من الشابة بسنت إلى معلمة المنصورة.. أين ذهبت فضيلة الستر في مجتمعنا المصري؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/11 الساعة 10:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/11 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية / istock

"ربنا يستر على ولايانا" هذا الدعاء هو كان أول ما يتبادر إلى ذهن أي مصري تُثار أمامه مسألة تتعلق بالأعراض والسمعة، فالجميع يطلب الستر من الله، والجميع يرى أنه يساعد في إبعاد نفسه وأهل بيته عن الفضائح المشينة، بحماية الغير من الفضيحة والمساعدة على ستر من تزل قدمه واحتواء الخطأ في حالة ارتكابه في أضيق الحدود.

وكان الناس يرون فيمن يستر الفضائح ويجبر العثرات فارساً شهماً مثالاً لكمال الأخلاق والرجولة، ويرون فيمن يفضح الأعراض شيطاناً ملعوناً لا يؤتمن على أتفه الأشياء، وهذا ليس مستغرباً من مجتمع  مسلم  تنص عقيدته على أن: "من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

إلا أنني أصبت بالصدمة على إثر حادثتين شهدهما المجتمع المصري في أسبوع واحد تقريباً:

الحادثة الأولى: انتحار الشابة بسنت

وتتلخص هذه الحادثة في قيام شخص معدوم الضمير بفبركة صور فاضحة لبنت في السادسة عشرة من عمرها- تعد طفلة طبقاً للقانون المصري- وحاول ابتزازها بتلك الصور الفاضحة إلا أن البنت لم ترضخ له، فما كان من هذا المجرم إلا أن سرَّب هذه الصور إلى أهل القرية التي تعيش فيها البنت، لتنتشر هذه الصور بسهولة شديدة، وتفاجأ البنت بالجميع ينهش في عرضها وذهبت كل محاولاتها لتأكيد براءتها وفبركة هذه الصور أدراج الرياح، فانتحرت البنت بعد أن كتبت رسالة تُقسم فيها أنها بريئة من هذه التهمة الرهيبة!

نحن هنا لسنا فقط أمام شخص مجرم سوَّلت له نفسه المريضة فضح بنت بريئة وتدنيس سمعتها هي وعائلتها، بل نحن أمام مجتمع مجرم، أقولها بملء فمي: مجتمع مجرم، فلو كان هذا المجتمع في حالته الطبيعية لما وجدت هذه الصور سبيلاً للانتشار، بل كانت اصطدمت بسد الستر الذي تكلمنا عنه في البداية، لكن ما حدث عكس ذلك، لقد وجد المجرم في مجتمع هذه القرية أرضاً خصبة نمت فيها بذور الفضيحة التي زرعها فيها والتفّت غصونها على الفتاة المسكينة لتقضي على حياتها وتنهيها.

لذلك أقول: إن كل من تداول هذه الصور وساعد في نشرها ساهم في تقوية الفضيحة لتصبح قادرة على التهام حياة الفتاة.

الحادثة الثانية: تصوير رقص المدرسة

لا أستطيع وصف مدى إدانتي لما فعلته هذه المرأة بكلمات بسيطة، لكن تقييم ما فعلته ليس هو موضوعي، وقد تتساءل عن السبب الذي جعلني أجمع بين بسنت البريئة وتلك المرأة التي اعترفت بما فعلته؟

من قام بتصوير هذا الفعل، من ساعد على نشره، ألم يخطر على باله أن هذا النشر قد يقضي على سمعة هذه المرأة، وما يستتبعه ذلك من القضاء على سمعة أبنائها وأسرتها، ألم يسمع في حياته عن كلمة الستر، ألم يخف من هتك ستره هو وأهل بيته، أليس هذا من تتبع عورات الناس الذي توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يقوم به بأن يتتبع الله عورته عندما قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته).

أكرر، أنا هنا لا أبرر ما فعلته هذه السيدة فهو مرفوض عندي تماماً، وهو يخالف كل ما نعرفه من دين أو عادات تأمرنا بالغيرة على نسائنا، ومن شاركها في هذا الفعل من ذكور، ولا أقول رجالاً، يجب أن يعاقبوا مثلما عوقبت هي أو أشد!

نحتاج إلى إعادة نشر مفهوم الستر، نحتاج إلى من تتوقف عنده الفضائح ويحطمها على صخرة خوفه من الله ورغبته في التمتع بستره، وإلا ستزيد وتيرة هذه الحوادث التي تستغلها ماكينة الترند الشرسة التي لا ترحم، والتي تستمد شراستها من شراسة المجتمع الذي أصبح يتغذى على الفضائح بعد أن غابت عنه فضيلة الستر.

سترني الله وإياكم!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي خيري
كاتب ومحامٍ مصري
كاتب ومحامٍ مصري
تحميل المزيد