النوع من التسليح. كما لم يظهر دور ملموس في التصنيع العسكري للشركة السعودية للصناعات العسكرية "سامي"، والتي تأسست في عام 2017 بهدف عقد شراكات مع الشركات الرائدة عالمياً في مجال الأسلحة والصناعات الدفاعية، بغرض توطين نسبة 50% من إجمالي الإنفاق الحكومي العسكري في المملكة بحلول 2030.
إن الأزمة الحالية يُفترض أن تدفع الرياض ودول الخليج عموماً لمراجعة مدى جدوى عقد صفقات دفاعية بمبالغ هائلة، من أجل دوافع سياسية دون وجود بنية تشغيلية تتيح استخدام تلك الأسلحة المتطورة بشكل ملائم، وأحياناً دون الحاجة إلى تلك النوعية من الأسلحة ابتداء، والاعتماد بدلاً من ذلك على تلبية أولويات التسليح، وشراء المعدات ذات الاحتياج الفعلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.